تظاهرات فرنسية تكريما لمدرس التاريخ ضحيّة العملية الإرهابية

تظاهرات فرنسية تكريما لمدرس التاريخ ضحيّة العملية الإرهابية

باريس – تشهد كافة أنحاء باريس الأحد تظاهرات حاشدة تكريما للمدرّس صامويل باتي الذي قتل الجمعة لعرضه رسوما كاريكاتورية للنبي محمد على تلاميذه في الصف، في جريمة أثارت حزنا شديدا في البلاد ووضع على خلفيتها عشرة أشخاص في الحبس الاحتياطي على ذمة التحقيق.

وتحاول فرنسا تجاوز الصدمة التي خلفتها حادثة قطع رأس المدرس في عملية اعتبرها الرئيس، إيمانويل ماكرون، هجوما “إرهابيا إسلاميا”.

وتوجه الرئيس ماكرون إلى مكان الجريمة حيث قال من هناك إن الهجوم الذي طال المدرس هو هجوم “إرهابي إسلامي” داعيا “الأمة بكاملها” للوقوف إلى جانب المدرسين من أجل حمايتهم والدفاع عنهم.

وأضاف ماكرون الذي كان قد انتقد قبل أيام الإسلام معتبرا أنه دين يعيش أزمة في كل مناطق العالم، “علينا أن نقف سدا منيعا. لن يمروا. لن تنتصر الظلامية والعنف المرافق لها”.

وسيتظاهر مسؤولون في الأحزاب السياسية والرابطات والنقابات الأحد عند الساعة الثالثة (13,00 ت غ) في باريس ومدن كبيرة أخرى هي ليون وتولوز وستراسبورغ ونانت ومارسيليا وليل وبوردو.

وانضمّت مجلة شارلي إيبدو الساخرة، التي استُهدفت عام 2015 باعتداء إسلامي، أيضاً إلى الدعوة للتظاهر في العاصمة. ومن المقرر أن يُنظّم التجمّع في ساحة “لا ريبوبليك” (الجمهورية)، المكان التقليدي لإقامة تظاهرات. وشكلت هذه الساحة مركزاً للتظاهرة الحاشدة في 11 يناير 2015 التي نُظّمت عقب اعتداءات شارلي إيبدو ومتجر “إيبر كاشير” وجمعت حوالى 1.5 مليون مشارك.

وعبّرت الصحيفة على تويتر عن “إحساسها بالرعب والغضب عقب اغتيال مدرس يمارس مهنته من طرف متعصب دينيا”.

وقُطع رأس صامويل باتي، بعد ظهر الجمعة، وهو ربّ عائلة يبلغ 47 عاماً، قرب مدرسة كان يدرّس فيها التاريخ والجغرافيا في حيّ هادئ في منطقة كونفلان سانت -أونورين، في الضاحية الغربية لباريس. وأردت الشرطة منفذ الجريمة وهو عبدالله أبوييزيدوفيتش أ. لاجئ روسي من أصل شيشاني يبلغ 18 عاماً، بعد إصابته بتسع رصاصات.

ويأتي الهجوم على المدرّس، بعد ثلاثة أسابيع من اعتداء إسلامي نفذه شاب باكستاني بساطور أمام المقرّ القديم لشارلي إيبدو وأسفر عن إصابة شخصين بجروح بالغة وفي خضمّ جدل أثاره الرئيس الفرنسي بعد كشفه عن خطة للدفاع عن قيم فرنسا العلمانية.

أثار هذا الاعتداء الإسلامي الجديد الصدمة في البلاد. وتجمّع السبت مئات الأشخاص في مدينة نيس (جنوب شرق) ورين (غرب) للتنديد بـ”عمل بربري” والدفاع عن “قيم الديموقراطية”.

وسيُنّظم تكريم وطني للضحية الأربعاء بالتنسيق مع عائلة المدرّس، وفق ما أعلنت رئاسية الجمهورية الفرنسية من دون تحديد المكان.

واقترح زعيم كتلة النواب الجمهوريين (يمين) داميان أباد أن يُنقل جثمان المدرّس إلى البانتيون حيث تُسجّى كبار شخصيات الجمهورية الفرنسية مثل الكاتب فيكتور هوغو والعالمة ماري كوري، داعياً إلى القيام “بخطوة رمزية قوية”.

وأشار رئيس الوزراء جان كاستيكس في حديث لصحيفة “جورنال دو ديمانش” إلى أنه يعمل على “استراتيجية ردّ تكون كثر صرامةً وأسرع وأكثر فعالية عندما يخضع مدرّس لتهديدات”.

وبحسب العناصر التي كشف عنها النائب العام لمكافحة الإرهاب جان-فرانسوا ريكار، نظم أستاذ التاريخ مع تلاميذه نقاشاً في إطار صفوف التربية المدنية، عرض خلاله رسوماً كاريكاتورية للنبي محمد. واقترح على التلاميذ الذين لا يرغبون برؤية بعض هذه الرسوم، بعدم النظر إليها.

وأعرب والد تلميذ موضوع في الحبس الاحتياطي حالياً، عن استيائه من هذا الدرس في مقاطع فيديو ناشراً بذلك على الانترنت اسم الأستاذ وعنوان المدرسة كما التقى مديرة المدرسة للمطالبة بطرده. وتلقى الأستاذ بعدها عدة اتصالات تهديد.

تجمّع حوالى ألف شخص من أهالي التلاميذ والمسؤولين ومواطنين، في كونفلان سانت -أونورين حيث حصلت الجريمة، بحزن شديد أمام المدرسة التي كان باتي يدرّس فيها. ورفع كثيرون لافتات كُتب عليها “أنا استاذ”، ما يعيد إلى الذاكرة شعارات “أنا شارلي” التي رفعت حول العالم بعد الهجوم على مقر شارلي إيبدو.

وقال ليونيل وهو أستاذ تاريخ وجغرافيا في مدينة هيربلاي المجاورة “سيكون هناك بالنسبة للأساتذة ما قبل وما بعد 16 أكتوبر: للمرة الأولى، تتمّ مهاجمة أستاذ لأنه يُعلّم”.

وتأثر أيضاً التلامذة كثيراً على غرار ماري، وهي في الصف الثانوي الأول، وقد جاءت إلى أمام مدرستها القديمة لتضع وروداً “تكريماً لأستاذها السابق”.

وقالت الشابة المذهولة “أتذكر درسه عن حرية التعبير. لقد تحدثنا عن شارلي (إيبدو)، ورسمنا رسوماً لا تزال معلقة في المدرسة”.

وندد سياسيون فرنسيون بالاعتداء على المدرّس الفرنسي. وقال رئيس منطقة أو-د-فرانس (شمال) كزافييه برتران إنّ “الهمجية الإسلامية طالت أحد رموز جمهوريتنا: المدرسة”. وأضاف “عليهم معرفة أنّنا لن نخضع: لن يمنعوننا يوما من القراءة، الكتابة، الرسم، التفكير، التعليم”.

رسالة إلى ماكرون
لدى عبدالله أ. سوابق في القانون العام وهو معروف لدى الاستخبارات لسلوكه الراديكالي. وقال ريكار أن عبدالله قام بعد ظهر الجمعة بعمليات مراقبة قرب المدرسة.

وعُثر في هاتف المهاجم على رسالة موجهة إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون “زعيم الكفّار” تتضمن رغبته في الانتقام من الشخص الذي “تجرّأ على التقليل من شأن محمد” إضافة إلى صورة الضحية مقطوع الرأس. وكانت قد نُشرت الرسالة والصورة على تويتر.

وكان الرئيس ماكرون قد وجه مؤخرا انتقادات لاذعة للإسلام الذي قال إنه “دين يعيش أزمة في كل مكان في العالم” في تصريحات أثارت جدلا كبيرا فيما فسرها متابعون بأنها تستهدف الإسلام الأصولي.

وتحدّث جيران عبدالله أنه كان شابا “كتوما” و”غارقا في الدين” منذ نحو ثلاث سنوات.

وشدّدت موسكو من خلال سفارتها لدى باريس على أن “هذه الجريمة لا تعني روسيا بشيء” إذ إن الشاب غادر البلاد عندما كان قاصراً.

وتم توقيف 11 شخصاً في القضية ووُضعوا في الحبس الاحتياطي منذ مساء الجمعة، خصوصاً أقرباء المهاجم بالإضافة إلى بعض الأشخاص الذين شجعوا على الانتقام من الأستاذ.

ومن شأن هذه الحادثة أن تدعم اليمين المتطرّف في فرنسا، الذي يكتسح صناديق الاقتراع منذ سنوات بشكل متراكم ومطرد، سواء في الانتخابات البلدية أو البرلمانية أو الرئاسية، مستفيدا من تزايد موجات الكراهية للأجانب مع تكرّر العمليات الإرهابية وانتشار نزعات القومية والعرقية والدينية.

وتسببت موجة الاعتداءات الجهادية غير المسبوقة التي بدأت عام 2015 في فرنسا، بمقتل 259 شخصاً في المجمل.

وشهدت البلاد في سبتمبر الماضي اعتداء بالطعن حين هاجم رجل مسلح بساطور شخصين وأصابهما بجروح خطيرة في هجوم إرهابي مفترض أمام المقر السابق لأسبوعية شارلي إيبدو الساخرة في باريس بعد ثلاثة أسابيع على بدء جلسات محاكمة شركاء مفترضين لمنفذي الاعتداء الدامي على موظفي المجلة عام 2015.

العرب