تزايد عدد الضربات الجوية المنسوبة إلى القوات الإسرائيلية منذ بداية الحرب الأهلية في سوريا، علمًا بأنه ارتفع بشكل خاص خلال العامين الماضيين. ويجسّد هذا النشاط المتزايد محاولةً من الجانب الإسرائيلي لصدّ الاستحكام العسكري الإيراني في سوريا وعرقلة طرقات شحن الأسلحة بين سوريا ولبنان، وبالتالي تأخير جهود “حزب الله” الرامية إلى تعزيز قواته في لبنان. ولكن خلال هذه الفترة، كانت إيران و”حزب الله” قد أحكما قبضتهما على سوريا، وهو ما يتجلّى من وجود عناصر الميليشيات الشيعة داخل البلاد. إذ يتصرف كلٌّ من إيران و”حزب الله” في سوريا تصرّف أهل البيت بدون أي عرقلة من السلطات السورية، حتى بعد مرور كل هذه السنوات من النزاع العسكري.
وبالرغم من أي إنجازات حققتها عمليات الحملة الإسرائيلية ضد سوريا، يمكن القول إن الحملة التي تقوم بها إسرائيل “ما بين الحروب” – التي غالبًا ما يُشار إليها باختصارها العبري “مابام” – تعاني عددًا من “الاعتلالات المشتركة” التي تعطّل فعاليتها الاستراتيجية.
وحتى على المستوى العملياتي بحت، لا يبدو أن حملة “مابام” حققت كل أهدافها. فكثافة الضربات واستمرارها يدلّان على أن إيران لم تتخلَّ عن محاولاتها لشحن الأسلحة من سوريا إلى لبنان.
ومهما بلغت حدة هذه الضربات أو كثافتها، لا يبدو أنها أضعفت الرغبة الإيرانية في نقل منظومات الأسلحة إلى “حزب الله”، ويبدو أن إيران لا تزال مصممة على ترسيخ مكانتها في سوريا. والواقع أن هذه الضربات، على أكثر تقدير، خلّفت تأثيرًا تكتيكيًا مؤقتًا على السلوك الإيراني في سوريا. كما أن إيران، وبالرغم عن هذه الضربات، نجحت في إرساء قواعد تتيح لها إطلاق الصواريخ على إسرائيل، وفق ما تبيّن من الصواريخ التي أُطلقت على جبل حرمون في كانون الثاني/يناير 2019. وعلى النحو نفسه، يتبين من مشروع تحويل المقذوفات إلى صواريخ، الذي ينفذه “حزب الله” وإيران في لبنان، أن إيران تحاول إيجاد حلول لصعوبات التسلّح المستمرة التي يواجهها “حزب الله”، ومن شأن هذه الحلول أن تبطل الجدوى من حملة “مابام” برمّتها طالما أن إسرائيل لا تزال ممتنعة عن تنفيذ الضربات في لبنان.
علاوةً على ذلك، تعرّض هذه الحملة إسرائيل لمخاطر كبيرة. فالأحداث المرتبطة بالضربات الإسرائيلية كانت توشك من فترة إلى أخرى أن تشعل فتيل صراع مفتوح بين إسرائيل وكلٍّ من روسيا وإيران و”حزب الله”. وفي الوقت نفسه، كشفت هذه الحملة التكتكيات الإسرائيلية أمام أعدائها. إذ تعطي الضربات الراهنة لإيران وحلفائها فرصةً لتحليل العمليات الإسرائيلية وتزوّدها بمعلومات تكتيكية قد تشكل عائقًا مهمًا في أي حالة طارئة مستقبلية.
وعلى نطاق أوسع، تشير هذه التحديات إلى مشكلة كبيرة أخرى، وهي أن إسرائيل لم تنجح في تحويل إنجازاتها العملياتية التي يحتمل أن تكون محدودة إلى مكاسب دبلوماسية، وأبرزها تحقيق هدفها “بإخراج إيران من سوريا”.
للأسف، ثمة احتمال في أن تكون العمليات الإسرائيلية الناشطة قد مُنيت بالفشل، في وقتٍ كان بوسعها تحقيق نتائج مذهلة. فالعقوبات الأمريكية والمشاكل الاقتصادية والاضطرابات السياسية أجبرت “حزب الله” والدولة الإيرانية على تركيز المزيد من اهتمامهما ومواردهما على المسائل الداخلية في إيران ولبنان، في حين أن إسرائيل وتركيا تمرّان بلحظة نادرة تتشابه فيها مصالحهما حيث تأمل كلتاهما في إزاحة الأسد عن العرش. أضف إلى ذلك أن المسؤولين الروس اشتكوا وفق ما أفيد من بشار الأسد في الأيام الأخيرة، مع أن احتمال ابتعاد روسيا عن نظام الأسد بعيد.
كما أن نجاحات الحملة المحدودة، حتى في ظل هذه الظروف المؤاتية، تثير السؤال عمّا إذا كان هذا النهج الناشط قادرًا على تحقيق هدفه الاستراتيجي الظاهري. فمن الواضح أن إسرائيل تحاول إحداث “تأثير شامل” قد يؤدي إلى خروج إيران من سوريا، لكن هل يمكن تحقيق ذلك بمجرد الانخراط في ضربات عسكرية أو أنشطة عملياتية وحدها؟ والواقع أن المساعي الإسرائيلية لتعديل القالب السوري من الناحية “العملياتية” لا تترك أي تأثير على التطورات السياسية والدبلوماسية المنشودة في سوريا.
