تتصاعد منذ الأحد اشتباكات على طول الحدود بين أرمينيا وأذربيجان، في أحدث جولة من صراع طويل الأمد بين البلدين اللذين خرجا من رحم الاتحاد السوفيتي السابق.
ومنذ نحو ثلاثة عقود، يرزخ حوالي 20 في المئة من أراضي أذربيجان، بما فيها إقليم “قره باغ” الأعلى أو إقليم “ناغورني قره باغ”، تحت الاحتلال الأرميني.
وهذه حقيقة تؤكدها 4 قرارات من مجلس الأمن الدولي، وقراران من الجمعية العامة للأمم المتحدة، وتطالب جميعها بانسحاب القوات الأرمينية من “قره باغ” وسبع مناطق أخرى محتلة متجاورة في أذربيجان.
وتشمل منطقة “قره باغ” المحتلة مدن “شوشا”، و”خانكيندي”، و”خوجالي”، و”أسغاران”، و”خوجافاند”، و”أغدارا”، و”هدروت”.
والمناطق المحتلة السبع الأخرى في أذربيجان هي المقاطعات المحيطة بمنطقة كاراباخ العليا، بما في ذلك لاتشين، وكلباجار، وأغدام، وفوزولي، وجبارايل، وقبادلي، وزانجيلان.
وخلال الصراع في ناغورني قره باغ، أصبح أكثر من مليون أذربيجاني مشردين داخليا، في حين قُتل 20 ألف شخص في عمليات عسكرية، وأصيب 50 ألفاً آخرون بجروح، بحسب أرقام أذربيجانية رسمية.
كما فُقد ما لا يقل عن 4 آلاف أذربيجاني خلال النزاع، ولا يزال مصيرهم مجهولا، فيما أسرت القوات الأرمينية أكثر من ألفي أذربيجاني وأخذتهم رهائن.
في عام 1923، أنشأت الحكومة السوفيتية منطقة ناغورني كاراباخ المتمتعة بحكم ذاتي، وتبلغ مساحتها 4 آلاف و400 كيلومتر مربع، في الجزء الجبلي من “قره باغ”، ما أرسى أساس الاتجاهات الانفصالية في تلك المنطقة.
وفي أوائل ثمانينات القرن الماضي، استغل الأرمن في قيادة الاتحاد السوفيتي، بجانب قادة أرمينيا السوفيتية والشتات في الخارج، إضعاف الحكومة المركزية لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية، للشروع في حملة لضم إقليم ناغورني – قره باغ، المتمتع بالحكم الذاتي، إلى أرمينيا.
ونشب نزاع بين أرمينيا وأذربيجان في “قره باغ” مع المطالبة الإقليمية العلنية من الأرمن بأراضي أذربيجان التاريخية، فضلا عن الاستفزازات العرقية في 1988.
وبين 1987 و1989 طُرد أكثر من 250 ألف أذربيجاني من أراضيهم التاريخية في أرمينيا، وقُتل 216 منهم بوحشية، وأصيب ألف و154 آخرون بجروح.
وفي 20 فبراير/ شباط 1988، خلال جلسة لنواب الشعب بمنطقة ناغورني قره باغ المتمتعة بحكم ذاتي، اعتمد أفراد من الجالية الأرمينية في المنطقة قرارا لمناشدة كل من جمهورية أذربيجان الاشتراكية السوفييتية والجمهورية الاشتراكية السوفيتية الأرمينية لضم منطقة ناغورني قره باغ إلى جمهورية أرمينيا.
وفى 22 فبراير/ شباط 1988 فتح الأرمن النار على مظاهرة سلمية نظمها أذربيجانيون قرب بلدة أجاران، احتجاجا على هذا القرار، ما أسفر عن مصرع اثنين من الأذربيجانيين.
في الأول من ديسمبر/ كانون الأول 1989، تبنى مجلس السوفييت الأعلى لجمهورية أرمينيا الاشتراكية السوفييتية قرارا غير مسبوق “بشأن توحيد جمهورية أرمينيا الاشتراكية السوفيتية وناغورني كاراباخ”.
في 10 يناير/ كانون الثاني 1990، اعتمدت هيئة رئاسة الاتحاد السوفيتي الأعلى قرار “بشأن عدم توافق القوانين المتعلقة بناغورني قره باغ، والتي اعتمدتها الهيئة السوفيتية العليا في 1 ديسمبر/ كانون الأول 1989 و9 يناير/ كانون الثاني 1990، مع دستور الاتحاد السوفيتي”.
