يتساءل الكثيرون حول العالم، فضلاً عن الألمان أنفسهم، عن مدى خطورة المجموعة التي تم الإعلان عن القبض على عناصرها الأسبوع الماضي في إحدى عشرة ولاية ألمانية، والتي تطلق على نفسها اسم “مواطنو الرايخ”، وما يمكن أن تُسفر عنه التحقيقات الجارية معهم حالياً بعد أن بات هؤلاء الأفراد متّهمين بالانتماء إلى يمين متطرّف يدعو إلى إلغاء الجمهورية الاتحادية وإحياء النظام القيصري مجدداً.
برلين – تمت الاستعانة بعناصر من الأجهزة الأمنية من العديد من الولايات الألمانية على مدار أسابيع لتحرير الأدلة والقبض على المتآمرين المشتبه بهم في قضية باتت تعرف في ألمانيا بقضية “مواطني الرايخ”.
وحملت العملية الأمنية الواسعة اسم “الظل”، وبالفعل لا تزال بعض الأمور في الظل حتى بعد القبض على متهمين رئيسيين من المجموعة المذكورة يوم الأربعاء الماضي.
ويقول المحققون إن أعضاء المجموعة لديهم استعداد لممارسة العنف ويعتبرون أنفسهم طليعة ستتولى القيادة في حال الانقلاب على النظام، لكن هناك الكثير من الأشياء التي تدل على أنه من المتوقع ألا يكون تقديم الأدلة سهلا في حال إقامة محاكمة للمتهمين، لأن بعض الأفكار المتداولة داخل المجموعة غريبة إلى درجة تجعل من الصعب في غالب الأحيان وضع حد فاصل بين ما يتعلق منها بتصورات وما يتعلق بواقع حقيقي. وينطبق هذا الأمر بالدرجة الأولى على الافتراض الذي يقول إن تحالفا من أطراف أجنبية سيتدخل في ألمانيا.
هناك تداخلات بين بعض المشتبه بهم وتيار المناوئين المتشددين لإجراءات مكافحة كورونا، على سبيل المثال في مدينة بفورتسهايم، إذ أن من بين المقبوض عليهم شرطيا كان قد ظهر في احتجاجات أنصار “التفكير الجانبي” ودافع عن نفسه قضائيا ضد قرار عزله من الخدمة في الشرطة. والأمر الثابت هو أن القيود التي تم إقرارها إبان جائحة كورونا لعبت دورا أيضا في البيانات التي نشرها أعضاء من المجموعة في وسائل التواصل الاجتماعي.
وهناك بين المتهمين من يعرفون بعضهم البعض بالفعل منذ فترة طويلة للغاية، وقد خدم إثنان من المقبوض عليهم معا في الجيش الألماني خلال فترة التسعينات في كتيبة المظلات 251 والتي تم دمجها جزئيا في فرقة القوات الخاصة “كي.إس.كي” في وقت لاحق.
ومع ذلك فقد تم العثور على العديد من الأسلحة خلال عمليات المداهمة التي تم تنفيذها يوم الأربعاء الماضي، وبحسب قائمة أولية فإن هذه الأسلحة هي بالدرجة الأولى مسدسات ضوئية أو مسدسات صوت بالإضافة إلى سيوف وأقواس نشابية. وبعبارة أخرى فإنها ليست معدات كافية لسيناريو الانقلاب الذي يُعْتَقَد أن المجموعة كانت تحضر له.
ولم تكن عمليات المداهمة قد اكتملت الخميس. وثمة أسئلة مطروحة في ضوء حقيقة أن ما تم اكتشافه من أسلحة تطلق ذخيرة حية بعد عمليات المداهمة هو فقط بندقية قصيرة وبندقيتان طويلتان، وهذه الأسئلة هي: هل يمكن أن تكون هناك مستودعات أسلحة لا تزال سرية وغير مكتشفة حتى الآن؟ هل علم المشتبه بهم بشكل أو بآخر بأمر الحملة المزمعة وأخفوا الأسلحة في الوقت المناسب؟
وأفادت بيانات لمصادر أمنية بأن العديد من المشتبه بهم كان لديهم رخصة سلاح على سبيل المثال كأسلحة لرياضة الرماية.
