كيف مكنت التقنيات الحديثة الإرهابيين من أدوات لم تكن في المتناول

كيف مكنت التقنيات الحديثة الإرهابيين من أدوات لم تكن في المتناول

يربط محللون عسكريون امتلاك التنظيمات المتطرفة والمجموعات الإرهابية لأدوات تكنولوجية حديثة تساعدها في أنشطتها بالعوامل الحتمية، التي حفزت الشركات على الابتكار ونشر تقنيات الاستخدام المزدوج، رغم أن الشركات تتحمل مسؤولية إعلام الجمهور بالمخاطر، التي تنطوي عليها تقنيات معينة في ظل غياب تشريعات مدروسة تنسجم مع الوضع الحالي، لنصل إلى السؤال الأهم وهو كيف ستواجه الحكومات هذه التهديدات المتزايدة مستقبلا.

لندن – يثير اعتماد ونشر التكنولوجيا الجديدة في تطوير الأسلحة من خلال الاستخدام التجاري والإرهابي فضول فئة معينة من المتابعين، بيد أن انتشار التقنيات الحديثة أسست بيئة خصبة لمناقشة نظريات الابتكار العسكري وكيف تبنى الفاعلون العنيفون غير الحكوميين الجوانب الرئيسية لهذا الابتكار.

ويشير معظم المحللين عند سؤالهم عن استخدام الإرهابيين للتكنولوجيا الحديثة غالبا إلى الأحداث البارزة، التي شهدها العالم مثل فريق المجاهدين الذي أسقط ثلاث طائرات هليكوبتر سوفيتية بأربعة صواريخ ستينغر في 1986.

كما يعودون بالذاكرة إلى الوراء إلى الهجمات المفاجئة بصواريخ كروز، التي شنها حزب الله على السفينة الحربية الإسرائيلية “أهي هانيت” في عام 2006 ومن قبلها هجوم الحوثيين على سفينة يو.أس.أس ماسون في 2016.

ومع ذلك، يرى موقع “وور أون ذي رووكز” الأميركي المتخصص في الأسلحة أن هذه الشواهد لا تمثل سوى تلك التي تم فيها استخدام الأسلحة المنتجة خصيصا للحرب وكانت جميعها نتاج نظام مغلق لتطوير الأسلحة تقوده الحكومة.

ويقول توماس إكس هومز، وهو ضابط متقاعد من مشاة البحرية الأميركية ويعتبر متخصصا في حرب مكافحة التمرد، إن ذلك يفتقد نوعا مختلفا من التكنولوجيا، التي وسعت بشكل كبير من وصول الجهات الفاعلة غير الحكومية وهي التكنولوجيا التجارية المتاحة.

في مطلع أكتوبر 1993، فوجئت القيادة العسكرية الأميركية باستخدام رجال العشائر الصومالية شبكة من أجهزة الراديو والهواتف المحمولة لحشد أحياء بأكملها ضد غارة أميركية على سوق باكارا في مقديشو، فيما أصبح يُعرف باسم حادثة “بلاك هوك داون”.

وطوال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، فشلت القوات العسكرية في توقع استخدام الهواتف المحمولة ومحطات الراديو وأدوات فتح أبواب المرآب لإطلاق العبوات الناسفة، وفي الفترة الفاصلة بين 2015 و2017، استخدم انفصاليون في أوكرانيا طائرات صغيرة ذاتية القيادة لإلقاء قنابل الثرمايت على مستودعات للذخيرة العسكرية مما أدى إلى تدمير مئات من الأطنان.

وفي الشرق الأوسط، استخدم داعش خلال 2017 مزيجا من الطائرات التجارية منخفضة التكلفة والطائرات ذاتية القيادة محلية الصنع لمهاجمة قوات الأمن العراقية بشكل متكرر. وفي يوم واحد قام التنظيم بتجميد جميع تحركات تلك القوات عبر تنفيذ 70 مهمة بطائرة ذاتية القيادة، وكان الرد الوحيد ضدها من خلال استخدام نيران الأسلحة الصغيرة غير الفعالة.