ووصف القرار مطلب جمهورية أرمينيا الاشتراكية بشأن توحيد جمهورية أرمينيا وناغورني – قره باغ بأنه “غير قانوني”، ولا يمكن أن يحدث إلا بموافقة جمهورية أذربيجان الاشتراكية.
في 30 أغسطس/ آب 1991، أعلن مجلس السوفييت الأعلى لأذربيجان استعادة استقلال الدولة، الذي تم الحصول عليه لأول مرة عام 1918.
وفي 18 أكتوبر/ تشرين الأول، اعتمدت البلاد القانون الدستوري “بشأن استقلال دولة جمهورية أذربيجان”.
وفي 26 نوفمبر/ تشرين الثاني 1991، اعتمد مجلس السوفييت الأعلى لجمهورية أذربيجان، قانونا “متعلقا بإلغاء إقليم ناغورني – قره باغ المستقل ذاتيا في جمهورية أذربيجان”.
ومن أواخر 1991 إلى أوائل 1992، دخل الصراع مرحلة عسكرية.
وخلال تلك الفترة، ومع انهيار الاتحاد السوفييتي وعدم الاستقرار السياسي في أذربيجان بسبب مواجهة داخلية، استغلت أرمينيا الوضع وبدأت عمليات عسكرية في ناغورني – قره باغ، بدعم عسكري خارجي.
وفي 26 فبراير/ شباط 1992، ارتكبت القوات الأرمينية مذبحة بحق شعب أذربيجان، عُرفت باسم “الإبادة الجماعية في مدينة خوجالي”.
وخلال هجوم أرميني استمر ساعتين، قُتل 613 أذربيجانيا، بينهم 106 نساء و63 طفلا و70 من كبار السن، فيما أصيب 487 آخرون بجروح خطيرة، وفق إحصاءات أذربيجانية.
بينما تم القضاء على ثماني أسر تماما، وفقد 130 طفلا أحد والديهم، فيما فقد 25 طفلا كلا الوالدين.
وفي أيار/مايو 1992، احتلت القوات الانفصالية الأرمينية مدينتي شوشا ولاتشين.
وفي 1993، استولت القوات الأرمينية على ست مقاطعات أذربيجانية أخرى حول ناغورني – قره باغ، بما في ذلك كلبجار، وأغدام، وفوزولي، وجبارايل، وقبادلي، وزانغيلان.
وفي 30 أبريل/ نيسان 1993، تبنى مجلس الأمن الدولي قرارا برقم 822 طالب بالانسحاب الفوري لجميع قوات الاحتلال من منطقة كلبجار والمناطق المحتلة الأخرى في أذربيجان.
وأشار مجلس الأمن بـ”انزعاج إلى تصاعد الأعمال العدائية المسلحة، وخاصة الغزو الأخير لمنطقة كلبجار في جمهورية أذربيجان من جانب القوات الأرمينية”.
وفي 29 يوليو/ تموز 1993، تبنى مجلس الأمن قرارا برقم 853 طالب “بالانسحاب الكامل وغير المشروط فورا لقوات الاحتلال” من منطقة أغدام وجميع المناطق الأخرى التي احتلتها أرمينيا.
وفى 14 أكتوبر/ تشرين الأول 1993 تبنى مجلس الأمن قرارا برقم 874 دعا إلى التنفيذ الفورى للخطوات المتبادلة والعاجلة المنصوص عليها فى “الجدول الزمنى المعدل” لمؤتمر منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، بما فيها انسحاب القوات من الأراضى المحتلة مؤخرا.
وفى 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 1993، تبنى مجلس الأمن قرارا برقم 884 أدان الانتهاكات الأخيرة لوقف إطلاق النار، مما أدى إلى استئناف الأعمال العدائية، إضافة إلى “إدانة خاصة لاحتلال منطقة زانجيلان ومدينة هوراديز والهجمات على المدنيين وقصف أراضى أذربيجان”.
كما طالب القرار بـ”الانسحاب الأحادى لقوات الاحتلال من منطقة زانجيلان ومدينة هوراديز وانسحاب قوات الاحتلال من المناطق الأخرى التى احتُلت مؤخرا في أذربيجان”.
