ناغورني قره باغ: مخاطر نزاع يتجاوز اشتباكات الحدود

ناغورني قره باغ: مخاطر نزاع يتجاوز اشتباكات الحدود

تشير غالبية المعطيات العسكرية والميدانية، حول تطورات القتال بين أذربيجان وأرمينيا في منطقة ناغورني قره باغ، المتنازع عليها بين البلدين، إلى أن المعارك انطوت على استخدام الدبابات والحوامات والمدفعية الثقيلة والمشاة، بما يعني أن هذه الجولة تختلف نوعياً عن سابقاتها منذ بدء النزاع في سنة 1991. واضح كذلك أنها لم تعد مجرد اشتباكات حدودية بين أذربيجان والإقليم الانفصالي الذي تدعمه أرمينيا، بل هي تهدد بمواجهة عسكرية واسعة النطاق تتواجه فيها تركيا وروسيا على نحو مباشر، مع وجود قوى إقليمية ودولية أخرى تساند هذا الطرف أو ذاك بصفة غير مباشرة.
ولعل اللجوء إلى القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة بصدد النزاع هو المنفذ الأول الذي يمكن أن يفضي إلى مفاوضات جدية وملموسة لإيجاد تسوية شاملة لخلافات حدودية وديمغرافية تعود إلى أكثر من قرن، وكانت قد بدأت أيام الاتحاد السوفييتي مع قرارات جوزيف ستالين ضمّ إقليم ناغورني قره باغ ذي الأغلبية الأرمنية الساحقة إلى أذربيجان، وفي المقابل زرع جيب ذي أغلبية أذرية في قلب أرمينيا.
ونقطة البدء في إطلاق مسار تفاوضي مثل هذا هي البناء على عدم اعتراف سائر المجتمع الدولي، بما في ذلك أرمينيا ذاتها، بالكيان الانفصالي الأرمني في ناغورني قره باغ، مع توطيد أنظمة الإدارة الذاتية التي تتمتع بها الأغلبية الأرمنية خاصة بعد تعبيد ممرّ لاشين الذي يربط المنطقة بأرمينيا. هنالك أيضاً قرار مجلس الأمن الدولي رقم 822 لعام 1993 الذي يطالب القوات الأرمنية بالانسحاب من الإقليم، وكذلك وجود صيغة قائمة لتوها هي «مجموعة مينسك» المؤلفة من روسيا والولايات المتحدة وفرنسا مفوضة أممياً بالتوسط في حل النزاع.
ويمكن للولايات المتحدة تحديداً أن تلعب دوراً حاسماً في تسريع التسوية السلمية بين البلدين، لأن أرمينيا تتلقى مساعدات أمريكية هائلة تضعها في المرتبة الثانية بعد دولة الاحتلال الإسرائيلي في هذا المضمار. غير أن معطيات تاريخ النزاع تشير إلى مزيج من الصمت الأمريكي أو التواطؤ أو حتى بعض الانحياز إلى صف أرمينيا، وذلك بسبب فعالية مجموعات الضغط الأرمنية داخل الكونغرس والإدارات الأمريكية المتعاقبة.
من جانب آخر فإن غياب سياسة روسية متكاملة تجاه القوقاز بأسره هو عامل زعزعة لاستقرار الكثير من جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابقة، بدليل ما تشهده ملفات أوكرانيا والقرم وجورجيا وأبخازيا والشيشان وأوسيتيا من تسخين متواصل. لكن الدور الروسي يمكن أن يكون حاسماً في الضغط على أذربيجان وأرمينيا معاً، من أجل تفضيل الحلول السلمية والدخول في مفاوضات مفتوحة حول الإقليم وسائر الخلافات الحدودية القديمة أو المستجدة.
ولا يخفى أن لتركيا بالغ التأثير في ترجيح كفة التفاوض وعلى الجانب الأذري تحديداً، بالنظر إلى العلاقات التاريخية والثقافية والاقتصادية والاستثمارية بين أنقرة وباكو من جهة أولى، وكذلك لأن تركيا تدعم أذربيجان عسكرياً في النزاع الراهن، ويمكن أن يتصاعد موقفها أكثر فأكثر إذا أقدمت روسيا أو قوى إقليمية أخرى على تطوير دعمها العسكري للانفصاليين الأرمن عبر يريفان.
وإلى جانب ما يشهده النزاع من مواجهات دامية تهدد بمزيد من الضحايا وموجات التهجير والتطهير الإثني، فإن جانباً لا يقل خطورة في الجولة الراهنة يتمثل في تصويرها كصراع ديني بين الإسلام والمسيحية، والعالم اليوم أحوج ما يكون إلى تفادي وقوعه.

القدس العربي