استهداف البعثات الدبلوماسية يفجر أزمة بين بغداد وطهران

استهداف البعثات الدبلوماسية يفجر أزمة بين بغداد وطهران

قالت مصادر سياسية عراقية إن حكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي لم تعد تحتمل الألاعيب الإيرانية في ملف الاعتداء على البعثات الدبلوماسية بعد تصاعد هجمات الميليشيات الموالية لطهران وتهديداتها ضد المصالح الأميركية في العراق.

وأشارت المصادر إلى أن الكاظمي عازم على وضع الأمور في نصابها في هذا الملف، وإيضاح المواقف بجلاء، حتى إذا تسبب هذا الأمر في تفجير أزمة بين العراق وإيران.

وتخشى بغداد أن تكون خطوة إغلاق السفارة الأميركية مجرد مقدمة لخروج بعثات الدول الغربية من العراق، وذهاب الولايات المتحدة نحو خيار فرض العقوبات الاقتصادية على البلاد، وهو أمر كفيل بأن يؤدي إلى انهيار كبير في الأوضاع الداخلية.

ويسعى العراق إلى تهدئة مخاوف واشنطن من استمرار الهجمات التي تستهدف مقرها الدبلوماسي في بغداد، حيث سعى رئيس البرلمان محمد الحلبوسي في لقاء جمعه بالسفير الأميركي ماثيو تولر إلى التأكيد على “حفظ أمن البعثات الدبلوماسية من الاعتداءات المتكررة، والعمل على بسط سيطرة الدولة وفرض القانون وتحقيق الاستقرار”.

وعملت الولايات المتحدة على تعزيز أمن دبلوماسييها بعد تواصل التهديدات من قبل الميليشيات الموالية لإيران باستهداف المصالح الأميركية، حيث أعلنت سفارتها في بغداد الاثنين، عن “سلسلة من الاختبارات” لتعزيز الأمن في المنطقة المحيطة بمقر بعثتها الدبلوماسية.وبالتوازي مع التطورات السياسية، لم تتأخر الميليشيات العراقية في تنفيذ تهديداتها حيث سقط قتلى وجرحى من المدنيين العراقيين في إطلاق صواريخ كاتيوشا استهدفت محيط مطار بغداد الدولي. وذكر الجيش العراقي أن القصف أدى إلى مقتل امرأتين وثلاثة أطفال وجرح طفلين آخرين.

وقال النائب العراقي ظافر العاني في تغريدة على تويتر إن “الأسلحة الدقيقة التي قالت الفصائل إنها وصلتها مؤخرا، قد وجهتها اليوم ولكن إلى مطار بغداد وقتلت عائلة وأطفالا..”.

وكان أمين عام ميليشيا حركة النجباء الموالية لإيران أكرم الكعبي قال في تصريحات سابقة “ما زلنا ننتظر المواقف الرسمية من القوى العراقية حول الثكنة العسكرية المنتهكة للسيادة العراقية التي وضعتها أميركا في وسط بغداد باسم سفارة لتعيث في العراق فسادا وتخريبا”.

وقال الكعبي في أحدث تهديداته ضد المصالح الأميركية، “إن سكتت جميع القوى العراقية فإن للمقاومة موقفها، خصوصا أن الأسلحة الدقيقة دخلت الخدمة”.

ويعيش العراق على وقع صراع مفتوح على كامل الاحتمالات بين الولايات المتحدة وإيران منذ مقتل قائد فيلق القدس السابق في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس الحشد الشعبي أبومهدي المهندس في غارة أميركية بداية هذا العام.

وسعت السلطات العراقية إلى إيضاح موقفها بجلاء من الألاعيب الإيرانية في ما يتعلق بالبعثات الأجنبية في بغداد والعلاقة مع الولايات المتحدة ومستقبل القوات الأميركية في البلاد، إذ عقد الرئيس العراقي برهم صالح ورئيس الحكومة ورئيس البرلمان ورئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان اجتماعا خاصا لمناقشة “المستجدات الأمنية والسياسية والتداعيات الخطيرة المترتبة على الأوضاع الحالية”.

