هل حرب تركيا على الإرهاب نتيجة للاتفاق الإيراني؟

هل حرب تركيا على الإرهاب نتيجة للاتفاق الإيراني؟

احتفى المؤيدون للاتفاق النووي الذي تم التفاوض عليه بواسطة دول 5+1 مع إيران بشأن برنامجها النووي بالاتفاق بوصفه اتفاقًا تاريخيًا ومغيرًا لقواعد اللعبة. وقد تركزت الكثير من الانتقادات الدولية حتى الآن على تشكيكات إسرائيل ودول الخليج العربي حول الاتفاق.

ومع ذلك، وبغض النظر عن هذه المناقشات، فإن التأثير الكبير للاتفاق الإيراني سينعكس بالفعل على النزاعات الإقليمية الأخرى، بما في ذلك علاقة إيران مع منافستها التقليدية تركيا.

ومن خلال العمل بواسطة حكومة تصريف الأعمال منذ الانتخابات الوطنية التي جرت في 7 يونيو، وهي الآن تتجه نحو انتخابات مبكرة في الأول من نوفمبر، شنت تركيا حربًا على جبهتين ضد ما يسمى تنظيم الدولة الإسلامية، وخصمها التقليدي حزب العمال الكردستاني. وقد أشار معظم المحللين إلى الهجوم الإرهابي الذي وقع في 20 يوليو في مدينة سروج، وما تبع ذلك من مقتل اثنين من ضباط الشرطة التركية باعتبارهما الشرارة التي أشعلت التحول الاستراتيجي في أنقرة. ومع ذلك، فإن الحقيقة التي تنص على أن تلك الأحداث قد وقعت فورًا في أعقاب انتهاء المفاوضات مع إيران ليس أمرًا من قبيل الصدفة؛ حيث إن التوجه الأوسع للمنافسة الإيرانية-التركية المتزايدة يحدث على الصعيد الإقليمي منذ أن دعمت طهران الأكراد؛ مما أثار مخاوف أنقرة بشكل أكبر.

وقد تزامن تحسين موقف إيران الدولي في ظل حكم الرئيس حسن روحاني مع انحدار الصورة العالمية لتركيا. وفي حين تخلى حسن روحاني عن الخطاب العدائي الذي تبناه سلفه محمود أحمدي نجاد، فإن تعامل الرئيس رجب طيب أردوغان المتهور والعدواني مع مختلف الأزمات الداخلية والخارجية قد شوّه سمعته التي اكتسبها بصعوبة باعتباره الشريك المسلم الأكثر موثوقية بالنسبة إلى الغرب. والأهم من ذلك، أنه في الوقت الذي بدأت فيه إيران بتحرير الصراع مع التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة الإسلامية مع استمرار دعم النظام السوري لبشار الأسد، فإن غضب تركيا من نظام الأسد وموقفها المزدوج من تهديد الجهاديين قد دفع الكثيرين في الغرب إلى التساؤل عن مدى التزام هذا الشريك بحلف الناتو وقيمته للأمن الإقليمي.

وشهد موقف تركيا في مواجهة إيران في السنوات الأخيرة تحولًا كبيرًا، كما حدث في سياستها تجاه منطقة الشرق الأوسط بشكل أوسع؛ فقد سرى هجوم القوة الناعمة لأنقرة في المنطقة من خلال ما يسمى الربيع العربي وحقائق القوة الصلبة سعيًا نحو تحقيق طموحاتها بدور عثماني جديد في المنطقة. وفي الوقت نفسه، تشارك طهران بحماس في التسوية النهائية للاتفاق النووي الذي من شأنه أن يعيد إيران مرة أخرى إلى الأسواق الدولية. وخلال فترة رئاسة أحمدي نجاد، كانت تركيا هي أكبر شريك تجاري لإيران ومدافعًا رئيسًا عنها على الصعيد الدولي. وقد دعت أنقرة مرارًا إلى رفع العقوبات الدولية عن طهران؛ إذ إنها كانت تحد من النمو الاقتصادي في محافظاتها الشرقية، والتي انخرط الكثير منها في تجارة السوق السوداء مع جيرانهم الإيرانيين فقط من خلال الحدود. وكانت ذروة هذه العلاقة متمثلة في “إعلان طهران” الذي أعلنت عنه البرازيل وتركيا بفخر للتعاون مع إيران في العام 2010. وعلى الرغم من أنه تم القضاء عليه بهدوء بواسطة واشنطن بسبب “سوء الاتصالات”؛ إلا أن الاتفاق كان تمهيدًا سابقًا على المفاوضات التي حدثت لاحقًا من أجل التوصل للاتفاق النهائي مع إيران.

إذن؛ فلماذا لا يصفق معظم المسؤولين الأتراك لتوقيع الاتفاق مع إيران ورفع نظام العقوبات؟ أولًا وقبل كل شيء، يختلف الخبراء حول المدى الذي سوف تستفيد منه تركيا لعودة إيران إلى الاقتصاد العالمي، أو كيف يمكن للاستثمار أن يوجه تركيا لتجد طريقها نحو إيران باعتبارها الوجهة الإقليمية الساخنة الجديدة. ولكن الأهم من ذلك، هو أن خطة العمل المشتركة الشاملة مع إيران تهدد موقف تركيا الإقليمي؛ نظرًا لاستخدام إيران لوكلاء في جميع أنحاء المنطقة، وعلى وجه التحديد، دعم إيران الضمني لحزب العمال الكردستاني في الأشهر الأخيرة.

