أصحاب الرأي وأصحاب القرار في الشرق الأوسط الكبير، من عرب، ومشرقيين، وأفارقة، يُراقبون بحماسة وحذر نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية في 3 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل؛ لما لها من تأثير على بلادهم، وشعوبهم، وقضاياهم. سواء أكان الرئيس الحالي، الجمهوري دونالد ترمب أم منافسه الديمقراطي دونالد بايدن، فالتأثير مصيري بالنسبة للبعض، وكبير بالنسبة للجميع.
ومن بين التحاليل لاستشراف المستقبل، ما بعد الثالث من نوفمبر، تأتي معادلة معرفة الآتي من خبرات الماضي. في العلوم السياسية قد لا تُصيب هذه الآليات التحليلية دائماً بسبب التطورات، ولكنها توفر الأطر التقييمية التي تساعد على الاستعداد للتطورات. في كتابي “الخيار” الذي صدر منذ أسابيع، عرضت فيه سياسات الرئيس السابق باراك أوباما وبايدن حيال الشرق الأوسط، في السنوات الثماني ما بين 2009 و2016. وبعد ذلك سياسات ترمب خلال سنواته الأربع. وقارنت بين المرحلتين لتبيان ما قد يحصل لو فاز بايدن أو أُعيد انتخاب ترمب.
ولعل نشر الرسائل الإلكترونية الخاصة بالمرشحة الرئاسية السابقة هيلاري كلينتون، هذا الأسبوع يشكل مؤشراً كبيراً، ومُخيفاً أيضاً، لما كانت عليه السياسة الأميركية في الشرق الأوسط أيام أوباما حيال الدول العربية، وإيران وجماعة الإخوان. في كتابي ومداخلاتي للسنوات الست عشرة الماضية، كنت واضحاً لجهة وصف سياسة أوباما – كلينتون – (جون) كاري (وزير الخارجية الأميركي السابق) في المنطقة. فهي تلخصت بالاتفاق النووي، وتقوية إيران على حساب حلفاء أميركا المعتدلين، والشراكة الكبرى مع الإخوان. ورأينا النتائج الكارثية لهذه الاتجاهات خلال عهد أوباما، وبعض رواسبها حتى في أيام ترمب. إلا أن السؤال الأكبر هو معرفة سياسة بايدن، التي سيؤثر عليها عملياً فريق أوباما إذا تم إسقاط ترمب في نوفمبر. فكيف نعرف ماذا يمكن أن يكون المستقبل هذا؟
إن أفضل وسيلة لاستشراف ما يمكن أن تؤول إليه سياسة بايدن في عام 2021، هو عرض ما كانت تحضره السيدة كلينتون بحال فوزها بالرئاسة في عام 2016، وحيث إنني كمستشار لترمب وقتها، قد تبارزت في مناظرات إعلامية عدة مع مستشاريها، لديَّ المعرفة بما كانت تسعى السياسة “الأوبامية” إلى تنفيذه لو لم ينتصر ترمب في ذلك الخريف، وهذه نبذة.
لو نجحت
إن إدارة كلينتون لو نجحت لكانت ولاية ثالثة لأوباما، كما سيكون الوضع إذا انتخب بايدن. أولاً، كان فريق أوباما يعمل بلا هوادة لاستكمال تنفيذ الاتفاق النووي، ولو نجحت كلينتون لاستكمل “عهد أوباما” تعزيزه للاتفاق عبر ربط الاقتصاد الإيراني بالاقتصاد الدولي عامة، والأميركي خاصة، ورفع العقوبات جميعها عن طهران.
ونتيجةً لذلك لكانت إيران ثبتت أقدامها في العراق وسوريا ولبنان دون رجعة. في مقابل ماذا؟ أن تلتزم إيران باستقرار السوق النفطي العالمي، وبقتال تنظيم القاعدة، وفي الوقت ذاته أن تقبل تقاسم النفوذ في المنطقة مع الإخوان المسلمين؛ لأن الوجه الآخر للاتفاق النووي كان تقاسماً للمنطقة بين إيران والإخوان، مما يعني عملياً تقاسم سوريا واليمن بين المحورين وتوزيع الدول الأخرى ما بينهما. وإذ نطلع على الرسائل الإلكترونية المتبادلة بين وزيرة الخارجية السابقة كلينتون وفريقها، وصحافيين، وآخرين، نفهم أن سياسة كهذه كانت معتمدة عملانياً ما بين 2009 و2012.
إلا أن الثورة المصرية غيرت المعادلة على الأرض، وتبعتها وثبة العلمانيين في تونس، ثم تحرك الإمارات ضد المنظمات المتطرفة، ودعم السعودية لمصر ضد الإخوان وللحكومة اليمنية ضد الحوثيين حتى انتخابات عام 2016. والتحالف العربي ضد الإرهاب منع توزيع المنطقة بين القوتين الراديكاليتين على مدى عقد تقريباً، ولكن لو ربح “العهد الأوبامي” عبر كلينتون ضد ترمب، لكانت السياسة الأميركية قد كسرت التحالف العربي، أو كادت.
ولاية ثالثة
ولاية ثالثة لأوباما عبر كلينتون كانت لتساعد الإخوان على العودة إلى الحكم في مصر عبر عزل حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي تحت شعار “مواجهة الديكتاتورية”. وكانت لتدعم حركة النهضة الإسلامية في تونس لتتجذر في السلطة. كما لكان فريق أوباما – كلينتون دعم قوات “حكومة الوفاق” الإخوانية للانتصار على الجيش الوطني الليبي وإخراج المشير خليفة حفتر من المعادلة.
وعلى خط آخر، العهد الثالث للسياسة الأوبامية، كان ليدعم تفاهماً مع ميليشيات “الحشد” في العراق، ودخول المفاوضات مع الأسد، ودعم أوسع للميليشيات الإسلاموية في سوريا على أساس أنها تمثل “ثواراً شرعيين”. أما في لبنان لكانت إدارة كلينتون استمرت بالسماح لـ”حزب الله” أن يسيطر على البلاد، بانتظار منه لطهران حيال اللبنانيين.
تغيير المعادلة
أما انتخاب ترمب فغير معظم هذه السياسات. ليس بالضرورة إلى الحد الأقصى، ولكن في حدها الأدنى. فهو قد واجه إيران، وأسقط الاتفاق النووي، ونشر قوات ردع كبيرة في المنطقة، بما فيها الخليج، والعراق وشرق سوريا لمواجهة الميليشيات الإيرانية، ورد عليها بقوة عندما اعتدت على أميركيين. وفرضت إدارته عقوبات قصوى على المنظومة المالية الإيرانية في دول عدة. وعلى المحور الآخر، أنهى ترمب الوجود العسكري لـ”خلافة داعش”، وصعد ضد الميليشيات التكفيرية (المسماة جهادية في الغرب)، ووعد بأن إدارته ستدرس ملف الإخوان، إلا أنه لم يتمكن من إنجاز هذا الملف.
إن هذه المقارنة بين ما قام به ترمب وما كانت كلينتون تستعد لتطبيقه هو المقياس الأساسي لفهم معادلة هذه الانتخابات. بالفعل لو لم يُنتخب ترمب في 2016، لأكلت إيران والإخوان، الأخضر واليابس في المنطقة، بكل بساطة. من هنا إذا لم يُنتخب ترمب في 2020، فإن واشنطن تحت إدارة بايدن وفريق أوباما، ستُطلق العنان للماكينتين الإيرانية والإخوانية لتقوما بغزو استراتيجي لإسقاط كل أخصامهما بلا هوادة. إذاً، فإن الناخب الأميركي يحمل بين يده مصير الحرب والسلم في الشرق الأوسط.
لذلك، فإن التأكد من وصول البطاقات الانتخابية إلى الصناديق القانوية هو أهم شيء على الكرة الأرضية حتى يوم الثالث من نوفمبر.
وليد فارس
اندبندت عربي