وأكد الاجتماع أن “التطورات الأمنية التي حدثت في الآونة الأخيرة من استمرار استهداف المراكز والمقرات المدنية والعسكرية، وتواصل أعمال الاغتيال والاختطاف بحق ناشطين مدنيين، إنما تمثل استهدافا للعراق وسيادته وللمشروع الوطني الذي تشكلت على أساسه الحكومة الحالية”.

وأشار المجتمعون إلى “تمسك العراق بمخرجات الحوار الاستراتيجي مع الولايات المتحدة واتفاق إعادة الانتشار من العراق خلال مراحل زمنية متفق عليها، ومن ضمن ذلك التعاون طويل الأمد مع الولايات المتحدة في شتى المجالات”، معربين في الوقت نفسه عن أملهم بأن “يكون التعاطي الأميركي والدولي مع التطورات الأمنية الأخيرة من خلال دعم الحكومة العراقية لاستكمال جهودها في تعزيز سلطة الدولة وتوفير الأمن لإجراء الانتخابات”.

ويقول مراقبون إن موقف الرئاسات العراقية يمثل لطمة لجهود إيران في دفع واشنطن إلى الانقلاب على بغداد، لاسيما في ما يتعلق بالتزام العراق بعلاقات طويلة الأمد مع الولايات المتحدة.

ويقول مراقبون إن أتباع إيران ربما أدركوا دقة المأزق الذي دفعوا العراق نحوه، وربما تلقوا تعليمات جديدة من طهران، وهو ما يفسر، ربما، عدم تعرض السفارة الأميركية إلى أي هجوم صاروخي خلال الأيام الأربعة الماضية.

لكن جميع الاحتمالات تبقى قائمة في الوضع العراقي، وفقا لتقديرات ساسة في بغداد، يرون أن فرص انزلاق الأوضاع العراقية على المستوى الأمني ستبقى قائمة، لحين انجلاء الانتخابات الرئاسية الأميركية عن فائز ما.

وفي إشارة إلى التصدع الكبير بين بغداد وطهران بفعل ما بات يعرف بـ”أزمة استهداف مقرات البعثات الأجنبية”، فندت الخارجية العراقية بشكل غير مباشر ما نشرته وسائل إعلام إيرانية عن مضمون اللقاء الذي دار بين وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين والرئيس الإيراني حسن روحاني.

وكان وزير الخارجية العراقي وصل إلى طهران السبت، والتقى نظيره محمد جواد ظريف، قبل أن يلتقي الأحد بالرئيس الإيراني حسن روحاني.ووزعت الرئاسة الإيرانية تفاصيل ما دار خلال اللقاء على وسائل الإعلام المحلية، إذ ظهر الوزير العراقي مجرد مستمع لتعليمات ونصائح تتعلق بمستقبل المنطقة.

وعندما قرر فؤاد حسين أن يتحدث، وفقا لبيان الرئاسة الإيرانية، اقتصر حديثه على توجيه الشكر لإيران لوقوفها إلى جانب العراق على طول الخط، معبرا عن الامتنان الكبير لرغبة إيران في تمتين علاقاتها بالعراق، فيما تعهد بإرسال وفود فنية إلى طهران لمتابعة تنفيذ الاتفاقيات التي وقعها خلال زيارته الحالية إليها.

ويبدو أن عرض الرئاسة الإيرانية لوسائل الإعلام المحلية عن مضمون لقاء حسين بروحاني لم يرق للخارجية العراقية، التي كشفت عن مضمون مختلف إلى حد كبير، إذ قال المتحدث باسمها أحمد الصحاف إن “الوزير فؤاد حسين حمل رسالة شفوية من رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي إلى الرئيس الإيراني حسن روحاني تمحورت حول تطورات الأوضاع بالمنطقة ومراجعة أهم الاحتمالات المتوقعة وما تنطوي عليه من انعكاسات”، موضحا أن “وزير الخارجية بحث في طهران أهم الملفات العالقة بين البلدين”.

وأشار الصحاف إلى أن وزير الخارجية العراقي “أفصح عن رؤية الحكومة في التعامل مع التحديات الراهنة”.

ويرى مراقبون أن إعلان الخارجية العراقية عن مضمون لقاء الوزير فؤاد حسين بالرئيس الإيراني يحمل إشارات قوية بأن الحديث في طهران لم يكن وديا بالشكل الذي صوره بيان الرئاسة الإيرانية.

العرب