الدولة أو الفوضى: “خلايا الكاتيوشا” تضع الكاظمي في مواجهة سفارات العالم

الدولة أو الفوضى: “خلايا الكاتيوشا” تضع الكاظمي في مواجهة سفارات العالم

نجح على ما يبدو رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، في إقناع عدد من بعثات الدول العربية والغربية في بغداد وعلى رأسهم واشنطن، بعدم إغلاق سفاراتهم، على إثر تصاعد عمليات القصف ضد المصالح الأجنبية في البلاد.

لكن هذا النجاح، بحسب ما يقول مسؤولون، محفوف بالمخاطر ويمكن في أي لحظة أن تتراجع تلك الدول عن تعهداتها للكاظمي، في حال لم تتمكن الحكومة من السيطرة على الفصائل المسلحة التي تستهدف السفارات، وهو أمر متوقع الحصول نظراً لتطور الأحداث.

حتى الآن لم يسقط صاروخ جديد، كالذي تتبناه جماعات مسلحة شيعية، ترفع شعار “المقاومة”، على السفارة الأميركية في بغداد منذ أيام عدة، وهو أمر نادر الحدوث، فمنذ يونيو (حزيران) الماضي على الأقل، بدأ معدل الهجمات ضد المنشآت الحساسة في البلاد، يتصاعد بشكل يومي أو شبه يومي، وأحياناً أكثر من هجوم يومياً.

وتتزامن تلك الأحداث مع تغييرات في مواقف القوى الشيعية، وإدانات واسعة ضد استهداف ‏البعثات الدبلوماسية، سبقها تبدل في موقف طهران بهذا الخصوص.‏

صاروخ واحد فقط!

في المقابل، يقول سليم همزة النائب في البرلمان العراقي لـ “اندبندنت عربية”، إن “صاروخاً واحداً جديداً على السفارة الأميركية في بغداد، سيكون كفيلاً بإنهاء كل شيء”، في إشارة إلى الأنباء التي تسربت عن نية واشنطن إغلاق سفارتها إذا تكررت الهجمات.

وأضاف همزة “سيتحول العراق إذا أخلي من البعثات إلى دولة مارقة، غير ملتزمة بالقوانين الدولية، وسنتعرض لعقوبات أمنية واقتصادية”.

ولم تنف حكومة بغداد، تلك الأنباء. وقال المتحدث باسم حكومة بغداد أحمد ملا طلال إن “الولايات المتحدة لم تتخذ قراراً رسمياً بإغلاق السفارة، لكن هناك نية وهي تدرس ذلك، في إطار الحرص على أمن بعثتها الدبلوماسية”.

وكررت الجماعات الشيعية المسلحة في العراق، التي تنشطر بسرعة وتظهر بأسماء جديدة كل يوم، هجمات بالعبوات الناسفة والصواريخ، لنحو 60 مرة منذ مايو (أيار) الماضي، ضد السفارة الأميركية ومطار بغداد وأرتال الدعم اللوجستي لقوات التحالف، من دون اعتقال الحكومة الفاعلين.

من جهة ثانية، يعتقد عضو لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان العراقي ظافر العاني، أن على الحكومة في بغداد الإسراع في إظهار إجراءات ملموسة لحماية البعثات الدبلوماسية في العراق وعدم تكرار الهجمات، قبل أن “تعدل” تلك الدول من قرار البقاء.

وأوضحت الحكومة على لسان المتحدث باسمها ملا طلال في المؤتمر الصحافي الأسبوعي، أنها “ملتزمة بحماية البعثات الدبلوماسية، وقد اتخذت إجراءات عدة في هذا الصدد”.

الحكومة أمام رهان صعب

ويقول العاني لـ “اندبندنت عربية”، “لا شك أن الدول التي تملك ممثليات الدبلوماسية في العراق يخامرها قلق جدي على أمن طواقمها الدبلوماسية وعلى سفاراتها من حوادث الاعتداء العسكري التي تقوم بها الميليشيات أو ما يسمى “خلايا الكاتيوشا” فضلاً عن القلق من وجود فعلي للميليشيات داخل المنطقة الخضراء نفسها مما يهدد الدبلوماسيين والعراقيين من العاملين معهم”.

ولأن واشنطن أعلنت عن نيتها إغلاق سفارتها في بغداد، وفق ما يقوله النائب، فإن “العديد من الدول الأوروبية والعربية والإسلامية باتت تفكر باتخاذ خطوة مماثلة”، مشيراً إلى أن تأكيدات الكاظمي في لقائه الأخير مع عدد من البعثات الدبلوماسية العاملة في بغداد، على واجب الحكومة العراقية في حماية السفارات وتأمين حياة العاملين فيها “أمر جيد”، لكن “لا يزال أمامه اتخاذ العديد من الخطوات الجادة لطمأنتهم وتبديد مخاوفهم”.

