عمل المخابرات الصينية: تنظيم معقد وتجسس ذكي

عمل المخابرات الصينية: تنظيم معقد وتجسس ذكي

تعتمد أجهزة المخابرات الصينية أساليب وتكتيكات مختلفة تماما عن أجهزة استخبارات الغرب في الحصول على المعلومات العسكرية والتكنولوجية السرية. ويعمل الباحث والخبير الاقتصادي الإيطالي جيانكارلو إليا فالوري على تسليط الضوء على طريقة عمل الأجهزة المخابراتية في الصين، الأكثر تنافسا وتصادما مع الولايات المتحدة.

بكين – لا تترك الصين، الأكثر كثافة سكانية وصاحبة ثاني أقوى اقتصاد في العالم، أيّ وسيلة تمكّنها من الحصول على معلومات تكنولوجية وعسكرية من الغرب، حيث تتبع أجهزتها الأمنية المسؤولة عن التجسس وحماية الأمن القومي أساليب معقدة وذكية للحصول على معلومات عالية السرية.

في عام 2010 تعرضت شركة غوغل والعشرات من الشركات التكنولوجية والإعلامية الأميركية لهجوم إلكتروني واسع النطاق من “أورورا”، وهي مجموعة من الهجمات السيبرانية كان مصدرها بكين وعلى علاقة مباشرة مع جيش التحرير الشعبي الصيني.

كان الهدف من تلك الهجمات الحصول على معلومات اقتصادية وتكنولوجية مهمة بالنسبة إلى الصين، وخرق العلاقة مع الولايات المتحدة بشكل غير رسمي ودون إلحاق أضرار جسيمة.

يقول الباحث الإيطالي والمتخصص في الشأن الصيني جيانكارلو إليا فالوري إن “أجهزة المخابرات الصينية لديها أسلوب وطريقة عمل مختلفة تماما عن أجهزة استخبارات الغرب” للحصول على معلومات.

ويضيف في تحليل نشر على موقع “مودرن دبلوماسي”، الأوروبي المتخصص في تناول ملفات السياسة الدولية، أن أجهزة المخابرات الصينية لديها تنظيم معقد وصقل تقني للسيطرة السياسية على عمليات الخدمات، ووضع اللمسات الأخيرة المختلفة على عملية الوكالات الصينية في الغرب”.

وتقبع أجهزة المخابرات في الصين، التي أنشأت أول جهاز استخبارات في عام 625 بعد الميلاد منذ عهد الإمبراطورة وو تشاو، تحت سيطرة وزارة أمن الدولة.

ويوضح الباحث الإيطالي أن “أجهزة المخابرات الصينية، على عكس السوفييتية القديمة، كانت أقل هوسا في علاقتها مع المصادر المحتملة، وتفضل الشعب الصيني العرقي”، في تنفيذ مهام التجسس.

ولا تدفع أجهزة الاستخبارات الصينية ثمنا مقابل حصولها على الأخبار والمعلومات في عملياتها الخارجية، لكنّها تساعد أقارب المهاجرين الصينيين في الخارج وهم يساعدونهم في أمور أخرى، حسب ما يشير جيانكارلو إليا فالوري في تحليله الواسع لأنشطة أجهزة المخابرات في الصين.

ويقول إنه “نادرا ما تدفع أجهزة الاستخبارات الصينية مقابل البيانات التي تتلقاها”، وإن وكالات بكين للاستخبارات مهتمة بالأشخاص الذين نادرا ما يدخلون في نطاق اهتمام أجهزة استخبارات العدوّ.

ولا تستخدم أجهزة المخابرات الصينية مقرات للتجسس في الخارج، ونادرا ما تعقد اجتماعات سرية ولا يتم استخدام الاتصالات السرية في عملها أبدا.

ويشير الباحث والكاتب الإيطالي إلى أن “أجهزة الاستخبارات الصينية تنظّم مناطق مغلقة حيث يجد المصدر نفسه يوفر المواد التي تحتاجها الحكومة الصينية”.

ويؤكد في هذا السياق أن “اتساع شبكة المصادر يجعل السرعة البطيئة للعملاء الصينيين قادرة على الوصول إلى نفس أو حتى أكبر كمية من المواد والمعلومات الحساسة التي تم جمعها”.