بعض الأفكار المتداولة داخل المجموعة اليمينية يصعب تصنيفها بين التصورات النظرية وما يتعلق بالواقع الحقيقي
وذكرت المصادر أنه تم العثور على قائمة تحوي أسماء نواب برلمانيين لدى أحد المتهمين، وقد خلت القائمة من أي ملاحظات الأمر الذي يجعل أهمية هذه القائمة غير واضحة. لكن المصادر قالت إنه تم إخطار الساسة المعنيين بهذا الأمر.
من جانبها، قالت مارتينا رينر عضو لجنة الشؤون الداخلية في البرلمان الألماني عن حزب اليسار إن وجود النائبة من حزب “البديل من أجل ألمانيا” بيرجيت مالزاك – فينكمان بين المشتبه بهم لم يكن مفاجئا بالنسبة إليها.
ورأت رينر أنه “يجب بدء إجراء النقاش حول حظر حزب البديل على الصعيدين القضائي والسياسي”. غير أنها اعترفت بأن الشروط المؤهلة لهذه الخطوة كبيرة. وربما لا يكفي الاستعداد للعنف وحده. كما أن المحكمة الدستورية الاتحادية تشترط أن يكون للحزب “موقف عدواني مستميت تجاه النظام الأساسي الديمقراطي الحر الذي يستهدف الحزب إلغاءه بالإضافة إلى وجود مؤشرات ملموسة تدل على أن تحقيق الحزب لأهدافه المناهضة للدستور لا يبدو ميؤوسا منه تماما”.
ويرى مارسيل إيمريش عضو لجنة الشؤون الداخلية عن حزب الخضر أن وجود نائب سابق من حزب “البديل” وقاضية بين المشتبه بهم بالإضافة إلى أعضاء حاليين وسابقين في أجهزة أمنية يفرض “علينا كمجتمع وكدولة أن نكون يقظين ومحصنين، ويجب أن نلقي نظرة فاحصة بشأن من يعمل من أجل هذه الدولة ويصدر أحكاما قضائية”.
مثل هذا الرأي تبناه أيضا توماس هالدنفانغ رئيس المكتب الاتحادي لحماية الدستور (الاستخبارات الداخلية) الذي راقب المجموعة على مدار شهور.
وأعرب عن أمله في أن يكون الفحص الأمني للأشخاص الذين يعملون في الأجهزة الأمنية على المستوى الاتحادي والولايات أكثر دقة وأكثر اكتمالا في المستقبل، مشيرا إلى أن هذا من شأنه أن يمنع وجود المتطرفين في هذه الأجهزة ومنعهم من الوصول إلى أسلحة.
يذكر أن الادعاء العام بألمانيا أصدر يوم الأربعاء الماضي أمر اعتقال ضد 25 شخصا يشتبه في انتمائهم إلى مجموعة “مواطني الرايخ”. وذكر الادعاء أن نحو 3000 شرطي شاركوا في مهمة القبض على أفراد المجموعة. وتعد العملية واحدة من أكبر عمليات الشرطة الألمانية ضد المتطرفين في تاريخ جمهورية ألمانيا، لاسيما في ما يتعلق بعدد القوات الخاصة المشاركة فيها.
ويتهم الادعاء 22 شخصا من المقبوض عليهم بالانتماء إلى جماعة وصفها بالتنظيم الإرهابي، منهم قياديان، فيما يتهم ثلاثة أشخاص آخرين بتقديم الدعم للجماعة.
وتجدر الإشارة إلى أن أعضاء مجموعة “مواطني الرايخ” لا يعترفون بالدولة الألمانية الحديثة التي تأسست بعد انهيار النازية، ولا بقوانينها، ويمتنعون عن دفع ضرائب ومخصصات اجتماعية، ويصرّون على أن الإمبراطورية الألمانية لا تزال قائمة.
العرب