الكاظمي يبدأ أولى جولات التخلص من “المتشددين” ‏في “الحشد الشعبي” ‏
وكان ملا طلال قد حذر عقب لقاء السفراء، في بغداد، من “تداعيات كارثية في حال إغلاق السفارة الأميركية ومغادرة بعثات دبلوماسية أخرى”.

وثمن السفراء بدورهم، وفق ما يقوله عضو العلاقات الخارجية في البرلمان العراقي، ما تقوم به الحكومة العراقية “كإخراج الفصائل من المنطقة الخضراء وغلق مكاتبهم في مطار بغداد واستعادة السيطرة الأمنية على المطار…”، موضحاً أن “التطمينات التي قدمتها الحكومة ستحتاج لوقت غير قليل لتحققها على الأرض بشكل ملموس، الأمر الذي قد يجعل الدول تعدل عن المضي في قرارها”.

وأعرب سفراء 25 دولة عربية وغربية، عن قلقهم من ارتفاع أعداد وتطور الهجمات ضد المؤسسات الدبلوماسية في العراق، بالتزامن مع أنباء تحدثت عن عزم هذه الدول إغلاق بعثاتها العاملة في بغداد كإجراء احترازي.

وقال بيان مشترك لهذه الدول نشر على صفحة السفارة الأميركية في بغداد على فيسبوك إنه “تبين أن هذه الحوادث، والتي شملت هجمات صاروخية وعبوات ناسفة، لا تعرض فقط السفارات الأجنبية إلى المخاطر، بل العراقيين أيضاً”.

وأضاف البيان أن “الدليل على ذلك، الحادث المأساوي الذي ذهبت ضحيته عائلة بالقرب من مطار بغداد الدولي عقب الهجوم الصاروخي، الإثنين الماضي”.

ورحب البيان “بالإجراءات التي اتخذها رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي وحكومته لمعالجة هذه المخاوف، بما في ذلك التحقيقات والعمليات الأمنية وتعزيز أمن المطار”.

وأعربت الدول الموقعة على البيان عن دعمها “لمزيد من الإجراءات لتعزيز الأمن في بغداد، بما في ذلك من خلال دعم وتعزيز القوات الموجودة في المنطقة الخضراء”.

تعهدات الكاظمي

وصدر البيان بعد لقاء جمع رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي بالسفراء والقائمين بالأعمال لدول “الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا وكندا وكرواتيا ومصر والاتحاد الأوروبي وفنلندا وألمانيا واليونان وإيطاليا واليابان والأردن والبحرين والسعودية والكويت وهولندا والنرويج وبولندا وكوريا وصربيا وإسبانيا والسويد وتركيا واليمن”.

وأورد بيان لمكتب الكاظمي عقب اللقاء أن العراق تعهد بوضع حد للهجمات التي تستهدف البعثات الدبلوماسية وفرض سيادة القانون وحصر السلاح بيد الدولة.

وأضاف أن “مرتكبي الاعتداءات على أمن البعثات الدبلوماسية يسعون إلى زعزعة استقرار العراق، وتخريب علاقاته الإقليمية والدولية”.

وأشار الى أن “هذه الهجمات لا تستهدف البعثات الدولية فقط، وإنما طالت الأبرياء من المواطنين، بمن فيهم الأطفال”.

وكان هجوم بصاروخ كاتيوشا استهدف منزلاً سكنياً في منطقة الرضوانية غرب بغداد، مما أسفر عن مقتل وإصابة 7 مدنيين من عائلة واحدة، جميعهم من النساء والأطفال.

ويعتقد مراقبون أن الصاروخ كان موجهاً إلى مطار بغداد القريب من موقع سقوط الصاروخ، وهو هدف متكرر لمثل هذه الهجمات، حيث تمتلك القوات الأميركية موقعاً قرب المطار.

محاصرة “خلايا الكاتيوشا”

من جهته كشف مصدر أمني عن الإجراءات التي ستتخذها الحكومة لمواجهة منفذي الهجمات الصاروخية في بغداد المعروفين باسم “خلايا الكاتيوشا”. وقال المصدر لـ “اندبندنت عربية”، “الحكومة ستقوم بمعاقبة فورية لكل قاطع عمليات أمني، تحدث في منطقته خرق أو يسقط صاروخ”.

وكان الكاظمي قد وجه، عقب الهجوم، بإيداع القوة الأمنية والجهات الأمنية المعنية في التوقيف، لتقاعسها عن أداء مهامها الأمنية.

وأمر الكاظمي بفتح تحقيق فوري في حادث منطقة البوشعبان (البو عامر) التابعة لقضاء الرضوانية في بغداد، وملاحقة الجناة مهما كانت انتماءاتهم وارتباطاتهم لينالوا أشد العقوبات.

وبين المصدر الأمني في بغداد، أن هناك اقتراحات للسيطرة على مطلقي الصواريخ مثل “وضع سياج وكاميرات مراقبة على الأراضي الفارغة في بغداد، حيث دائماً ما تنطلق منها الصواريخ، واستخدام الطائرات المسيرة بدون طيار لمتابعة تحركات تلك الجماعات”.

يزن الكرخي

اندبندت عربي