وفي فبراير/ شباط 1992، بدأت عملية وساطة في النزاع بين أرمينيا وأذربيجان في ناغورني – قره باغ، كجزء من جهود منظمة الأمن والتعاون في أوروبا.
وفي 24 مارس/ آذار 1992، عقدت لجنة كبار المسؤولين اجتماعا إضافيا لمؤتمر منظمة الأمن والتعاون في أوروبا في هلسنكي، وقرر المجلس عقد مؤتمر في مينسك، يكون بمثابة إطار دائم للمفاوضات من أجل إيجاد “حل سلمي في أقرب وقت ممكن للنزاع”، وفقا لبنود مؤتمر منظمة الأمن والتعاون في أوروبا الرئيسية والتزاماته وأحكامه.
وفي 12 مايو/ أيار 1994، أعلن الطرفان وقف إطلاق النار.
وفي 5 و6 ديسمبر/ كانون الأول 1994، أنشأ رؤساء دول وحكومات الدول المشاركة في مؤتمر منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، خلال قمة بودابست، مؤسسة الرئاسة المشتركة لمؤتمر مينسك، بهدف تنسيق جميع جهود الوساطة في إطار مؤتمر الأمن والتعاون في أوروبا.
وكلفت قمة بودابست رئيس منظمة الأمن والتعاون في أوروبا بإجراء مفاوضات لإبرام اتفاق سياسي لوقف الصراع المسلح، وإزالة آثار النزاع، والسماح بعقد مؤتمر مينسك.
وتضم مجموعة مينسك 17 عضوا، بينهم تركيا، وتشغل ثلاث دول فقط، هي فرنسا وروسيا والولايات المتحدة، مناصب رئيس مشارك، ولم يفعل هؤلاء الرؤساء الكثير لإنهاء التواجد الأرميني.
وفي 23 مارس / آذار 1995، أصدر رئيس منظمة الأمن والتعاون في أوروبا ولاية للرؤساء المشاركين لعملية مينسك.
وفي 2 و3 ديسمبر/ كانون الأول 1996، وخلال مؤتمر قمة لشبونة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، أوصى الرئيسان المشاركان لمجموعة مينسك، التابعة للمنظمة، ورئيس المنظمة، بالمبادئ التي ينبغي أن تكون أساس تسوية نزاع ناغورني – قره باغ.
لكن أرمينيا لم تقبل بهذه المبادئ، وكانت البلد الوحيد بين 54 دولة مشاركة في منظمة الأمن والتعاون في أوروبا التي لم تدعم تلك المبادئ.
وفي 14 مارس/ آذار 2008، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارا شمل الجوانب القانونية والسياسية والإنسانية للنزاع، وأكد من جديد على مبادئ تسويته.
وأعادت هذه المبادئ التأكيد على السلامة الإقليمية لأذربيجان، وأعربت عن دعمها لحدود البلد المعترف بها دوليا، وطالبت بالانسحاب الفوري لجميع القوات الأرمينية من جميع الأراضي المحتلة.
كما أكدت حق سكان أذربيجان غير القابل للتصرف في العودة إلى ديارهم، وأنه لا ينبغي لأي دولة أن تعترف بشرعية الحالة الناجمة عن احتلال أراضي أذربيجان أو تقديم المساعدة في الحفاظ على هذا الوضع.
كما دعا الاتحاد الأوروبى إلى تنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولى وانسحاب الجيش الأرمينيى من الأراضي الأذربيجانية المحتلة واحترام وحدة الأراضى والحدود المعترف بها دوليا للجانبين، وإنهاء هذا الوضع الدولى غير الشرعي والقسري.
وأكد إعلان مشترك، موقع في قمة الشراكة الشرقية ببروكسل في 24 نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، تصميم الاتحاد الأوروبي على دعم وحدة أراضي جميع شركائه وسيادتهم واستقلالهم.
وفي أبريل / نيسان 2016، قامت أرمينيا مجددا باستفزازات عسكرية، حيث قصفت مناطق مكتظة بالسكان في أذربيجان على طول خط التماس، مما أوقع إصابات.
وفي 27 سبتمبر/ أيلول 2020، شن الجيش الأرميني هجمات على مناطق سكنية حدودية في أذربيجان، ما أدى إلى مقتل 11 مدنيا، وفق مكتب المدعي العام في أذربيجان، الثلاثاء.
(الأناضول)