إضافةً إلى ذلك، من المحتمل أن يتدهور الوضع الحالي مع الوقت. وعلى الرغم من هذه الضربات، من المرجح أن يتعاظم التزام الأسد بهذا التحالف في المستقبل. وبالتالي، سيواصل الأسد على الأرجح مساعدة العناصر المعادية حتى إذا استمرت الضربات العسكرية بكثافة أكبر. في المقابل، لا تزال إسرائيل تبدو غير واثقة بشأن كيفية التعامل مع دعم الأسد المتعمد لـ”التحالف الشيعي الراديكالي”.
لم تدخل إسرائيل المجال الدبلوماسي بما يكفي لاستكشاف خياراتها عند معالجة هذه المسألة. وفي حين أنها تنخرط في عمليات مكثفة في سوريا، إلا أنها تبدو غائبة تمامًا عن الساحة الدبلوماسية. فمحادثات أستانا التي تعتبر المسعى الدبلوماسي الأكثر جديةً في ما يتعلق بمستقبل سوريا السياسي، تجري بقيادة روسيا وتركيا وإيران، بينما تفتقر إسرائيل إلى أي تأثير ملموس على العملية. ناهيك عن أن الغياب العملي للولايات المتحدة عن العملية الدبلوماسية وافتقارها إلى أي نفوذ على الوضع في سوريا يؤثران سلبًا على قدرة إسرائيل على الاستفادة بشكل كامل من الخطوات العملياتية أو الدبلوماسية التي تُتَّخذ هناك.
لذلك، إذا أرادت إسرائيل تحقيق هدفها في ما يتعلق بسوريا، عليها أن تضيف إلى سياسة “مابام” التي تتبعها عنصرًا دبلوماسيًا جوهريًا بدل الاعتماد على قوتها العسكرية فحسب. فاجتثاث الأعمال التي يقودها “حزب الله” وإيران في سوريا يستوجب تغييرًا سياسيًا في القيادة السورية، وما من ضربة فعلية على الأرض قادرة على تحقيق هذا الهدف.
وجدير بالذكر أن القوى المعادية لإسرائيل راسخة بعمق في هذه الساحة، وسيتعين على إسرائيل إيجاد طرق للتواصل مع الأطراف البعيدة حاليًا إذا أرادت إحداث تغيير دائم في الوضع السياسي السوري. وحتى لو رغب الروس أو الأتراك في تصحيح مسار الأوضاع في سوريا، لن يتمكنوا من تحقيق ذلك إلا بجهود مشتركة. ومع أن هذه الجهود التعاونية لا تزال غير مضمونة البتة، تتوفر خطوات دبلوماسية عدة لإيجاد بيئة علاقات أفضل لإسرائيل في هذا الصدد.
على سبيل المثال، بوسع إسرائيل الانخراط في مناقشات معمّقة مع روسيا حول “حقبة ما بعد الأسد” مع إظهار استعدادها للقيام بتسويات محتملة لناحية سوريا. وإذا أمكن، يجب أن تشارك إسرائيل في محادثات أستانا من وراء الكواليس، بالترافق مع العمل المشترك مع الروس والأمريكيين.
وتستطيع إسرائيل أيضًا إجراء مناقشات سرية مع الأتراك نظرًا إلى المصالح المشتركة النادرة بين القدس وأنقرة بشأن سوريا، وذلك من أجل تغيير معالم الوضع هناك. وعلى المنوال نفسه، يجدر بإسرائيل أن تحاول وضع خريطة طريق للتغيير السياسي في سوريا بالتعاون مع الإدارة الأمريكية الراهنة – وربما أيضًا المستقبلية. كما يجب عليها أن تنقل سلسلة من الرسائل إلى إيران عبر أطراف يعتبرها الفريقان ذات مصداقية، على غرار عمان، لتحدد بوضوح الخطوط الحمراء لإسرائيل في سوريا من أجل تقليل احتمالات حدوث تصعيد غير مرغوب عند حدود إسرائيل الشمالية.
والأرجح أن إخراج إيران من سوريا لن يكون ممكنًا بدون إنهاء حكم بشار الأسد في سوريا. فطالما أن هذا الأخير موجود في موقع السلطة، سيتمتع كل من “حزب الله” وإيران وحلفاؤهما بقدرة مطلقة على دخول سوريا والوصول إلى الأسلحة المتوفرة بتصرّفها، ما يشكل تهديدًا خطيرًا على الأمن القومي الإسرائيلي. وفيما بيدو الأسد آمنًا للوقت الراهن، يجب أن تضمن إسرائيل، في حال تسنّت الفرصة للتأثير على الساحة السياسية السورية، أن تملك حينذاك إطار عمل لإيصال مخاوفها إلى الأطراف المعنية في سوريا.
في غياب العنصر الدبلوماسي، لن تؤدي الضربات العسكرية الإسرائيلية إلى إيجاد حلٍّ دائم للمشكلة السورية. ومع وجود “حزب الله” وإيران في موقف سيئ تكون فيه قدراتهما محدودة، وفي ظل تأجج التوترات الداخلية تحت السطح، قد يؤدي العدوان المستمر إلى تصعيد غير مرغوب به لا يستحق أي إنجاز عملياتي.
داني (دينيس) سيترينوفيتش
معهد واشنطن