منظمات عالمية 2021 ملايين الأشخاص سيعيشون في فقر مدقع

منظمات عالمية 2021 ملايين الأشخاص سيعيشون في فقر مدقع

الباحثة شذى خليل*

يتجه العالم نحو المزيد من الأزمات في ظل تفشي فيروس كورونا الذي كان له تداعيات سلبية سياسية صحية واقتصادية واجتماعية، حيث أعلن ومن خلال المؤتمر السنوي لصندوق النقد الدولي ومجموعة البنك الدولي، رئيس البنك الدولي، ديفيد مالباس، انه بحلول عام 2021 ، سيكون هناك حوالي 100- 150 مليون شخص آخرين قد وقعوا في براثن الفقر المدقع، ووفقاً للبنك الدولي، فإن تعريف الفقر المدقع، هو العيش بأقل من 1.90 دولارا في اليوم، وستكون هذه الزيادة في الفقر هي الأولى منذ 1998، عندما هزت الأزمة المالية الآسيوية الاقتصاد العالمي.
حذرت منظمات أممية، من اتساع نطاق «الفقر المدقع» في العالم، بسبب تداعيات وباء فيروس كورونا المستجد «كوفيد ـ 19»، الذي يضرب اقتصادات العالم بشراسة، وأن معدل الفقر المدقع سوف يرتفع هذا العام لأول مرة منذ أكثر من عقدين، ومن المتوقع أن يصل إلى 115 مليون شخصن بحسب تقرير البنك الدولي.
إن كوفيد -19 والأزمة الاقتصادية المصاحبة له، والتي تفاقمت بفعل آثار الصراع المسلح والتغيرات المناخية، تقلب المكاسب التي تحققت بشق الأنفس في الحد من الفقر، وتنهي أكثر من عقدين من التقدم المستمر، وتوصف الأزمة بأنها الأوسع والأعمق، ومن الواضح أننا نواجه وباءً فريدًا من عدم المساواة: الانكماش أوسع، وقد أصاب عمال القطاع غير الرسمي والفقراء – وخاصة النساء والأطفال – أصعب.
وأشار مالباس إلى أن حصيلة جائحة COVID-19 كانت هائلة، ومن المرجح أن يعاني الناس في أفقر البلدان الأطول والأكثر صعوبة.
لقد أدت الأزمة إلى دخول المزيد من الاقتصادات إلى ركود متزامن أكثر من أي وقت مضى منذ عام 1870، وقد تؤدي إلى عقد ضائع يتميز بضعف النمو، وانهيار العديد من أنظمة الصحة والتعليم، وجولة جديدة من أزمات الديون السيادية.
مما يعني أن من المتوقع أن ترتفع الديون السيادية العالمية في هذا العام إلى ما يقرب من 100% من إجمالي الناتج العالمي السنوي، كما توقع أن يستقر معدل الديون السيادية على هذا المستوى المرتفع نفسه في العام المقبل.
وقدر الصندوق الموارد العامة التي تم ضخها حتى الآن بسبب أزمة فيروس كورونا بـ11.7 تريليون دولار على مستوى العالم، أي ما يعادل أقل قليلا من 12%، من إجمالي الناتج العالمي.
ويتكون نصف هذا المبلغ من نفقات حكومية إضافية أو إيرادات حكومية مفقودة، مثل التخفيضات الضريبية، فيما يتكون النصف الآخر من مساعدات سيولة مثل القروض أو الضمانات وضخ في رؤوس الأموال للشركات المهددة اقتصاديا.

إن النهج المتبع في مجموعة البنك الدولي كان شاملاً، حيث ركز على إنقاذ الأرواح وحماية الفقراء والضعفاء والعمل على تحقيق نمو أعمال مستدام وإعادة البناء بطرق أفضل، وقد ركز على جوانب أكثر إلحاحًا لهذا العمل، مثل الحاجة إلى مضاعفة جهودنا للتخفيف من حدة الفقر وعدم المساواة.
لقد واجه COVID-19 انتكاسة غير مسبوقة للجهود العالمية لإنهاء الفقر المدقع، ورفع متوسط الدخل، وخلق رخاء مشترك .
ومن المتوقع أن يتعافى الاقتصاد العالمي جزئيًا في عام 2021 من أسوأ ركود له منذ الحرب العالمية الثانية، على الرغم من نموه مرة أخرى، فمن المتوقع أن يظل النشاط العالمي أقل بكثير من اتجاهه السابق للوباء لفترة طويلة.
والجانب الآخر من العمل هو مساعدة البلدان الأكثر فقرا بشكل دائم على تخفيف أعباء ديونها وجذب استثمارات فعالة –الأمر الذي سيتطلب قدرًا أكبر من الشفافية في الديون والاستثمار.
والعمل من أجل تسهيل التغييرات اللازمة لتحقيق انتعاش شامل ومرن، تتمثل الخطوة الرئيسة لتحقيق الانتعاش المستدام في أن تسمح الاقتصادات والأفراد بالتغيير واحتضانه.
ستحتاج الدول إلى السماح لرأس المال والعمالة والمهارات والابتكار بالتحول إلى بيئة أعمال مختلفة بعدCOVID.، فإن هذا يعطي علاوة على العمال والشركات الذين يستخدمون مهاراتهم وابتكاراتهم بطرق جديدة – وفي بيئة تجارية من المرجح أن تعتمد أكثر على الاتصالات الإلكترونية وأقل على السفر والمصافحة.
في الوقت نفسه، يبلغ الفاقد من الأغذية والهدر الغذائي سنوياً 1.3 مليار طنّ، أو ثلث إجمالي الأغذية المنتجة عالمياً، وما يقدر بنحو 820 مليون شخص لم يكن لديهم ما يكفي من الطعام، بحسب منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو)، ويشكل خفض الفاقد من الأغذية والهدر الغذائي عاملاً أساسياً لتحقيق الأمن الغذائي في العالم ونظم غذائية مستدامة، وتعدّ الفاو أن حصر نطاق هذه المشكلة أساسي لتعزيز الأمن الغذائي وتخفيف الضغط على الموارد الطبيعية الشحيحة أصلاً في هذه المنطقة.
أما بالنسبة الى الدول العربية ونصيبها من هذه الأزمات حيث كانت أغلب الشعوب العربية تواجه سلسلة من الصدمات والانتكاسات التي أعقبت ثورات الربيع العربي، حتى جاءت هزة كورونا، لتكون أكثر الهزات الاقتصادية عنفًا مع الطبقات الفقيرة والمتوسطة، انعكس وبشكل كبير على الفقير الذي زاد فقرا، وكانت الزيادة في الفقر في العالم العربي قبل جائحة كورونا تسير وفق منحنى تصاعدي مطرد، فقد بلغت نسبة السكان الذين يعيشون في فقر مدقع 29.2% في عام 2019، أي ما يعادل 101.4 مليون شخص مقارنة بـ 22.8% في عام 2010 ، أي ما يعادل 66.4 مليون شخص، وستزداد سرعة ارتفاع معدل الفقر نتيجة للدور الذي تلعبه جائحة كورونا في مفاقمة مشكلة البطالة والتهاب الأسعار وتعطيل خدمات الرعاية الصحية.