وبالنظر إلى حالة سوريا، نجد أن كلًا من تركيا وإيران تعملان بشكل واضح لتحقيق أهداف متعارضة. ويبدو أن الكثير من التطورات التي تثير غضب أنقرة في سوريا تأتي في صالح إيران، تمامًا كما فعلوا في العراق بعد سقوط نظام صدام حسين. حيث تشارك الحقائق المتغيرة على أرض الواقع في إنشاء كيان كردي آخر على طول الحدود مع تركيا؛  مما يثير المخاوف في أنقرة بكون الأكراد يمكنهم تحقيق دولتهم التي يتمنونها منذ فترة طويلة.

وقد أسست تركيا لعلاقة عمل جيدة مع الحكومة الإقليمية الكردية في العراق. ومع ذلك، فإن الارتباط الوثيق بين حزب الاتحاد الديمقراطي السوري وحزب العمال الكردستاني قد منع أنقرة من تطوير علاقات مماثلة مع أكراد سوريا. وعلى الرغم من أن أردوغان كان في خضم محادثات السلام مع عبد الله أوجلان الزعيم المسجون لحزب العمال الكردستاني؛ إلا أنه اعتقد أن سد هذه الفجوة من شأنه أن يؤثر على سمعته بين الناخبين القوميين. وكان التعاون مع وحدات حماية الشعب سيصبح خطرًا سياسيًا داخليًا لم يرغب رئيس تركيا في القيام به؛ نظرًا لكونه قد فقد الأصوات الكردية ويجب عليه الآن أن يناشد قاعدته القومية التركية. وبدلًا من ذلك، تعاونت أنقرة مع أولئك الموجودين في المعارضة السورية الذين سيواصلون عملية تغيير النظام في دمشق مع احترام السيادة التركية.

وقد ظهرت أخطاء هذه السياسة خلال حصار تنظيم الدولة الإسلامية لمدينة كوباني ذات الأغلبية التركية في الخريف االماضي. وفي حين كانت الولايات المتحدة تشن الغارات الجوية المحمومة لمنع تقدم الجهاديين، كانت الدبابات التركية المطلة على ساحة المعركة تقف بلا حراك. ولم يك من المفاجئ أن يشعر الأكراد الأتراك بخيانة الرجل الذي يصور نفسه على أنه بطل عملية السلام الكردية وحقوق الأكراد؛ مما جعلهم يدلون بأصواتهم ضد أردوغان في انتخابات يونيو الماضي. وردًا على ذلك، حول أردوغان نفسه إلى رئيس في زمن الحرب.

وقد ذكّرت حملة تركيا العسكرية التي تشنها على جبهتي تنظيم الدولة الإسلامية وحزب العمال الكردستاني، والتي اكتسبت شرعيتها من تفجير سروج وقوبلت في البداية بضجة كبيرة، الكثيرين في الغرب بالقيمة الجيوستراتيجية لتركيا والتي لا يمكن الاستغناء عنها. ولكن المراقبين الأمريكيين للمنطقة تجاهلوا إلى حد كبير المعركة الإعلامية المكثفة التي أثارتها تلك العملية بين أنقرة وطهران؛ حيث اتهمت وسائل الإعلام الرسمية الإيرانية على نحو متكرر تركيا بدعم تنظيم الدولة الإسلامية، بل ذهبت أبعد من ذلك بالتأكيد على أن ابنة أردوغان “سمية” قد زارت الجهاديين المصابين في سوريا، في حين اتهمت وسائل الإعلام الموالية لحزب العدالة والتنمية في تركيا إيران بالتحريض على العنف الإقليمي من خلال وكلائها المتنوعين وخاصة حزب العمال الكردستاني. وقد ذهب أحد الموالين للحكومة بجريدة ديلي صباح التركية إلى أبعد من ذلك بزعمه أن الاتفاق الإيراني قد زاد من دعم طهران للمنظمات الإرهابية، مثل حزب العمال الكردستاني مستخدمًا خطابًا مشابهًا لخطاب معارضي الاتفاق النووي في واشنطن. وفي يوم 24 أغسطس، تداولت الصحافة التركية صورًا لوزير الداخلية الإيراني عبد الرضا رحماني فضلي وهو يزور منطقة جبال قنديل، حيث يوجد حزب العمال الكردستاني.

وهذا ليس مجرد نوع من أنواع الدعاية؛ فقد ألغى وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف زيارته المقررة إلى أنقرة وسط تكهنات بأن أردوغان رفض مقابلته في لقاء رسمي وجهًا لوجه.

وإحياء سردية توازن القوى التركي-الفارسي التي سادت في الشرق الأوسط لقرون هي مجرد الموجة الأولى الناجمة عن الاتفاق الإيراني، ويجب أن يعتني بها المسؤولون الأمريكيون بشكل عميق؛ حيث إن كلا الدولتين يقوضان من الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة. فهل يمكن لواشنطن تحويل الخلاف بين أنقرة وطهران إلى فرصة لتطوير استراتيجية متماسكة في سوريا؟ الاحتمالات ضئيلة في هذا الصدد. ولكن يجب أن تكون الولايات المتحدة الآن على وعي أكثر من أي وقت مضى بهذه الأهداف المتعارضة وأن تأخذها ضمن حساباتها الإقليمية الأوسع.

التقرير