تلوح في العراق ملامح مرحلة جديدة من العلاقة بين الحكومة الاتّحادية وسلطات إقليم كردستان العراق مختلفة جذريا عن علاقة الشدّ والجذب اللذين ميزا علاقات الطرفين طيلة السنوات الماضية، بسبب كثرة الخلافات على العديد من القضايا والملفات وخصوصا الملف المالي فضلا عن الملف الأمني وبسط السيطرة على مناطق بعينها.
وتلوح ثلاثة أقطاب في العلاقة الجديدة بين بغداد وأربيل هي رئاسة الحكومة العراقية ممثلة بمصطفى الكاظمي، ورئيس الجمهورية برهم صالح، وقيادة إقليم كردستان العراق ممثّلة على وجه الخصوص بأقطاب أسرة آل البارزاني الحكّام الفعليين للإقليم.
وأسفر التواصل الكثيف بين هؤلاء الأقطاب على اتفاقات غير متوقّعة لجهة سرعة التوصّل إليها، عن حلّ بعض المسائل الأمنية التي كانت تعتبر مستعصية، بينما سيكون حلّ الخلافات المالية بين بغداد وأربيل أفضل تتويج لـ”شهر العسل الجديد” وفق تعبير أحد السياسيين العراقيين تعليقا على التطورات الكبيرة في علاقات قيادة كردستان العراق مع الحكومة الاتّحادية.
ويقول ذات السياسي إنّ تواصل المسار الحالي في تحسين العلاقات بين الطرفين بذات الزخم يؤشّر إلى قيام تحالف سياسي جديد يستطيع أن يكون فاعلا في المناسبات السياسية القادمة وعلى رأسها الانتخابات المبكّرة المقرّرة لمنتصف السنّة القادمة، ويحتاج إليه رئيس الوزراء مصطفي الكاظمي في تثبيت سلطاته والدفع بمخططه للتغيير والإصلاح والذي لا تروق أغلب بنوده لشركائه النافذين في السلطة وخصوصا من الأحزاب الشيعية ذات الصلات القوية بإيران.
ويذهب البعض إلى التساؤل عن دور الولايات المتّحدة في التقريب بين بغداد وأربيل في وقت تحتاج فيه واشنطن إلى صفاء الأجواء بينهما، وذلك في ظل تصاعد المواجهة غير المباشرة بينها وبين طهران على الأرض العراقية حيث تطمح إيران إلى أن يفضي تحرّش الميليشيات العراقية التابعة لها بالقوات الأميركية إلى دفع إدارة ترامب إلى سحب تلك القوات من العراق.
غير أن هذا السيناريو الذي سيشكل هزيمة مدوية للطرف الأميركي يبدو غير وارد، بينما أقصى ما يمكن أن تقدم عليه الإدارة الأميركية هو اتّخاذ أراضي إقليم كردستان العراق مقرّا بديلا لقواتها المنسحبة من عدّة مناطق عراقية، وذلك ما يحتّم الحاجة إلى إقليم مستقر أمنيا وسياسيا وغير مأزوم ماليا، كما هي حاله في الوقت الراهن.
وغير بعيد عن محاولات إنهاء الأزمة المالية الخانقة لإقليم كردستان العراق، تمّ الثلاثاء الدفع بفكرة تأسيس شركة لإدارة استخراج وتصدير النفط في الإقليم.
حلّ الخلافات المالية سيكون أفضل تتويج لـ”شهر العسل” الجديد بين قيادة كردستان العراق والحكومة الاتحادية
وكانت الخلافات على عوائد النفط المنتج في كردستان العراق وعدم التزام أربيل بتسليمها لخزينة الدولة العراقية، قد عطّلت حصول الإقليم على حصّته من ميزانية الدولة الاتّحادية. وقد أعلن مؤخرا عن بلوغ ديون الإقليم قرابة الـ28 مليار دولار وهو رقم كبير يعكس حجم الأزمة المالية.
وقال وزير النفط العراقي إحسان عبدالجبار إنّ توجهات مفاوض حكومة إقليم كردستان “تتناغم مع توجهات الحكومة الاتحادية للتوصل إلى صيغة حلول دستورية للخلافات بشأن إنتاج وتصدير النفط الخام في الإقليم”.
وفي الجانب الأمني من التوافقات الجارية اتفقت القيادات الأمنية والعسكرية في الحكومة الاتحادية العراقية وإقليم كردستان العراق، الثلاثاء، على البدء بفتح مركزين للتنسيق الأمني المشترك الرئيسيين في بغداد وأربيل.
وذكر بيان لقيادة العمليات المشتركة العراقية أن القيادة استضافت الاجتماع الثالث للجنة التنسيق العسكري والعمل الأمني المشترك بين الحكومة الاتحادية وحكومة أقليم كردستان لمناقشة القضايا ذات الاهتمام الأمني المشترك على طول الخط الفاصل بين القوات الاتحادية وحرس الإقليم بهدف الوقوف على طبيعة التهديدات الأمنية وملاحقة بقايا عصابات داعش.
وقالت مصادر عراقية إنّ بغداد قد تكون بصدد تغيير موقفها من وجود قوات البيشمركة الكردية في كركوك، بعد أن تم سنة 2017 إخراج تلك القوات من المحافظة المتنازع عليها إثر تنظيم أكراد العراق استفتاء على استقلال إقليمهم.
وتغضب مثل تلك التوافقات بين حكومتي بغداد وأربيل قادة ورموز معسكر الموالاة لإيران لخشيتهم أن يكون تقارب الكاظمي مع القيادات الكردية على حسابهم ولمصلحة الولايات المتّحدة وضد نفوذ طهران في البلاد.
وتعليقا على اتّفاق أبرم مؤخّرا بين بغداد وأربيل وقضى بإنهاء وجود الجماعات المسلّحة في قضاء سنجار غربي الموصل، بما في ذلك وجود ميليشيات الحشد الشعبي، قال قيس الخزعلي زعيم ميليشيا عصائب أهل الحقّ إنّ الاتفاق المذكور “مُجاملة سياسية ومُكافأة انتخابية”.
صحيفة العرب