بدأ ملايين الأميركيين الإدلاء بأصواتهم بصورة مبكرة تحت وقع الآثار المدمرة لفيروس «كوفيد – 19» الذي كبّد هذه البلاد الشاسعة أكثر من 215 ألفاً من الضحايا، مع تسجيل نحو ثمانية ملايين إصابة حتى الآن.
تعكس هذه الأرقام كيف دخل ما يسميه الرئيس دونالد ترمب «الفيروس الصيني» إلى بيوت ملايين الأميركيين، من دون أن يوفر البيت الأبيض وغيره من البيوت السياسية في واشنطن وبقية الولايات والمناطق التي ترتفع فيها حرارة السباق الاستثنائي إلى رأس هرم السلطة في العاصمة الأميركية.
وبدا أن الحزب الديمقراطي بقياده مرشحه نائب الرئيس الأميركي السابق جو بايدن، يقف على طرف نقيض لطريقة تعامل الإدارة الجمهورية برئاسة ترمب مع أسوأ أزمة تواجهها الولايات المتحدة منذ عشرات السنين. حاول الطرفان استخدام مرض «كورونا» كأداة رئيسية في تأليب الرأي العام لمصلحة كل منهما في معركة انتخابية يعترف المراقبون بأنها ستكون طاحنة.
رغم أن الاقتراع الرئاسي، الذي يترافق مع انتخابات الكونغرس بكامل أعضاء مجلس النواب البالغ عددهم 435 بالإضافة إلى 35 من الأعضاء المائة في مجلس الشيوخ، لا يقتصر على طريقة التعامل مع الوباء، فإن هذا الأخير يهيمن على ما عداه من القضايا الكبرى التي تلعب دوراً حاسماً بين المقترعين من الآن وحتى يوم الانتخابات في 3 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
– بين «جو النائم» وترمب المريض
يبلغ الرئيس دونالد ترمب الآن 74 عاماً، وعندما كان عمره 70 عاماً في 2016 بات أكبر الرؤساء الأميركيين سناً يُنتخب لولاية أولى في البيت الأبيض. غير أن هذا الرقم القياسي يمكن أن يتحطم إذا جرى انتخاب جو بايدن الذي يبلغ من العمر 78 عاماً في يوم التنصيب مطلع عام 2021.
عمل ترمب طويلاً على وضع صحة بايدن في ميزان الانتخابات. وصفه طويلاً بأنه «جو النائم»، مشيراً من دون دليل إلى أن نائب الرئيس السابق ليس مؤهلاً عقلياً للمنصب الأول في أميركا والعالم. قال ترمب لشبكة «فوكس نيوز» الأميركية للتلفزيون إن «هناك أمراً ما يحصل (…) إنه غريب للغاية»، آملاً أن «نكون قادرين على اكتشاف ذلك عاجلاً وليس آجلاً». لم يدم ذلك إلا إلى أن أصاب «الفيروس المتوحش» ترمب نفسه، فتحوّل النقاش الانتخابي سريعاً إلى تساؤلات عن أهلية ترمب، ولا سيما بعدما نُقل بمروحية رئاسية إلى مستشفى «والتر ريد»، حيث أمضى ثلاث ليالٍ. وازداد الطين بلة عندما بدا الإرباك واضحاً على طريقة تعامل إدارة ترمب مع هذا الملف الصحي بسبب إصابة عدد كبير من العاملين في البيت الأبيض بالفيروس، فارضاً الحجر والعزل على الرئيس وعدد من المحيطين به.
لا شك في أن تشخيص إصابة ترمب أثّر كثيراً على حملته الرئاسية وحدّ من زخمها، إذ اضطر البيت الأبيض إلى إلغاء مناسبات سياسية عديدة، بما في ذلك تجمع حاشد كان مقرراً خارج أورلاندو بولاية فلوريدا ورحلات من أجل جمع التبرعات في ولايات رئيسية متأرجحة، منها ويسكونسن وبنسلفانيا ونيفادا. يعتمد ترمب على حضوره الشخصي لجمع الأموال وبث الحماس بين المؤيدين. كان يأمل أن يكون لديه المزيد من الوقت ليركز في الأسابيع الأخيرة من الحملة على أمور غير ذات صلة بالوباء، مثل تنصيب مرشحته للمحكمة العليا القاضية آيمي كوني باريت، واستمرار خططه للانتعاش الاقتصادي ومواجهته الاضطرابات المدنية. لكن الفيروس لجم اندفاعته الكبيرة لتعويض فارق النقاط في الاستطلاعات التي لا تزال تميل لمصلحة منافسه بايدن.
