الصين تحوّل معركة لقاح كورونا مع الدول الكبرى إلى المغرب العربي

الصين تحوّل معركة لقاح كورونا مع الدول الكبرى إلى المغرب العربي

 

لم تكن تونس يوما، وخاصة بعد 2011، بعيدة عن شعاع الصين، كون الطرفين في أمسّ الحاجة لبعضهما ضمن طريق الحرير الجديد. فتونس، التي تمر بأوضاع صعبة من الناحية الاقتصادية تريد تنويع علاقاتها الجيوسياسية لبناء أسس جديدة. وقد سرع وباء كورونا هذا التقارب المثير لحفيظة الأوروبيين تحديدا.

ويتفق المتابعون لما يحدث من تغيرات على مستوى العلاقات الدولية على أن التعامل مع الوباء قد يشكل تحالفات جديدة ولن تخرج تونس أو دول المغرب العربي عن هذا الإطار، ولذلك فبكين تريد استغلال الأزمة الصحية العالمية لترسيخ أقدامها في أي منطقة تدخلها.

ومن المؤكد أن ما تتطلع إليه تونس في ظل تفشي الفايروس لن يتحقق مع الاتفاقيات الموقعة مع الاتحاد الأوروبي، كاتفاقية التبادل التجاري الحر المبرمة في 1995، وتشمل المجال الصحي أيضا، فضلا عن اتفاقية التبادل الحر الشامل والمعمق (أليكا)، التي لا تزال فوق طاولة التفاوض ولن تعود بالنفع على التونسيين، وبالتالي فإن الجنوح لشريك ينظر لها نظرة أفقية لا عمودية سيحقق لها طموحاتها.

تعامل الصين مع الوباء قد يكون أرضية لبناء تحالفات جديدة ولن تخرج تونس أو دول المغرب العربي عن هذا الإطار

وتحت أنظار الدول الأوروبية والولايات المتحدة، تعمل الصين منذ بضع سنوات على مد جذورها إلى المغرب العربي الكبير بعد أن تحولت دول المنطقة هدفا للمارد الآسيوي منذ أكثر من ثلاث سنوات تقريبا، حيث يمكن الاستفادة منها لبلورة كافة الفرص في إطار الحزام والطريق الجديد، على أرض الواقع.

ويبدو أن تزايد النفوذ الصيني في هذه المنطقة المهمة سيثير حفيظة أوروبا، بدرجة أكبر، مستقبلا والولايات المتحدة بدرجة أقل، بعد أن صارت تجد نفسها وخاصة دول الاتحاد الأوروبي، في مواجهة منافسة اقتصادية شرسة في المناطق التي كانت إلى وقت قريب مجال نفوذها التاريخي سياسيا وعسكريا واقتصاديا.

ولكن اليوم قد تتحول المساعدة الصينية، التي أعلنت عنها القائمة بأعمال سفارة الصين في تونس يوان ليجي، لدعم تونس في طريق تطوير لقاح لعلاج فايروس كورونا، إلى نزاع بين بكين ودول أوروبية، في مقدمتها فرنسا وألمانيا وبريطانيا، والتي ترفض أن تنتشر التكنولوجيا الصينية المتعلقة بمجال الرعاية الصحية في منطقة لا تزال تعتبرها تلك الدول بمثابة المكان الطبيعي لنفوذها.

المتابع لتحركات الصين في منطقة المغرب العربي يقف على تلك الحقيقة، فمنذ تفشي الوباء بتونس في مارس الماضي، أكد الرئيس الصيني شي جين بينغ استعداد بلاده لتوفير الوسائل المادية اللازمة وكل وسائل وقاية من أجل مكافحة الفايروس. وهذا الموقف هو نفسه قدمته بكين لدول المنطقة ومع ذلك لم تتحرك دول أوروبا لتقديم المساعدات المطلوبة لأنها كانت منشغلة بمكافحة الوباء الذي أدى لوفاة الآلاف.

وثمة أسباب كثيرة تدفع دول شمال أفريقيا لتعزيز شراكتها التجارية والاقتصادية الاستراتيجية مع الصين، ولعل من أبرزها إحساس دول المنطقة، المرتبطة منذ عقود طويلة بالاقتصاد الأوروبي، بتراجع وتيرة النمو في القارة، التي لم يعد بإمكان السوق فيها استيعاب الواردات القادمة من جنوب المتوسط.

ومن الواضح أن السبب الأكثر إثارة لاهتمام دول المغرب الغربي في تحويل مسارها نحو الشرق هو أن الأجندة الاقتصادية الصينية تخلو من فكرة توسيع النفوذ السياسي أو العسكري، رغم تباين الآراء حولها، فتونس، التي تمر بأوضاع صعبة تريد رفع مستويات النمو الهشة، وهذا الأمر لن يتحقق مع اتفاقيات لم تعد تتماشى والوضع الراهن.

ولذلك تشكل تعاون وثيق بين تونس والصين قبل سنوات قليلة، كما هو الحال مع المغرب والجزائر، ولكن في مايو 2018، كشفت ييتشانغ، وهي أكبر شركة صينية لصناعة الأدوية، أنها تتفاوض مع شركات تونسية لخوض مغامرة تصنيع الأدوية ببلد يعد واحدا من أفضل دول المنطقة من حيث الموارد البشرية العاملة في الرعاية الصحية رغم أن هناك مشكلة في توفير التجهيزات.

ما تتطلع إليه تونس في ظل تفشي الفايروس لن يتحقق مع الاتفاقيات الموقعة مع الاتحاد الأوروبي، كاتفاقية التبادل التجاري الحر المبرمة في 1995، وتشمل المجال الصحي أيضا

وقد اعتبرت هذه الخطوة بمثابة تهديد بالنسبة للحكومات الأوروبية، التي تعمل بشكل فيه نوع من “النظرة الفوقية” مع تونس في كل المجالات ومن بينها الصحة، ويمكن تشبيه ذلك بنظرة “مارد نهم إلى قزم ضعيف”. ولكن بعد أن انتشر الوباء وجد التونسيون أنفسهم في موقف محرج على ما يبدو رغم أن هناك محاولات من طرف معهد باستور لتطوير لقاح ضد الفايروس.

وهذه النقطة بالذات تروق كثيرا لدول المنطقة، وخاصة تونس، حتى تحد، ولو مؤقتا، من الوصاية الأوروبية الانتهازية، والتي لم تعمل في السنوات التي تلت ثورات “الربيع العربي” على بناء قدرات شركائها في الضفة الجنوبية حيث لم تستفد بالشكل المطلوب من علاقتها مع حلفائها التقليديين.

ومن ينظر في طبيعة التقارب الصيني مع بلدان أفريقيا بشكل عام سيقف عند حقيقة مفادها أنها طالت القطاعات الاستراتيجية في مسيرة التنمية في القارة التي بدأ الأوروبيون بالتفكير في استغلالها عبر خطة طويلة المدى طرحتها ألمانيا قبل فترة، كما أن المارد الصيني وهو يضخ المليارات من الدولارات في اقتصادات الدول الأفريقية، ليجني أضعافها في المستقبل، لم يرفع أبدا يافطة الديمقراطية وحقوق الإنسان، كما يفعل الغرب.

رياض بو عزة

صحيفة العرب