انخفض سعر صرف العملة البريطانية، الجنيه الإسترليني، صباح الخميس أمام اليورو والدولار بشكل طفيف، مع تعثر الجولة الأخيرة من مفاوضات اتفاق خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست)، التي دخلت يوماً حاسماً.
وهبط سعر الإسترليني بنسبة 0.2 في المئة أمام اليورو، وبـ 0.3 في المئة أمام الدولار، ليصل سعره إلى 1.28 دولار للجنيه.
وتزامن ذلك مع مؤتمر صحافي لرئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لين، ظهر الخميس، أعلنت فيه بدء إجراءات قانونية ضد حكومة بوريس جونسون لانتهاكها اتفاق الانسحاب، وإقرار قانون السوق الداخلية الذي يتعارض مع بنود بروتوكول إيرلندا الشمالية، المضمّنة في الاتفاق بين بريطانيا وأوروبا.
في الوقت نفسه، يسابق وفدا التفاوض الزمن في بروكسل للوصول إلى حلول وسطية في شأن القضايا الخلافية، قبل البدء في الصياغة القانونية لاتفاق “بريكست”. والجولة الحالية هي آخر جولة مجدولة للمفاوضات بين الطرفين قبل اجتماع القادة الأوروبيين منتصف الشهر الحالي، لاتخاذ قرار نهائي في شأن الاتفاق من عدمه، كي يتسنى التصديق عليه من البرلمان الأوروبي ومجلس العموم البريطاني قبل نهاية العام.
وتظل نقاط الخلاف الأساس بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا من دون حل، بخاصة في ما يتعلق بمبدأ مساواة القواعد والقوانين الذي تصر عليه أوروبا، كي لا تعطي بريطانيا ميزة تنافسية لأعمالها ومنتجاتها على نظيرتها الأوروبية، في حين ترفض بريطانيا ذلك باعتبارها مسألة سيادية. كذلك هناك إصرار من الاتحاد الأوروبي على أن تكون آلية فض المنازعات المضمّنة في اتفاق “بريكست” أوسع وأكثر حسماً مما تضعه منظمة التجارة العالمية. ويعني ذلك أن يكون بمقدور أوروبا فرض إجراءات عقابية حاسمة وسريعة على بريطانيا في حال انتهاكها بنود الاتفاق، وترى بريطانيا أن ذلك تشدد أوروبي لا يتسق مع بناء الثقة.
ومن المؤشرات على صعوبة التوصل إلى حلول وسطية، ما تشير إليه أحدث الإحصاءات عن انتقال الشركات من حي المال والأعمال في العاصمة البريطانية، السيتي أوف لندن، إلى مدن أوروبية أخرى. فوفق مؤشر تتبع الخدمات المالية و”بريكست” لمؤسسة إي واي، أعلن في ربع العام الأخير عن نقل 400 وظيفة من “السيتي” إلى أوروبا، ليصل عدد الوظائف التي هربت من بريطانيا في مجال الخدمات المالية إلى 7500 وظيفة حتى الآن. وبحسب المؤشر، فإن 88 شركة من بين 222 شركة مالية في السيتي تنقل أعمالها من لندن إلى مدن في أوروبا منذ استفتاء “بريكست” عام 2016.
وبغض النظر عن التوصل لاتفاق “بريكست”، أو الاتفاق على ترتيبات “هشة” كبديل عنه ومن دون اتفاق، فإن شركات صناعة السيارات على سبيل المثال قد لا تستطيع إبقاء مصانعها في بريطانيا. فوفق آخر التصريحات من جولة المفاوضات الحالية، لن يتم التوصل إلى حل يرضي البريطانيين في شأن مسألة “شهادة المنشأ”، بمعنى أن السيارات التي تصنع في بريطانيا وفيها أي مكون من اليابان أو تركيا مثلاً لن تعتبر “بريطانية”، وبالتالي لن تتمتع بأية إعفاءات جمركية طبقاً لاتفاق “بريكست”.
