لو قال لك شخص ما في الخريف الماضي ان روسيا سوف تغزو قريبا البلاد المجاورة لها، او تحتل قسما منها، لشككت في كلامه؛ اذ لم يكن احد ليصدق ذلك، كونه يشكل تحطيماً للنظام العالمي المتعارف عليه، في حين ترى إدارة الرئيس الاميركي أوباما لذلك انها وصفة سياسة روسية يراد انجاحها.
ولكن هذا هو ما نحن فيه
ضم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين محافظة القرم الأوكرانية كأمر واقع، ليعزز من قبضته على الأراضي الإضافية في شرق أوكرانيا، ومن المرجح ان يقدم على أكثر من ذلك. وعدوانه هذا أعطى ثماره، إذ تم تأجيل توقيع أوكرانيا على معاهدة التجارة مع الاتحاد الأوروبي، الذي سبق ان اعترض عليها بوتين، رغم ان اقتصادها في ورطة. ولهذا تسعى البلدان التي كانت ذات يوم جزءا من أو تحت سيطرة الاتحاد السوفياتي، من هنغاريا الى طاجيكستان، لاسترضاء دكتاتور روسيا.
لقد دق عدد من المسؤولين ناقوس الخطر، بما في ذلك جنرال أمريكي، يتولى قيادة قوات في حلف شمال الأطلسي وقال: “لدينا الوضع الآن حيث الحدود الدولية السابقة، والحدود الدولية الحالية، من أوكرانيا وروسيا والتي يسهل اختراقها تماما”، وقال قائد سلاح الجو الجنرال فيليب بريدلوف في الاسبوع الماضي في بلغاريا ان: “القوات، والمال، والدعم والإمدادات والأسلحة تتدفق ذهابا وإيابا عبر هذه الحدود.”
ويعد تصرف روسيا قراراً واضحاً، رافضاً المبادئ الأساسية التي شكلت الأمن الدولي على مدى السنوات ال 25 الماضية، واضاف الجنرال: “هذه الإجراءات هي ببساطة غير مقبولة.”
ان المسؤولين في الادارة لا يختلفون، لكنهم يعتقدون ان سياستهم تحقق مرادها. ويتفاخر بوتين أنه تمكن من السيطرة بسهولة على كييف، وبدا انه يتطلع الى جنوب أوكرانيا، من خلال أوديسا الى اقليم تسيطر عليه روسيا في مولدوفا. وان لم يكن هذا حاصلاً حتى الآن، لكنها تعمل على تحقيق هذه الطموحات.
ويهدف بوتين من سياسته هذه ليس تخريب أوكرانيا فحسب، ولكن أيضا زرع الانقسام بين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين، ولكن التحالف ظل متماسكا فارضاً عقوبات على روسيا؛ لذا، فان بوتين فشل في تحقيق احد هدفيه الأساسيين.
وبعد لقائه وزير الخارجية الروسي الشهر الماضي في باريس، قال وزير الخارجية الاميركي جون كيري ان أوكرانيا تهم بوتين اكثر منا. معترفاً “بأن الولايات المتحدة وروسيا كانتا مختلفتين حولها”، لكنه شدد على أن “هدفنا زيادة قدراتنا، والعمل مع روسيا قدر ما نستطيع . ”
بوتين استخدم كل وسيلة ممكنة كي لا يكون شريكا – ومن لهجته “سوف لا يكلف الدب نفسه عناء السؤال لأخذ رخصة حول ما يقوم به”؛ مشيرا إلى الغواصة الروسية التي دخلت المياه السويدية، وعميل المخابرات الاستونية الذي قامت مجموعته بخطف الطائرات الحربية من سواحل حلف شمال الاطلسي.
لكن الإدارة الامريكية لا تزال تلتمس مساعدة بوتين في سوريا وكوريا الشمالية، ضد “الدولة الإسلامية”، والأهم من ذلك كله، مع إيران، وفي أوكرانيا التي تحظى بأولوية اقل.
لاشك ان بوتين يخسر، اذ يواجه نفورا من الأوكرانيين ويبدو انه قد عزل نفسه، وما رأينا من موقف بارد، ابداه زعماء آخرون في اجتماع مجموعة 20 في أستراليا نهاية الأسبوع الماضي يؤكد ذلك،. إذ تضر العقوبات الاقتصاد الروسي والروبل، الذي يشهد تدهورا، كما تسهم في انهيار أسعار النفط بإيقاع المزيد من الضغوط على نظامه.
وإذا لم يخسر بوتين الآن، فانه سوف يسقط في نهاية المطاف، لأن التاريخ يؤكد الاخذ بالانفتاح والديمقراطية واحترام القانون الدولي. وفي بعض المسارات هناك حجج شاذة، لاعتمادها من قبل أولئك الذين لا يعطون أولوية كبيرة لتعزيز الديمقراطية، والذين يبدون اقل تفاؤلا بالديمقراطية التي هي في صلب السياسة الخارجية الأمريكية.
لقد كان السوفيات يسبحون ضد تيار التاريخ عندما غزوا المجر في عام 1956 التي تحملت أكثر من ثلاثة عقود من القهر قبل ان يكتسحها المد مرة أخرى، تيار التاريخ في كثير من الأحيان يحتاج إلى مساعدة. ولعل العمل بخلاف ذلك يوفر ذريعة للتقاعس عن العمل كرفض مساعدة أوكرانيا في الحصول على أسلحة للدفاع عن نفسها، على سبيل المثال.
ولعل غضب بوتين المتكرر اعاد القادة الغربيين الى الوراء، ليتذكروا استيلاءه على شبه جزيرة القرم، واللامبالاة التي ابداها بعد اسقاط الطائرة الماليزية، ثم قطع كلمته والاشارة إلى عدم اعتراف الانفصاليين “بالانتخابات”، في الوقت الذي يتدفق فيه الجنود والاسلحة عبر الحدود متحدياً قرار وقف إطلاق النار. ومن وجهة نظر غربية فان هذه الإجراءات ليست عقلانية، كونها ستعزل روسيا اكثر، الامر الذي سيضر بالاقتصاد الروسي.
لكن بوتين لا يشاطر وجه النظر الامريكية التي تتسم بالعقلانية، ويعتقد بريدلوف ان الزعيم الروسي ارسل قواته إلى أوكرانيا لإيجاد جيب له هناك ليمتد اكثر الى مناطق متجاورة، وليكون قادراً على الامساك بالأرض على المدى الطويل.
وما بعد ذلك؟ وعلى فرض ان بوتين لا يريد الحرب، فانه يفهم كما قال بريدلوف في الأسبوع الماضي، ان “استعداد حلف الناتو الحالي لا يترجم بالضرورة إلى استجابة سريعة.”
الكاتب فريد حياة
الكلمات الدلالية: بوتين، اوكرانيا، الولايات المتحدة، حلف شمال الاطلسي، النظام الدولي
http://www.washingtonpost.com/opinions/fred-hiatt-as-putin-keeps-advancing-the-us-keeps-rationalizing/2014/11/16/557d86de-6c1b-11e4-b053-65cea7903f2e_story.html