الذهب ملاذ آمن في أوقات الأزمات الاقتصادية العالمية وزيادة المخاطر الجيوسياسية

الذهب ملاذ آمن في أوقات الأزمات الاقتصادية العالمية وزيادة المخاطر الجيوسياسية

a1440678711

طوال فترة الإدارة التنفيذية السابقة للمصرف المركزي تم وضع احتياطيات المصرف في سلة واحدة، هي الدولار الأميركي الذي تقدر نسبته بـ98% من إجمالي الاحتياطيات، مقابل 2% فقط مقومة بعملات أخرى ولا شيء للذهب، وذلك على العكس من احتياطيات المصارف المركزية في العالم التي يشكل المعدن الأصفر نسبة كبيرة من احتياطياتها باعتباره ملاذا آمنا في أوقات الأزمات الاقتصادية العالمية وزيادة المخاطر الجيو- سياسية، وما أكثرها هذه الأيام.

وفي ذلك الوقت لم نجد تفسيرا لهذا التوجه، إلا أنه في كل مرة يتعرض فيها الدولار لأزمة أو انهيار يضع المرء يده على قلبه خوفا من فقدان جزء مهم من قيمة هذه الاحتياطيات أو انخفاض قيمها بصورة كبيرة، إضافة إلى أن التضخم يستهلك جزءا منها، إلا أن الإدارة الجديدة للمصرف المركزي اتخذت مؤخرا قرارا حكيما بإدخال الذهب ضمن أصولها، مما يزيل حالة القلق المرتبطة بتقلبات الدولار ويقلل من المخاطر ويحافظ على هذه الاحتياطيات المهمة للأداء الاقتصادي ولأداء الجهاز المصرفي بصورة خاصة.

وتجدر الإشارة إلى أن الذهب يشكل 75% من احتياطيات بنك الاتحاد الفيدرالي في الولايات المتحدة، وهو البنك المركزي هناك الذي أوجد سلة أصول أكثر تنوعا، كما أن الذهب يشكل 72% من احتياطيات كل من ألمانيا وفرنسا و13.5% لبنك روسيا المركزي.

ووفق بيانات المصرف المركزي (الإماراتي)، فإن احتياطيات المصرف المقومة بعملات أجنبية بلغت 278 مليار درهم في شهر مايو الماضي، وهو نفس الشهر الذي قرر فيه المصرف ضم الذهب ليشكل أحد أصوله الدفاعية لأول مرة بمبلغ 351 مليون درهم، مما يشكل 0.13% أي أقل من 1% إلا أنها بداية صحيحة يمكن من خلالها زيادة حصة المعدن الأصفر بصورة تدريجية وبنسبة لا تقل عن 30%، حيث لا يوجد أفضل من هذا الوقت لتنفيذ هذا التوجه الصحيح. فأولا أسعار الذهب انخفضت من أعلى معدل لها والبالغ 2000 دولار للأوقية إلى 1100 دولار بداية الشهر الجاري، قبل أن يرتفع إلى 1166 دولارا بسبب الأزمة الصينية وانخفاض الدولار والنفط معا.

ثانيا، إن انخفاض أسعار النفط والمقاطعة الاقتصادية لبعض الدول قد تضطرها لبيع جزء من حصتها من الذهب، مما قد يحد من ارتفاعه بصورة كبيرة في المستقبل القريب، وهو ما قد يسمح للمصرف المركزي باستغلال الأسعار الحالية لرفع نسبة موجوداته من الذهب بصورة تدريجية وشرائه بأسعار متفاوتة لتحقيق معدل أسعار جيد لإجمالي احتياطياته المستقبلية وتنوعها.

وبناء على تجارب العديد من البلدان، فإن الأمر بحاجة لإعادة هيكلة لموجودات المصرف المركزي، بحيث يشكل الدولار نسبة لا تتجاوز 50% و30% للذهب و20 للعملات الرئيسية الأخرى، التي يعتبر الوقت أيضا مناسبا لشرائها، فسعر الجنيه الإسترليني مناسب جدا، كما هو الحال مع «الين» الياباني، أما اليورو فهو أكثر من مناسب بفضل تدني سعره إلى أرقام قياسية بسبب أزمة اليونان.

ولذلك، فإن أمام المصرف المركزي فرصة تاريخية ليس لإعادة توجيه أصوله لتصبح أكثر مرونة وأقل مخاطرة فحسب، وإنما لتحقيق مكاسب كبيرة من خلال بيع نصف احتياطياته من الدولار وشراء الذهب والعملات الأخرى بأسعار منخفضة.

وبالتأكيد فذلك بحاجة لقرار مركزي مرن ويتميز بإمكانية إنجازه بصورة مهنية عالية من خلال متابعة دقيقة لأسعار العملات والذهب وتذبذبهما في الأسواق الدولية، تلك التذبذبات التي ستزداد اتساعا وسرعة في الفترة القادمة نتيجة لتداعي الأزمات وتقلبات أسعار السلع، وخاصة النفط والتباطؤ الاقتصادي في آسيا، وبالأخص الصين واليابان وأزمة اليونان الضبابية وغموض النمو الاقتصادي الأميركي.

ومجمل هذه العوامل يمكن تسخيرها وتحقيق مكاسب اقتصادية ومالية كبيرة، مقابل خسائر متوقعة من جراء تهاوي أسعار النفط، مما قد يقلل من حدة هذه الخسائر، وهو اتجاه يضفي على التوجه الجديد للمصرف المركزي المزيد من الأهمية والحكمة.

د. محمد العسومي

صحيفة الإتحاد الأماراتية