وهكذا، فقد تجد شركات صناعة السيارات التي تصدر منتجاتها إلى الدول الأوروبية نفسها مضطرة لنقل مصانعها من بريطانيا إلى مدن أوروبية أخرى لتفادي تعقيدات بيع منتجاتها في أسواق أوروبا، ما يعني فقدان آلاف الوظائف في بريطانيا، ويضيف إلى أرقام البطالة فيها مزيداً من العاطلين من العمل. ويتوقع أن يزيد العدد على 3 ملايين عاطل نتيجة أزمة فيروس كورونا في نهاية هذا العام وبداية العام المقبل.
نقاط الخلاف
من غير الواضح حتى الآن إذا كانت مفاوضات الجولة الأخيرة ستتمكن من حل نقاط الخلاف الرئيسة، مع تمسك كل طرف بموقفه منها. ويعد مبدأ مساواة القواعد والقوانين الأهم والأخطر، والذي لا يبدو أن هناك حلاً وسطاً يرضي الطرفين في شأنه، ويتضمن ذلك مسألة الدعم الحكومي للشركات والأعمال الذي لا تقبل أوروبا أن يكون متاحاً لبريطانيا، بما يعطي منتجاتها ميزة تنافسية في السوق الأوروبية على حساب المنتجات الأوروبية المماثلة. وتصر الحكومة البريطانية على أن ذلك أمر سيادي لا يمكن التنازل عنه، مكتفية بوعدها ألا تتجاوز في مسألة الدعم الحكومي القواعد الدولية، وألا تلجأ إلى إنقاذ شركات متعثرة، لكن الأوروبيين لا يثقون بالوعود البريطانية، ويريدون تضمين ذلك كنص قانوني في اتفاق “بريكست”.
كذلك، لم يتم التوصل إلى أي تقارب في شأن حل وسط لقضايا أخرى ضمن بند مساواة القواعد والقوانين، ومن بين تلك القضايا معايير حماية البيئة وقوانين العمل التي تصر فرنسا خصوصاً على أن يكون الاتفاق في شأنها ضامناً للمساواة.
ومن القضايا الخلافية التي لا تزال من دون حسم، غير تلك المتضمنة مبدأ مساواة القواعد والقوانين، مسألة الصيد في المياه بين الجزر البريطانية وأوروبا، حيث تصر حكومة جونسون على ألا يسمح أي اتفاق بوصول مفتوح للصيادين الأوروبيين إلى المياه البريطانية، وحتى الآن لم يحسم الخلاف في شأن نحو 70 نوعاً من الأسماك التي تعيش في مياه المنطقة الاقتصادية البريطانية، ويتشارك الصيادون البريطانيون والأوروبيون الوصول إليها.
وتشمل قائمة القضايا غير المحسومة أيضاً مسألة تبادل معلومات القضايا الأمنية ومكافحة الجريمة، ومن بينها بيانات المسافرين بين البلدان، وكذلك تفاصيل تجارة السلع والخدمات بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي، بخاصة الخدمات المالية التي تمثل أهمية قصوى لبريطانيا.
ويرى كثير من المراقبين أنه حتى لو فشلت هذه الجولة الأخيرة في التوصل إلى حلول لتلك القضايا الخلافية، فبالإمكان خلال الأسبوعين المتبقيين على القمة الأوروبية بشأن “بريكست” في بروكسيل في 15 أكتوبر (تشرين الأول) أن يتم التوصل إلى ترتيبات تتفادى “بريكست” من دون اتفاق، لكن عدداً من المعلقين البريطانيين رأى في تلك “الترتيبات” البديلة عن الاتفاق الشامل مشكلة حقيقية ستجعل الخلاف شبه يومي بين لندن وبروكسيل ما بعد الأول من يناير (كانون الثاني) 2021.
أحمد مصطفى
اندبندت عربي