بريطانيا تجدد شراكتها الاستراتيجية مع سلطنة عمان

بريطانيا تجدد شراكتها الاستراتيجية مع سلطنة عمان

يعكس إعلان بريطانيا عن استثمار جديد لتوسيع البنية التحتية في مركز لوجستي بريطاني بميناء الدقم العُماني، في وقت سابق من الشهر الجاري حرص لندن على تعزيز الروابط مع مسقط في مختلف المجالات، بالنظر إلى الموقع الجيوسياسي المهم للسلطنة، وللعلاقات التاريخية التي تربط بين البلدين والتي شددت لندن على رغبتها في تعزيزها مع ارتقاء السلطان هيثم بن طارق للعرش خلفا للراحل السلطان قابوس بن سعيد.

وكشف وزير الدفاع البريطاني بن والاس خلال زيارة قام بها إلى عُمان قبل نحو أسبوعين أن الاستثمار في ميناء الدقم الذي يبلغ 23.8 مليون جنيه إسترليني “سيضاعف حجم القاعدة البريطانية الحالية بمقدار ثلاثة أضعاف وسيساعد في تسهيل انتشار البحرية الملكية في المحيط الهندي”.

وتقع قاعدة الدقم في أكبر منطقة اقتصادية في الشرق الأوسط وتقدر مساحتها بنحو 2000 كلم مربع يحتل الميناء منها 175 كلم مربع، وهو ميناء متعدد الأغراض، تراهن عليه السلطنة لاسيما وأن موقعه يجعله الأقرب للسفن القادمة من المحيط الهندي نحو دول الخليج.

ويأتي الاهتمام البريطاني بتوسيع البنية التحتية لمركزها اللوجوستي في السلطنة، فضلا عن كون بريطانيا تتطلع إلى “تجديد العلاقات القوية مع عمان”، وهو ما شدد عليه الوزير والاس خلال زيارته الى مسقط.

ووقع البلدان في العام 2019 أي خلال عهد السلطان الراحل قابوس بن سعيد على اتفاقية دفاع مشترك جديدة، وفسر محللون تلك الاتفاقية برغبة السلطان الراحل في مأسسة العلاقات مع بريطانيا لضمان استمراريتها بعده.

وتتماشى الاتفاقية مع روح اتفاقية عام 1800 الأصلية، التي نصت على أن الرابطة بين عُمان وبريطانيا لا يجب “فكها إلى الأبد”. وترتبط المملكة المتحدة وسلطنة عمان بعلاقات تاريخية تعود إلى أكثر من 200 سنة.

ويقول محللون إن لندن تبدو في حاجة إلى إعادة التأكيد على عمق العلاقات الثنائية بعد ارتقاء السلطان هيثم بن طارق إلى العرش في يناير الماضي، والذي يتوقع أن يسلك طريق السلطان قابوس في ما يتعلق بالسياسة الخارجية للسلطنة.

ويرى محللون أن تجديد بريطانيا التأكيد على الروابط مع عُمان لا يمكن أيضا قراءته بمعزل عن تداعيات الخروج من الاتحاد الأوروبي، واستمرار إيران في إثارة القلاقل وعدم الاستقرار، والوجود الإقليمي المتزايد للصين.

وتأتي الرغبة البريطانية في توسيع البنية التحتية في الدقم لدعم المركز البحري البريطاني المعزز مؤخرا في مملكة البحرين. وسيدعم المركز البريطاني في عُمان العمليات الأسترالية والهندية والأميركية في المحيط الهندي، حيث تستثمر نيودلهي بالفعل في المنشآت البحرية في جزيرة “أسامبشن” في جزر سيشيل وأغاليجا في موريشيوس.

تجديد بريطانيا التأكيد على الروابط مع عُمان لا يمكن قراءته بمعزل عن تداعيات الخروج من الاتحاد الأوروبي

وعززت نيودلهي، مثل لندن، اتفاقها الدفاعي مع سلطنة عُمان في السنوات الأخيرة بعد زيارة رئيس الوزراء ناريندرا مودي إلى مسقط في فبراير 2018، وكانت غواصاتها وطائراتها من طراز “بي 8 آي” تستخدم مرافق الدقم.

وينطوي النفس المتجدد للعلاقات العمانية البريطانية على رغبة في الحفاظ على الترتيبات العسكرية والاستخباراتية الحالية. وأشار الوزير البريطاني والاس خلال زيارته إلى مسقط بشكل خاص إلى التنسيق الثنائي بشأن المسائل الاستخباراتية بين الدولتين.

وتماشيا مع رغبة عُمان في الانفتاح مع حرصها الشديد على الحفاظ على استقلالية قرارها السيادي، فإن الاستثمار البريطاني الجديد في الدقم سيساعد في معادلة المصالح التجارية الصينية في المنطقة الاقتصادية الخاصة للبلاد.

وتعمل شركة “دقم نافال دوك يارد” كمشروع عُماني مشترك مع شركة “بابكوك إنترناشيونال” ومقرها لندن، وتمتلك رصيفين في ميناء الدقم قادرين على استقبال حاملات الطائرات البريطانية الجديدة من طراز “كوين إليزابيث” والقيام بإصلاحات السفن الرئيسية.

و تقدم خدماتها إلى أساطيل بحرية أخرى، كما أنها فازت بعقود إصلاح لناقلتي أسطول أميركي ومدمرة من طراز “أرلاي بورك”. وبالإضافة إلى ذلك، يحتوي الميناء على مطار بطول أربعة آلاف متر من الدرجة العسكرية، وعلى الرغم من أن الدبلوماسيين البريطانيين لم يتطرقوا لهذا الموضوع خلال الزيارة، فمن المرجح أن تستخدم لندن مرافق التخزين والصيانة العُمانية لتخزين المعدات لفرقة مدرعة، أي ما يعادل تلك التي وضعتها الولايات المتحدة قبالة ساحل جزيرة دييغو غارسيا.

وتبدو قدرة بريطانيا على تكوين قوات في الخليج دون الحاجة إلى نشر قوة بشرية دائمة هناك، دليل واضح للغاية على دعمها للحلفاء الإقليميين، والذي سيتكرر بشكل منتظم خلال التدريبات المشتركة. وفي الماضي، كان من الضروري شحن المعدات الثقيلة قبل وقت طويل من الحاجة إليها.

وفي ظل التحولات التي تمس بريطانيا والمنطقة ترى لندن بضرورة أن توفر القواعد الأمامية والتدريب المنتظم مسارا أسرع بكثير للعملية وقدرة أكثر فعالية. وتوقعت شبكة قنوات “بي.بي.سي” بأن الجيش البريطاني قد يحول تدريباته بالذخيرة الحية ومناورة الدبابات من كندا إلى الدقم، باستخدام منطقة تدريب “رأس مدركة” القريبة، والتي تبلغ مساحتها أربعة آلاف كيلومتر مربع.

وتوجد مصلحة عُمانية بريطانية مشتركة في دعم وتعزيز العلاقات الثنائية. ومع قرارات السلطان هيثم بإعادة إحياء الوضع الاقتصادي في عُمان، فإن تطبيق بعض التدابير المالية من شأنه أن يخلق حتما درجة معينة من الضغوط الاجتماعية قبل جني أي ثمار. لذلك فإن زيادة التمويل البريطاني للدقم سيكمل أولويات السلطان وسيدعم أكبر استثمار استراتيجي في عُمان.

صحيفة العرب