تعتمد أجهزة المخابرات الصينية على مصادر وأساليب وتكتيكات مختلفة للحصول على معلومات أمنية وتكنولوجية سرية. وتمكنت من التغلغل داخل الغرب بطرق شتى دون الكشف عن عملائها إلا في حالات نادرة.

ويقول الباحث الإيطالي جيانكارلو إليا فالوري إن “أجهزة الاستخبارات الصينية تتمتع بميزة كبيرة، حيث يمكنها استخدام صحافيين حقيقيين وأكاديميين حقيقيين بشكل قانوني”، الأمر الذي يختلف في الغرب والذي يحظر استخدام “الصحافيين ورجال الدين والبرلمانيين وأعضاء المجالس البلدية” كوكلاء.

وكانت الصين قد نفّذت في عام 1966، أي بعد عامين من بداية الثورة الثقافية والبروليتارية العظمى، عمليات تطهير واسعة داخل أجهزة المخابرات. وأطلقت في العام 1975 أول قمر صناعي صيني للاستخبارات الإلكترونية.

ويضيف أن المخابرات الصينية تعتمد على “الشركات التكنولوجية الصينية العاملة في الغرب بشرط أن تكون مكتفية ذاتيا من الناحية الاقتصادية وتحقق أرباحا دون التأثير على خزائن الجهاز أو الدولة”.

وأشار إلى أن الشركات الصينية التي تستخدم التكنولوجيا والبيانات، – وهي المادة الأساسية للاستخبارات الصينية الحالية – يجب أن تكون هي المؤسسات الأكثر وضوحا وطبيعية، دون مقصورات مخفية أو عملاء غامضين يمكن لأجهزة استخبارات الدولة المضيفة اكتشافها.

ويسلط الباحث الضوء على مشكلة استغلّتها أجهزة الاستخبارات الصينية في عملها التجسسي وهي إحجام الشركات الصغيرة والمتوسطة عن الإبلاغ عن هجمات إلكترونية في الكثير من الأحيان أو حتى الأزمات الناتجة عن الاحتيال نتيجة هوس الإدراج الدائم في البورصة، والخوف من الخسارة الذي جعل الشركات تخشى بشكل مفرط الكشف عن هذه العمليات السلبية.

ويوضح أن هناك تغييرا حدث في نظام الدولة مؤخرا في الصين بالنظر إلى الدور الاقتصادي العالمي الذي تلعبه البلاد، حيث تتعامل الآن مع تأمين إمدادات المواد الخام من الخارج، وكذلك استقرار النظام الإنتاجي الداخلي في مرحلة التحولات الاجتماعية الكبرى.

وبالتوازي مع عمل أجهزة المخابرات يحافظ الرئيس الصيني شي جين بينغ على خط السياسة القديم والمستقر الذي طوره الرئيس السابق جانغ زيمين والذي تم تحديده في العام 1999 لصنع القرار في الدولة وتحديد السياسة الخارجية وإقرارها.

ويقول فالوري إن “المجموعة الصغيرة لقيادة الأمن القومي” تأتي في المستوى الأعلى في نظام صنع القرار في الحزب الشيوعي والدولة الصينية، وهي لديها العديد من آليات صنع القرار الاستراتيجي داخل الطبقة الحاكمة الصينية.

وأنشأت الصين “المجموعة الصغيرة الرائدة للأمن القومي” في أعقاب قصف الولايات المتحدة للسفارة الصينية في بلغراد في السابع من مايو عام 1999.

ويضيف أنه على المستوى المؤسسي تلعب اللجنة الدائمة للمكتب السياسي دورا بارزا في صنع القرار بقيادة الرئيس الأسبق للصين هو جينتاو، وهو رجل لا يزال ضروريا لهندسة القوة التي يريد أن يصل إليها الرئيس الحالي شي جين بينغ، وهو ينصت له بعناية.

ويشير إلى أن هناك المجموعة الصغيرة الرائدة للأمن القومي وهي تتحكم بشكل أساسي في عمل الوكالات وبربطها ببعضها البعض، إضافة إلى دور أجهزة الاستخبارات والمجموعات الفكرية الأكاديمية وغير الأكاديمية المتنوعة.

ويعتمد النظام بالصّين في إقراره السياسة الخارجية على الحزب الشيوعي الصيني بجانب “اللجنة المركزية للمكتب السياسي”، بالإضافة إلى اللجنة الدائمة للمكتب السياسي، وتجمع اللجنة المركزية الدائمة بأعضاء الـ204 و167 “الاحتياطيين” مرة في السنة.

وتتكون “اللجنة المركزية للمكتب السياسي” من 25 عضوا، يتم انتخابهم من قبل اللجنة المركزية الدائمة. تجتمع مرة واحدة في الشهر وخمسة من أعضائها لا يقيمون عادة في بكين. كما تجتمع اللجنة المركزية الدائمة للشؤون الخارجية مرة واحدة في الأسبوع وتضم تسعة أعضاء. وعادة ما يتمّ تنسيق الاجتماع من قبل مكتب الشؤون الخارجية باللجنة المركزية.

يوضح جيانكارلو إليا فالوري أن مكتب الشؤون الخارجية داخل اللجنة الدائمة يتحمّل مسؤولية منطقة محددة ومع ذلك لا ينبغي الاعتقاد أن “الشيوعية الصينية سلطوية”، حيث أنه كلما كبرت القضية كلما اتسع نطاق النقاش ويتمثل خط سياسة القائد دائما في بناء أكبر إجماع بين مستشاريه.

ويقول فالوري إنه عند الإشارة إلى القضايا الشائكة في العلاقات الخارجية غالبا ما يعين القائد “المتعاون الأول”، حيث عادة ما تكون الاجتماعات المركزية روتينية بالنسبة إلى القضايا الثانوية حتى من الناحية الجيوسياسية، ويتحدث القائد ويقرر القضايا الأساسية من بينها العلاقات مع الولايات المتحدة حيث لا تزال هاجسا دائما لجهاز المخابرات الصيني.

ولا تزال تلك العلاقات بين بكين وواشنطن محل جدل واسع في العالم، وكثيرا ما تتّهم دوائر سياسية غربية السلطات الصينية بالوقوف وراء هجمات إلكترونية لأغراض التجسّس والحصول على معلومات تكنولوجية واقتصادية وعسكرية لدعم اقتصادها والمساعدة على تسهيل مهامها في التغلغل الاقتصادي في دول مختلفة حول العالم.

وكان أحدث صراع حول تطبيق “تيك توك” الصيني، الذي يتهم الرئيس الأميركي دونالد ترامب منذ أشهر هذا التطبيق المملوك لشركة “بايتدانس” الصينية بالتجسس لحساب بكين من خلال جمع معلومات مستخدميه.

وللصين والولايات المتحدة تاريخ طويل من الصراع الاستخباراتي فقد كان هذا الصراع على أوجه في ثمانينات القرن الماضي، ويبدو أنه أكثر حدة في الفترة القريبة الماضية. ففي العام 1981 طورت واشنطن برامج للسيطرة على العملاء الصينيين العاملين داخل الأراضي الأميركية. وفي فترة لاحقة عملت الصين على إعادة التسلح النووي حيث أسست المؤسسة النووية الوطنية الصينية في العام 1988.

كما أن القوّات المسلحة الصينية قامت في العام 1999 ببناء قاعدة لاعتراض الإشارات العسكرية في كونا، ولكن في عام 2002 بدأت الهجمات الإلكترونية الصينية على بعض الشبكات الأميركية والمعروفة باسم “تايتان رين”، بينما فتح مكتب التحقيقات الفيدرالي مكتب اتصال في بكين، مع تمديد المهام أيضا إلى منغوليا.

وفي العام 2004، وضعت الصين القمر الصناعي النانوي 1 في المدار، ولكن كان هناك أيضا هجوم سيبراني آخر – ربما من أصل صيني – على قيادة هندسة نظم المعلومات بالجيش الأميركي، وكذلك على مركز أنظمة المحيطات البحرية، وأخيراً على التثبيت الفضائي والاستراتيجي في هنتسفيل، ألاباما.

العرب