وقام الإرهابيون بتكييف أدوات الشبكات الاجتماعية مفتوحة المصدر وشبكات الاتصالات التجارية للتخطيط للهجمات وتنفيذها. وفي مطلع 2002، استخدم أبوعبيد القريشي الإنترنت لنشر استراتيجية تنظيم القاعدة لمواصلة القتال رغم الإجراءات الأميركية في أفغانستان. وحتى وفاته، استمر أسامة بن لادن في تحفيز أتباعه عبر أشرطة الفيديو حتى أثناء مطاردة عالمية مكثفة.

وعلى مدى العقود القليلة الماضية، كانت الجيوش المتطورة والمسلحة تسليحا جيدا تتفاجأ بشكل منتظم من قبل المتمردين أو الإرهابيين باستخدام تكنولوجيا تجارية ميسورة التكلفة. ولذلك يؤكد إكس هومز أن العالم شهد استغلالا مشابها للتكنولوجيات الجديدة من قبل جهات فاعلة غير حكومية في العقود الأخيرة من القرن التاسع عشر.

وقال “لقد مكنت التغييرات السريعة في النقل والاتصالات وإنتاج الغذاء والدواء والتصنيع وإنتاج الطاقة الإرهابيين من التسبب في العنف وتعزيز أجندتهم. ويمكن أن توفر دراسة تلك الحقبة إرشادات لأولئك الذين يقاتلون الجهات غير الحكومية اليوم”.

وفي وقت الاستخدام المبكر للديناميت، مثلا، اغتالت منظمة نارودنايا فوليا القيصر ألكسندر الثاني لروسيا في 1881، حيث تم تطوير الديناميت كأداة للهندسة المدنية، وسرعان ما أعاد المتمردون استخدام الديناميت لإجراء المئات من التفجيرات حول العالم، ففي عام 1920، قتلت قنبلة واحدة 30 وأصابت أكثر من 300 شخص في وول ستريت.

وأوجدت الحركة المتمردة الدولية والديناميت حلقة تغذية مرتدة معززة، إذ استخدمت الديناميت في التفجيرات المدمرة وهذه النجاحات شجعت الآخرين على التحول إلى هذا المنحى وقد أدى ذلك إلى تحسين التكتيكات وعمل تفجيرات أكثر نجاحا، ودون عوائق من البيروقراطية، قاد المتمردون الابتكار في استخدام المتفجرات الصغيرة.

وفاجأت الهجمات السلطات باستمرار لأن خبراء الحكومة لم ينجحوا في صنع هذه الأسلحة ولم يتوقعوا استخدامها. وبنفس القدر من الأهمية، عملت المرافق التجارية للديناميت إلى زيادة الإنتاج على مستوى العالم.

وكنتيجة لذلك، دلت مواقع الهجمات على سرعة انتشار إنتاج الديناميت. وقد أشارت أودري كورث كرونين في كتابها الأخير “باور تو ذا بيبول: كيف يعمل الابتكار التكنولوجي المفتوح على تسليح إرهابيي الغد”، أنه من بين 1291 تفجيرا تم الإبلاغ عنها، وقعت الغالبية العظمى على بعد 150 ميلا من مصنع للمواد شديدة الانفجار.

وفي حين أنه قد يبدو أن البندقية أي.كي 47 لا تشكل قفزة تكنولوجية، فقد أمدّت هذه النوعية من الأسلحة المتمردين والإرهابيين بقوة نيران مفرطة ضد العديد من قوات أمن وسمح هذا السلاح الخفيف للمجموعات الإرهابية والمتمردين الصغيرة بتحقيق التكافؤ على الأقل مع القوات الحكومية في معارك متقاربة.

ونظرا لأن الجهات الفاعلة غير الحكومية كانت تبدأ عادة الاتصال، فقد وفر ذلك ميزة كبيرة في حركات التمرد في جميع أنحاء العالم. ومثل الديناميت، فقد أدت التكلفة المنخفضة والفائدة العالية لهذا السلاح إلى انتشار واسع النطاق. كما أدى بناء المصانع عبر دول حلف وارسو، في مصر، وفي الصين إلى إتاحة عشرات الآلاف من هذه الأسلحة في الأسواق السوداء للأسلحة.

من المهم أن يفهم المتابعون كيف يبتكر الإرهابيون والمتمردون أدواتهم، ولكن أيضا من أجل توقع التغييرات في تصرفات الجهات الفاعلة غير الحكومية، قد يكون فهم نمط انتشار هذا الابتكار أكثر أهمية.

وبالانتقال إلى الحاضر، تبحث كرونين في الطرق المتعددة التي استغل بها الإرهابيون والمتمردون الشبكات الاجتماعية وشبكات الاتصالات العالمية في السنوات الأخيرة.

وبالاعتماد على المنتجات التي تم تطويرها للأغراض التجارية، توضح كرونين كيف استفاد الفاعلون غير الحكوميين من هذه الأدوات للتواصل الفوري والآمن والتجنيد المستهدف وإنتاج مقاطع الفيديو عالية الجودة والنشر من أجل حرب المعلومات.

وقادت وسائل التواصل الاجتماعي الأميركيين إلى شن هجمات إرهابية على الأراضي الأميركية. ففي 2013، استخدم أنور العولقي، الأميركي الذي أصبح إرهابيا، موقع القاعدة على الإنترنت “إنسباير” لتجنيد الإرهابيين وتوجيههم.

كما استخدم الأخوان تسارنايف التعليمات الواردة في مقالته على الموقع بعنوان “كيفية بناء قنبلة في مطبخ والدتك” لبناء القنبلة التي استخدموها في ماراثون بوسطن. ومن جانبه، استخدم داعش الإنترنت بشكل مكثف لنشر مقاطع فيديو لانتصاراته وقطع رؤوس خصومه كجزء من حملة دعايا وتجنيد شاملة.

وبالنظر إلى الابتكارات الفتاكة، تفحص كرونين التقارب بين التقنيات الجديدة، وتسلط الضوء على كيفية قيام الطائرات ذاتية القيادة والطباعة ثلاثية الأبعاد والروبوتات والأنظمة المستقلة بتوسيع نطاق وصول الإرهابيين اليوم. ونظرا لأن مطوري هذه التقنيات منخرطون في أسواق شديدة التنافس، فإن قدرات أنظمتهم تتزايد بمعدلات شبه متسارعة وانتشرت على مستوى العالم.

وتشير كرونين إلى أن المتمردين على مدار التاريخ، لم يستخدموا أحدث التقنيات ولكنهم بدلا من ذلك، قاموا بتكييف التكنولوجيا المستخدمة على نطاق واسع بطرق غير متوقعة مثل صنع قنابل ديناميت صغيرة محمولة يدويا لإجراء اغتيالات.
l
ومن أجل توقع الهجمات المستقبلية، يحتاج أفراد الأمن إلى التفكير في كيفية تجميع التكنولوجيا المتاحة بطرق مختلفة. فعلى سبيل المثال، تشير كرونين إلى أن جميع مكونات أجهزة الاغتيال التي تعمل ذاتيا متاحة حاليا في الأسواق.

تشرح كرونين قائمة عملية وموجزة بالخصائص التي تسعى إليها الجهات الفاعلة غير الحكومية في الأسلحة المبتكرة “يجب أن تكون سهلة المنال ورخيصة وسهلة الاستخدام وقابلة للنقل ويمكن إخفاؤها ويجب أن تثبت فعاليتها. علاوة على ذلك، تبحث الجهات الفاعلة غير الحكومية عن أسلحة مفيدة في مجموعة واسعة من السياقات، وهي جزء من مجموعة من التقنيات التي تزيد من تأثيرها، وتكون ذات صدى رمزي، ويمكن تطويعها لاستخدامات غير متوقعة”.

تعمل الأسلحة ذات هذه الخصائص على تمكين الأفراد والمجموعات الصغيرة “ليس لأنها متفوقة على التقنيات المتطورة للدول، ولكن لأنها تساعد على حشد الأفراد وتوسيع نطاق وصولهم وتزويدهم بقدرات قيادة وتحكم غير مسبوقة”.

وتعكس القائمة بدقة تاريخ استخدام المتمردين والإرهابيين للتكنولوجيا في القرن العشرين وأوائل القرن الحادي والعشرين، وتوفر دليلا مفيدا للتفكير في كيفية استخدام الإرهابيين للتكنولوجيا الجديدة والخطوات التي قد تتخذها الدول لمنعها.

العرب