توصل تقرير حديث إلى أن الاستثمار بين الولايات المتحدة والصين انخفض إلى أدنى مستوى له منذ ما يقرب من عقد في النصف الأول من العام، وسط تصاعد التوترات السياسية والتداعيات الاقتصادية لوباء “كوفيد 19”.
وانخفض إجمالي رأس المال من خلال الاستثمارات المباشرة ورأس المال الاستثماري خلال الأشهر الستة المنتهية الماضية نحو 10.9 مليار دولار أميركي، من ذروتها 26 مليار دولار أميركي في 2016، وفقاً لتقرير مجموعة “روديوم” واللجنة الوطنية غير الربحية للعلاقات الصينية الأميركية.
علاوة على ذلك، شكلت عملية شراء واحدة حصة الأسد، إذ استثمرت شركة صينية 4.7 مليار دولار أميركي مباشرة في الولايات المتحدة، عندما دفعت شركة التكنولوجيا العملاقة تينسينت 3.4 مليار دولار أميركي في مارس (آذار) مقابل حصة أقلية في يونيفيرسال ميوزيك غروب.
وقال مؤلفا التقرير، ثيلو هانيمان وآدم ليسنكو من شركة روديوم، لصحيفة ساوث تشاينا مورننغ بوست، إن التراجع “يعكس السياسات التقييدية المتزايدة التي اعتمدتها إدارة ترمب تجاه الاستثمار الصيني، لا سيما في صناعة التكنولوجيا”.
ووجد التقرير أن استثمار رأس المال الاستثماري، الذي يركز بشكل كبير على الشركات الناشئة التي تحركها التكنولوجيا، قد تأثر بشدة، إذ انخفض إجمالي الاستثمار الصيني في الولايات المتحدة إلى أدنى مستوى له في ست سنوات عند 800 مليون دولار.
وقال المؤلفون إنه من غير المرجح أن تتوقف الرياح المعاكسة الشديدة التي واجهها المستثمرون الصينيون في النصف الثاني من 2020، ومن المتوقع أن تظل السياسات تجاه الصين قاسية قبل الانتخابات الرئاسية في نوفمبر (تشرين الثاني). كما أنه من غير المرجح أن يتراجع الضغط حتى لو هزم المرشح الديمقراطي جو بايدن الرئيس الأميركي دونالد ترمب.
ومع ذلك، قد تساعد إدارة بايدن في تقليل إجراءات الفصل الصارمة، التي يمكن أن تساعد الاستثمارات في القطاعات غير الاستراتيجية، مثل السلع الاستهلاكية والترفيه والرعاية الصحية والعقارات التجارية، وفقاً للتقرير.
4.1 مليار دولار تراجع الاستثمار الأميركي المباشر في الصين
وحسب التقرير انخفض الاستثمار المباشر من قبل الشركات الأميركية في الصين إلى 4.1 مليار دولار أميركي خلال الأشهر الستة الأولى من هذا العام، على الرغم من أن كثيراً من عمليات الاستحواذ الكبيرة تمضي قدماً، بما في ذلك صفقة “جي بي مورغان” بقيمة مليار دولار أميركي. كما يسير مجمع البتروكيماويات التابع لشركة إيكسون موبيل، الذي تبلغ تكلفته عشرة مليارات دولار أميركي ومجمع جنرال موتورز للسيارات الكهربائية على المسار الصحيح.
وبلغ إجمالي استثمارات رأس المال الاستثماري الأميركي في الصين 1.3 مليار دولار أميركي في النصف الأول من العام، وهو انخفاض ملحوظ في تمويل المرحلة المبكرة وسط تباطؤ أوسع في الصفقات التقنية وتداعيات الوباء.
وقال التقرير إن المستثمرين الأميركيين واجهوا بشكل عام سياسات استثمار صينية أقل جرأة. بينما كان رد فعل الصين على القيود الأميركية مقيداً حتى الآن، على الرغم من أن ذلك قد يتغير إذا استمرت العلاقات بين البلدين في التدهور.
ولا تزال الأنشطة الاستثمارية ضعيفة، إذ تظهر الدراسات الاستقصائية الأخيرة أن الشركات الأميركية والصينية تواصل الالتزام بأسواق بعضها بعضاً على الرغم من نية ترمب المعلنة “فصل” الدول اقتصادياً.
تفاؤل أصحاب الشركات الصينية والأميركية
وقال نحو 90 في المئة من المديرين التنفيذيين الصينيين العاملين في الولايات المتحدة إنهم يتوقعون أن تظل استثماراتهم في الولايات المتحدة كما هي أو تنمو خلال العام المقبل، وفقاً لمسح سنوي لغرفة التجارة الصينية شمل أكثر من ألف مدير تنفيذي.
وأظهرت الشركات الأميركية أيضاً التزاماً قوياً مماثلاً تجاه الأسواق الصينية، إذ أظهرت دراسة لغرفة التجارة الأميركية الأسبوع الماضي أن أربعة في المئة فقط من نحو 1400 شركة قالت إنها تخطط لنقل أي إنتاج خارج البلاد.
وقال جيك باركر، من مجلس الأعمال الأميركي الصيني، إن غالبية الشركات الأميركية “موجودة في الصين من أجل الصين”. وأضاف: “أن تلك الشركات موجودة في الصين للوصول إلى المستهلكين المحليين، وهي لا تستخدم منصة التصدير الصينية إلى الولايات المتحدة”.
نقطة مضيئة وسط التوترات التجارية
وفي السياق ذاته أظهر استطلاع حديث لـ”غولدمان ساكس”، أنه بينما تقوم شركات تصنيع الملابس والهواتف الذكية بنقل بعض عملياتها إلى خارج الصين، فإن الشركات في قطاعي الرعاية الصحية بخلاف تكنولوجيا الهواتف الذكية تتوسع بالفعل في الصين.
ويعتبر التفاؤل التجاري المفاجئ من كلا الجانبين نقطة مضيئة في العلاقة الثنائية بين أكبر اقتصادين في العالم، إذ تستمر التوترات في التصاعد في الجبهات من التجارة والتكنولوجيا إلى التمويل والجيش إلى الهجرة وحقوق الإنسان.
ومع ذلك، أصبح التنفيذيون أكثر تشاؤماً بشأن التوترات التجارية. وأظهر استطلاع غرفة التجارة الأميركية أن عدد المستجيبين الذين يتوقعون أن تظل العلاقة التجارية متوترة ارتفع إلى نحو 25 في المئة من نحو 17 في المئة قبل عام. ووجدت شركة سي جي سي سي أن 78 في المئة من المديرين التنفيذيين الصينيين قالوا إن أعمالهم تأثرت سلباً بالتوترات التجارية.
وكان مراقبون صينيون قد حذروا من أن التعافي في إبرام الصفقات قد يزداد صعوبة إذا استمر البلدان في الاستشهاد بأسباب تتعلق بالأمن القومي، لعرقلة الاستثمارات عبر الحدود.
وقال ماكس بوكوس، السفير الأميركي السابق في الصين، الأسبوع الماضي، “من الواضح أن الشركات الأميركية، باعتبارها أكبر سوق في العالم، ترغب بشدة في البقاء، ومحاولة إجراء أكبر قدر ممكن من الأعمال التجارية في الصين”.
لكن، بوكوس قال إن “البلدين استخدما الأمن القومي سلاحاً”، ما أدى إلى تأجيج “القومية المتزايدة” وقيادة “الرأي العام في كلا البلدين ليكون أكثر معارضة للبلد الآخر”، مشدداً على ضرورة “عنونة هذه القضية”.
اندبندت عربي