بعد يوم من إبداء الرئيس الأميركي دونالد ترمب استياءه من تأخر إدارته في نشر ما يقرب من 33 ألف رسالة إلكترونية خاصة بهيلاري كلينتون، أعاد وزير الخارجية مايك بومبيو، الجمعة، إحياء القضية المتداولة منذ أربع سنوات بتعهده الإفراج عن هذه الرسائل قبيل انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، عقب اتهامات للمسؤولة السابقة في إدارة أوباما باستخدام بريدها الشخصي لتلقي معلومات سرية.
وتأتي هذه الخطوة على مشارف الانتخابات الرئاسية التي حل فيها فيروس كورونا ضيفاً ثقيلاً على إدارة ترمب الطامحة إلى اقتناص فترة ثانية، في حين كشف بومبيو، في مقابلة، أمس، عن أن الرسائل التابعة للبريد الإلكتروني لوزيرة الخارجية السابقة، سيتم نشرها قبيل الانتخابات، لكنه من غير الواضح إلى الآن ما إذا كان ذلك يشير إلى الرسائل المحذوفة.
ترمب يرغب بمحاكمة مسؤولين
يذهب مراقبون إلى القول إن تأخر الرئيس الجمهوري في استطلاعات الرأي كان وراء حرصه على توجيه بوصلة الرأي العام من فيروس كورونا إلى رسائل كلينتون، إذ بعد يوم واحد من تعبير ترمب في “فوكس نيوز” عن استيائه من الطريقة التي تعاملت بها وزارة الخارجية مع هذا الملف، أطل مايك بومبيو في القناة نفسها، ليعلن نية وزارته إزاحة الستار عن رسائل البريد الإلكتروني.
لماذا الآن؟ وهل يؤثر ذلك على انتخاب جو بايدن؟ أسئلة مشروعة ومنطقية؛ نظراً إلى أن المرشح الديمقراطي كان الرجل الثاني في الإدارة السابقة لثماني سنوات، بل إن صحيفة “نيويورك تايمز”، قالت إن خطوة الكشف عن رسائل البريد الإلكتروني التي من المتوقع أن تحدث إرباكاً واسعاً في الشارع الأميركي، أتت في وقت قاوم فيه المدعي العام ويليام بار ضغطاً رئاسياً لمحاكمة ديمقراطيين مثل نائب الرئيس السابق بايدن.
ويعتبر مراقبون أن إثارة أرشيف كلينتون بهذا الوقت، محاولة من الإدارة الحالية لإعادة التوازن في حظوظ الانتخابات، نظراً إلى التكهنات السابقة التي أشارت إلى أن ترمب بعد قرار اللجنة المنظمة إلغاء المناظرة الرئاسية الثانية، قد أهدر فرصة لتثبيت أقدامه في البيت الأبيض، في وقت ما زال فيه المرشح الديمقراطي متقدماً في استطلاعات الرأي العامة.
وكان ترمب قد حثّ المدعي العام بيل بار هذا الأسبوع على توجيه الاتهام إلى الديمقراطيين المرتبطين بالتحقيق في التدخل الروسي في انتخابات عام 2016 وأي علاقة بحملته، وذكر على وجه التحديد بايدن وباراك أوباما، لكن المدعي العام أخبر الجمهوريين وآخرين أنه لم يخطط لإعادة النظر في التحقيق حول تدخل موسكو قبل يوم الانتخابات.
وكشفت ثلاثة مصادر حكومية اطلعت على التحقيق، عن أنه من غير المحتمل أن يقوم جون دورهام، الذي كلف بالتحقيق في مزاعم التواطؤ الروسي مع حملة ترمب، بتقديم لوائح اتهام أو أي تطورات جديدة يمكن أن تؤثر على مسار الانتخابات المقبلة.
ووفقاً لـ”نيويورك تايمز”، فإن ترمب كان يأمل أن يقدم تحقيق دورهام له دليلاً على أن التحقيق الروسي كان مجرد محاولة لتشويه سُمعته، وصولاً إلى توجيه لوائح اتهام ضد كبار مسؤولي الأمن القومي السابقين في إدارة أوباما، وإلى الرئيس السابق ونائبه نفسيهما، ولم يتوقف الأمر عند ذلك، بل رغب سيد البيت الأبيض بالحصول على تقرير بموافقة وزارة العدل يوضح بالتفصيل تحركاتهم في عام 2016.
جذور الاشتباه بـ”رسائل كلينتون”
بدأت مساعي إدارة ترمب لكشف رسائل البريد الإلكتروني قبل سنوات في أعقاب المعركة الانتخابية، حينما اتهم المرشح الجمهوري، هيلاري كلينتون، بحذف آلاف الرسائل الإلكترونية، التي أثير بأنها مرسلة من خادم شخصي.
ويقود وزير الخارجية، مايك بومبيو، الذي يعتبر الرجل الثاني الذي يتولى هذه الحقبة الوزارية في عهد ترمب، ملف الإفراج عن المعلومات التي احتواها بريد كلينتون الخاص حتى يتمكن الشعب الأميركي من قراءتها، نظراً إلى أن سلوك الوزيرة السابقة بتداول معلومات سرية في خادم شخصي يُعد سلوكاً غير مقبول لأسباب أمنية داخلية وخارجية.
وتُعد مخاطر الأمن القومي على رأس قائمة تبعات التصرف الذي تتهم كلينتون بالقيام به؛ إذ إن وجود معلومات حكومية في الخوادم الخاصة يجعلها فريسة سهلة أمام الاختراق الأجنبي، هذا في وقت أصبحت فيه تحذيرات مسؤولي الاستخبارات الأميركية من جهات خارجية تحاول زعزعة العملية الديمقراطية شبه مألوفة في واشنطن، كما يصدر المركز الوطني لمكافحة التجسس إشعارات دورية، تفيد بمحاولات روسية وصينية وإيرانية لترجيح كفة مرشح على آخر.
وفي الإطار نفسه، أشار بومبيو في اللقاء المتلفز، أمس، إلى أن روسيا والصين وإيران والكوريين الشماليين، يريدون الحصول على هذا النوع من المعلومات، وشدد بالقول “يجب أن تبقى المعلومات السرية في الأماكن المناسبة”، متهماً كلينتون بعدم مراعاة هذه التهديدات عندما كانت على رأس وزارة الخارجية.
ما قانون حرية المعلومات؟
من المرجح أن يكون الإفراج عن هذه الرسائل تحت إطار قانون حرية المعلومات الأميركي (FOIA)، وهو قانون فيدرالي ينص بصورة عامة على أن “لكل فرد الحق في طلب الوصول إلى سجلات الوكالة الفيدرالية، في ما عدا حدود السجلات المحمية من الكشف الواقعة ضمن الإعفاءات التسعة الواردة في القانون أو ضمن أي من الاستثناءات الثلاثة الخاصة بسجل تنفيذ القانون”.
وحضر القانون الفيدرالي الذي يحظى بشعبية عالية في الولايات المتحدة، بعد تداول الأوساط العربية رسائل إلكترونية، لهيلاري كلينتون وطاقمها ومسؤولي السياسات الخارجية في إدارة أوباما، من خلال موقع يزعم أنه تابع لوزارة الخارجية الأميركية تحت اسم قانون حرية المعلومات، وختم على الرسائل بأنها سرية، لكنه لا يعلم حتى الآن مدى صحتها أو موثوقية الموقع.
إلى ذلك، قال بومبيو، إنه لا يتوقع من ترمب رفع السرية عن أي وثائق قد تحتوي على معلومات حساسة من شأنها الإضرار بالمصالح الأميركية بمجرد نشرها، وأضاف “سنقوم بإخراج المعلومات التي يجب نشرها. سنفعل ذلك بطريقة تحمي مصادر الاستخبارات التي نحتاج إلى حمايتها”.
ما نتائج التحقيقات الحكومية؟
على الرغم من أن ترمب يرأس الفرع التنفيذي، ذكرت “نيويورك تايمز”، أن الحكومة رفضت مطالب مجموعة “جوديشال ووتش” – مجموعة أميركية محافظة، تأسست عام 1994 ترفع دعاوى قضائية بموجب قانون حرية المعلومات للتحقيق في سوء السلوك المزعوم من قبل المسؤولين الحكوميين – تسليم رسائل البريد الإلكتروني من خادم كلينتون، بما فيها الرسائل التي تبادلتها مع أوباما، وهو ما يبرر توجيه ترمب انتقادات إلى وزير خارجيته مايك بومبيو والمدعي العام وزير العدل بيل بار.
وكشف التحقيق الذي أجرته وزارة الخارجية الأميركية في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2019، عن عدم وجود “دليل مقنع” على سوء التعامل مع المعلومات السرية، وقال جيمس كومي، مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي آنذاك، مرتين في عام 2016، إن كلينتون لا ينبغي أن تواجه اتهامات جنائية بشأن استخدامها خادماً خاصاً، لكنه ومع ذلك، وبّخها ومساعديها في يوليو (تموز) من ذلك العام، بسبب إهمالهم في التعامل مع المعلومات السرية.
وكان ترمب قد هاجم باستمرار منافسته الرئاسية في 2016، وسعى أخيراً للضغط على كبار المسؤولين لاتخاذ خطوات لإلحاق الضرر بخصومه السياسيين، في حين التزم مدير الاستخبارات جون راتكليف والمدعي العام بيل بار، تقديم سلسلة من الوثائق التي رفعت عنها السرية للجمهوريين في مجلس الشيوخ وآخرين، مستهدفين تحقيق مكتب التحقيقات الفيدرالي بشأن تدخل روسيا في الانتخابات الماضية.
عيسى نهاري
اندبندت عربي