ورغم زوال أعراض المرض عن الرئيس والخسائر الفادحة التي أصابت الوظائف والأعمال في كل أنحاء البلاد، لا يزال ترمب يواجه تحدياً للحفاظ على هدوء الأسواق المالية والعامة، مدفوعاً بقوة «الثور الاقتصادي الأميركي»، أكبر اقتصاد في العالم. ضاعف فيروس «كوفيد – 19» اهتمام المقترعين بوضع المرشحين الرئاسيين، ليس فقط لأن إصابة ترمب بالفيروس قادت إلى إلغاء مناظرته الثانية مع بايدن، بل أيضاً لأن أحدهما يبلغ 74 عاماً، والآخر 77 عاماً. لكن عندما سألت شبكة «سي إن إن» الأميركية للتلفزيون الناخبين المحتملين عمّن لديه أكثر «القدرة على التحمل ليكون رئيساً»، كان الفارق ضئيلاً، 48% اختاروا بايدن بينما اعتبر 46% أن ترمب في وضع أفضل. ومع ذلك، يحتاج المرشح الديمقراطي أن يعزف النغمة الصحيحة في مهاجمة موقف الرئيس وسياساته تجاه الفيروس.
الوباء يوسّع التصويت عبر البريد
بالإضافة إلى ذلك، تسبب الوباء في اضطرابات كبيرة. لا تزال الولايات الأميركية تشهد معارك قانونية من كلا الحزبين حول كيفية معالجة مخاوف الناخبين في شأن المشاركة بصورة شخصية في عمليات الاقتراع. ويشير الخبراء إلى المخاطر التي ترافق الانتخابات المبكرة هذا الأسبوع في ولاية ويسكونسن، حيث تشاهد طوابير طويلة من الناخبين الذين يرتدون أقنعة واقية للإدلاء بأصواتهم. وتساءل أستاذ العلوم السياسية في جامعة فلوريدا مايكل ماكدونالد عما إذا كان النظام الانتخابي سيسمح للجميع بالتصويت في نوفمبر أم لا، مشيراً إلى أن كثيرين لا يريدون تعريض حياتهم للخطر، ولكنهم يريدون الإدلاء بأصواتهم. ولذلك ينصبّ التركيز الآن على توسيع نطاق الاقتراع عبر البريد الإلكتروني والاقتراع الغيابي لمساعدة الأميركيين الذين طُلب منهم البقاء في منازلهم، علماً بأن هناك عدداً قليلاً من الولايات التي تجري انتخاباتها في المقام الأول عبر البريد. فيما يسمح الباقي بشكل من أشكال التصويت الغيابي، ولكن بدرجات متفاوتة.
وبدأت المعارك القانونية في ولاية ويسكونسن. ونجح الجمهوريون في دعوى أمام المحكمة العليا أدت إلى إلغاء حكم سابق لمحكمة ابتدائية حول بطاقات الاقتراع. ورفع الديمقراطيون دعوى في ولاية تكساس، مدّعين أن قواعد التصويت المقيدة بالبريد في ولايتهم غير دستورية. وفي ولاية جورجيا، تعترض جماعات حقوق التصويت على مطلب يقضي بأن يدفع الناخبون ثمن إرسال أصواتهم بالبريد. ويدعم الديمقراطيون التغييرات ويعارضها الجمهوريون بشكل عام، علماً بأنه ليس من الواضح مَن الذي سيستفيد أكثر.
حتى قبل الوباء، كان المزيد من الولايات يوسّع الخيارات أمام الغائبين والتصويت عبر البريد كوسيلة لتوفير مزيد من المرونة وتقليل عدد المقترعين في يوم الانتخابات. ولكن الرئيس ترمب يعترض بشدة على ذلك لأنه يعتقد أن الجمهوريين سيتضررون من التصويت عبر البريد. وقال أخيراً إن «التصويت عبر البريد أمر مروع»، علماً بأنه وزوجته أدليا بصوتيهما بهذه الطريقة في الانتخابات التمهيدية التي شهدتها فلوريدا خلال الشهر الماضي.
وقال الشريك المؤسس المشارك لشركة «إيشيلون إنسايتس» للاستطلاعات باتريك روفيني، إنه «لم يكن هناك دليل قوي على أن التحول الشامل إلى التصويت عن طريق البريد يتسبب في تحرك ولاية ما أكثر نحو الديمقراطيين أو الجمهوريين»، شارحاً أن القواعد التي يُجرى التصويت الموسع عبر البريد على أساسها تختلف من ولاية إلى أخرى، لكنّ «الشيطان يكمن حقاً في التفاصيل».
الشرق الأوسط