حيث ومن المعروف ان الدول العربية هي أقل الدول استعدادا لمواجهة الأزمات غير مستعدَّة إطلاقًا لمواجهة النتائج الاقتصادية والاجتماعية الكارثية للجائحة، حيث أكدت منظمات دولية مثل “الاسكوا ” في آخر تقرير لها انزلاق 9.1 ملايين شخص إضافي في المنطقة العربية تحت خط الفقر الذي ينفق فيه الفقراء ما لا يزيد عن 1.9 دولار يوميًا بحلول عام 2021.
وكلما ازدادت فجوة الفقر اتِّساعًا ازدادت معها تكاليف إغلاقها التي قد تصل حسب المنظمة إلى مبلغ يتراوح ما بين 45 مليار دولار إلى 51.7 مليار دولار عام 2021 لخط الفقر البالغ 3.5 دولارات للفرد في اليوم، وستتراوح تلك التكاليف من 11.7 مليار دولار إلى 12.4 مليار دولار عام 2021 لخط الفقر البالغ 1.9 دولارا للفرد في اليوم، كما سترتفع تلك التكاليف حتمًا في سوريا واليمن الممزَّقين بالحروب.
وختاما.. إن العالم العربي الذي يقدر عدد سكانه بنحو 436 مليون نسمة، قد تصل نسبة الفقر المدقع فيه إلى 14 مليون شخص، وهؤلاء سوف يضافون أيضاً إلى ملايين الفقراء قبل جائحة «كوفيد ـ 19»، مما يرسم خريطة جديدة للفقر في العالم، الذي سوف يزداد فقراً مع استمرار جائحة «كورونا»؛ مما بفرض حتمية تحرك عالمي لمواجه هذه الأزمة، ووضع الخطط اللازمة؛ تفادياً للآثار الوخيمة والسلبية التي قد تنجم عن اتساع رقعة الفقر وتداعياتها الكارثية.
أنّ أغلب الحكومات العربية ستكون على موعد مع الفقر في حلَّته الكورونية الجديدة، والذي سيكون أشدّ فتكًا بالفقراء وأكثر اغتيالًا لأحلام متوسطي الدخل بتحسين أوضاعهم.
وإذا عجزت تلك الحكومات عن التخفيف من آلام الفقراء خلال العشريات الماضية ما أدى الى انتشال الفقراء، الذين ترمي بهم كورونا في دوامة الفقر المدقع، خلال العقود المقبلة، وإذا تعذَّر سابقًا إيجاد الموارد المالية اللازمة لإغلاق فجوة الفقر القائمة، فسيستحيل مستقبلًا استحضار الأموال الكافية لسد ولو حيِّز بسيط في فجوة الفقر التي تنخر فيها كورونا، وتزيد من عمقها في كل يوم يمرّ لا تحرِّك فيه الحكومات العربية ساكنًا لإيجاد وتطبيق سياسات فعّالة للحدّ من الفقر، عوضًا عن التمسُّك بسياسات عقيمة، أكل الدهر عليها وشرب، تصنع الفقر بدلًا من أن تحاربه.

الأمر يستدعي «إجراءات سياسية سريعة ومهمة وجوهرية»؛ لردم الهوة بين الأثرياء والفقراء، خصوصاً إذا أخذنا في الحسبان أن جائحة «كورونا» تسببت في بطالة ملايين العمال والموظفين، يضاف إليهم الملايين من المهاجرين والنازحين، من جرّاء الحروب والكوارث الطبيعية.

 

وحدة الدراسات الاقتصادية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية