تقول مجلة فورين بوليسي (Foreign Policy) الأميركية إن الصراع الدائر في إقليم ناغورني قره باغ حفّز الجالية الأرمينية في الشتات والبالغ قومها حوالي 7 ملايين شخص لدعم جبهات القتال، مما يضيف معطى دوليا جديدا للصراع الدامي على هذه المنطقة المتنازع عليها بين أذربيجان وأرمينيا.
فمع استمرار المعارك للأسبوع الثالث على للتوالي، خرج شباب أرمنيون في شوارع حي برج حمود ذي الغالبية الأرمنية في بيروت رافعين أعلام أرمينيا، كما خرجت مظاهرات أخرى في لوس أنجلوس الأميركية حيث جهّزت الجالية الأرمنية هناك شحنات أدوية وغذاء ودعما ماليا لسكان الإقليم، كما طالبوا الحكومة الأميركية باتخاذ إجراءات تصب في صالحهم.
وتؤكد المجلة أن هذا الفصل الجديد من فصول الصراع في ناغورني قره باغ شكّل دافعا غير مسبوق للتعبئة والوحدة بالنسبة لملايين الأرمن في الخارج، خاصة مع ورود تقارير عن توجه شباب أرمنيين للقتال في الإقليم الذي لم يره سوى القليل منهم.
ويقول كريكور أرتينيان -وهو أرمني لبناني مقيم في حي برج حمود ببيروت- “في جميع أنحاء العالم، عندما تكون هناك حرب يفر الناس من البلاد.. لكن ليس الأرمن”.
ويضيف “لقد تدفق الأرمن من جميع أنحاء العالم على أرمينيا وأرتساخ”، في إشارة إلى الاسم الذي يطلقه الأرمن على ناغورني قره باغ الذي يعتبر قانونيا جزءا من أذربيجان لكن تحكمه وتسكنه غالبية أرمنية.
وتؤكد فورين بوليسي أنه على الرغم من الاختلافات الموجودة بين الجاليات الأرمنية في الشتات وعلاقتهم المختلفة بالتاريخ وبأرمينيا المعاصرة، فإن الصراع في ناغورني قره باغ حشدهم ووحّدهم بطريقة غير مسبوقة، حتى في جميع أنحاء أوروبا حيث أغلقوا طرقا سريعة واحتجوا في العواصم مطالبين بالاعتراف بسيادة “أرتساخ”.
وفي أميركا، اتخذ الدعم الأرمني خلال الأزمة الحالية أشكالا عدة، منها الدعم المادي حيث تبرعت الممثلة عارضة الأزياء الأميركية الشهيرة ذات الأصول الأرمنية كيم كاردشيان بمليون دولار.
وعلقت في رسالة فيديو على حسابها الذي يتابعه 190 مليونا في إنستغرام “دعواتي وصلواتي مع الرجال والنساء والأطفال الشجعان.. أريد أن يتذكر الجميع أنه على الرغم من المسافات التي تفصل بيننا، فإننا لسنا مقيدين بالحدود، نحن جميعا أمة أرمنية عالمية واحدة”.
كما تمكن صندوق “هياستان أول أرمينيان” (Hayastan All Armenian) الذي يتيح للمغتربين الأرمن فرصة المساهمة بعملات عدة منها الدرام الأرمني، من جمع حوالي 126 مليون دولار حتى الآن.
ولكن على الرغم من كل هذا الصخب والمساعدات السخية، ترى المجلة أن الشيء الوحيد الذي يبدو أن قلة من الأرمن يفعلونه حاليا هو الذهاب إلى الخطوط الأمامية للقتال.
فعلى عكس الصراع الدامي أوائل التسعينيات الذي حصد حياة أزيد من 30 ألف شخص، لا تحتاج أرمينيا -بحسب المجلة- متطوعين أجانب هذه المرة، لأن المعركة باتت حربا ذات تقنية عالية من خلال توظيف الطائرات المسيرة ودبابات القتال المتقدمة، مما يترك مساحة ضيقة للمتطوعين.
على صعيد آخر، ترى المجلة أنه بالنسبة للأميركيين الأرمن، فإن الصراع في ناغورني قره باغ هو أيضا قضية سياسية مهمة قبل أسابيع فقط من الانتخابات الرئاسية.
وقد أصدر عمدة لوس أنجلوس هذا الشهر بيانا يدعم فيه موقف أرمينيا في القتال، وهو موقف إعلامي “غريب” بالنسبة لمسؤول بلدي بحسب فورين بوليسي، لكن في المقابل زادت الولايات المتحدة خلال العامين الماضيين تمويلها الأمني لأذربيجان بمقدار 100 مليون دولار.
وقد علق المرشح الديمقراطي للرئاسة جو بايدن هذا الأسبوع على الصراع الدائر في الإقليم محملا الطرفين الأذري والأرمني -إضافة إلى تركيا- مسؤولية استمرار الصراع، وهو موقف يعتبره الأرمن “أفضل” من موقف الرئيس الحالي دونالد ترامب لكنه “غير كاف”.
وتختم المجلة بأنه في ظل صراع يعتمد أيضا على كسب “معركة الصورة” دوليا، فإن الشتات الأرمني المتعلم جيدا والميسور الحال -أمثال كيم كاردشيان ورفاقها الأرمن الأميركيين في كاليفورنيا أو الأرمن اللبنانيين الذين يدعون لشن هجمات إلكترونية على أذربيجان- “مقوم إستراتيجي” مهم في كسب المعركة.
المصدر : فورين بوليسي