فاينانشيال تايمز: دورة سوق النفط سوف تستمر خمس سنوات على الأقل

فاينانشيال تايمز: دورة سوق النفط سوف تستمر خمس سنوات على الأقل

بات من الواضح الآن أن النفط  سلعة دورية تعيش فترة من الإفراط في العرض. ووفقًا لتعليقات صدرت مؤخرًا عن وكالة الطاقة الدولية، كان فائض الإنتاج بالنسبة للاستهلاك يقدر بـ 3 ملايين برميل يوميًا في الربع الثاني من هذا العام، وهذا هو سبب تراجع الأسعار. والسؤال بالنسبة للمنتجين، والمستهلكين، والمستثمرين، الآن هو: كم من الوقت سوف يمر قبل أن تنتهي دورة السوق هذه؟

ويتمثل التحذير الأولي، بطبيعة الحال، في أن المسار “الطبيعي” لسوق النفط من الممكن أن ينقلب في أي وقت؛ بفعل القرارات السياسية. ويستطيع السعوديون، بدلاً من محاولة تعظيم حصتهم في السوق، وفرض خسائر كبيرة على الآخرين، أن يقرروا أن الاستقرار في المنطقة، ومملكتهم، من الممكن أن يتحقق بشكل أفضل من خلال خفض الإنتاج، وخلق توازن جديد. وكما كتبت قبل بضعة أسابيع، هناك فرصة لتحقق ذلك، ويتعرض السعوديون لضغط كبير من أعضاء أوبك الآخرين. ولكن في الوقت نفسه، هناك نوع من الغطرسة الجامدة في الرياض، وهو ما يوحي بأن قرار التنازل لن يأتي بسهولة. ويفترض ما يلي أن الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، وابنه الأمير محمد بن سلمان، سوف يتمسكان يسياستهما الحالية.

ما الذي يحرك الدورة إذن؟

على جانب العرض، هناك احتمال زيادة الإنتاج خلال العامين المقبلين على الأقل. سوف تزيد إيران إنتاجها، وصادراتها ببطء على مدى الأشهر الـ 12 المقبلة؛ كما هو موضح في ورقة إعلامية ممتازة من CSIS، وهي مؤسسة فكرية أمريكية. وسوف يضيف هذا 400 إلى 600 ألف برميل يوميًا إلى العرض. وأيضًا، ستأتي الموارد من المشاريع الجديدة، ومن تطوير، وتجديد بعض الحقول المنتجة الحالية. وقد تكون BP، وبعض الشركات الأمريكية، خجولة من الذهاب إلى إيران في الوقت الحالي، ولكن شركات كثيرة أخرى لن تكون كذلك. ومع تخفيف العقوبات، سيكون لدى إيران مصلحة عقلانية تمامًا في زيادة الإنتاج والصادرات. وتشير أكثر التقديرات حذرًا إلى أنها قد تضيف مليون برميل يوميًا قبل نهاية عام 2017.

ومن جهة أخرى، دعونا نفترض أن ليبيا ستبقى في حالة من الفوضى، وأن الوضع الأمني في العراق سيستمر في تثبيط قيام استثمارات كبيرة في كردستان.

والسؤال التالي: هو ما إذا كان انخفاض الأسعار بعد أسبوع آخر من التقلبات، حيث تستقر الأسعار دون 50 دولارًا مع اتجاه هابط واضح على مدى ستة أشهر، سيجبر المنتجين في الولايات المتحدة، أو في أي مكان آخر على خفض الإنتاج؟

يعد إنتاج النفط الصخري مرنًا، وتتمثل المسألة فيما إذا كان من الممكن أن تتم تغطية تكاليف التكسير من خلال أسعار تتراوح بين 40 و 45 دولارًا للبرميل. ليس هناك من هو متأكد تمامًا من قدرة التكسير على فعل ذلك. وحتى الآن، كانت استجابة هذه الصناعة لتهاوي السعر من خلال خفض التكاليف مثيرة للإعجاب. ولكن من غير الممكن أن تكون هذه الاستجابة غير محدودة، وسوف يكون من الحكمة أن نفترض أن إمدادات النفط الأمريكية غير التقليدية قد بلغت ذروتها، وسوف تنخفض بنسبة تصل إلى 20 في المائة ربما خلال العامين المقبلين. ومن جهة أخرى، سيتم وقف بعض الإنتاج في بحر الشمال، وغيره من الأماكن؛ حيث تكون التكاليف مرتفعة. ولكن تكاليف التشغيل العامة هي أقل من 40 دولارًا حتى الآن، وهو ما يعني أنه سيتم الحفاظ على الإنتاج لحد كبير.

وأما فيما يتعلق بالطلب، فقد كان تنبؤ وكالة الطاقة الدولية في أحدث مذكرتها أن نمو اقتصادي أسرع سيبدأ بالحد من فائض العرض في النصف الثاني من هذا العام، وخلال 2016.

ولكن الوكالة كتبت توقعاتها تلك قبل أن يصبح التباطؤ الصيني واضحًا، وأصبحت تلك التوقعات بلا معنى الآن. لقد كانت الصين خلال معظم العقد الماضي محرك النمو الاقتصادي ليس فقط بالنسبة لآسيا، بل وأيضًا بالنسبة للدول الكبرى الغربية مثل ألمانيا.

وفي سوق النفط، كان من المتوقع أن تظل الصين المصدر الرئيس لنمو الطلب، مع انخفاض الاستهلاك في الولايات المتحدة وأوروبا واليابان. ولكن الاقتصاد الصيني تباطأ بالفعل، كما كان متوقعًا منذ فترة طويلة من قِبل مراقبين مثل مايكل بيتيس. وسوف يستغرق تأثير الأزمة على الإنفاق والاستثمار وقتاً طويلاً ليظهر بشكل واضح. وبدلاً من زيادة الطلب المتوقعة بحوالي 350 ألف برميل يوميًا هذا العام والعام المقبل كما اقترحت وكالة الطاقة الدولية مؤخرًا، يبدو من الحكمة أن نفترض أن الطلب الصيني على النفط سيبقى عند مستوياته لهذا العام، وسيزيد بشكل طفيف فقط في عامي 2016 و2017.

ويمكنك استخدام الافتراضات الخاصة بك فيما يتعلق بكل من هذه النقاط المذكورة أعلاه، ولكن الاستنتاج الذي لا مفر منه في النهاية يتمثل في أنه، وفي حال عدم حدوث تغيير في القرار السياسي في الرياض، سوف يستمر فائض العرض بالنسبة للطلب خلال العامين المقبلين على الأقل، أو أكثر. وحتى عندما يعود العرض، والطلب إلى التوازن مرة أخرى في السوق، سنكون مضطرين للتعامل مع حجم الأسهم التي كان قد جرى بناؤها.

ولذلك، سوف تتراجع دورة السوق هذه فقط عندما يبدأ تأثير تأجيل المشاريع الجديدة بالظهور على إجمالي المعروض. وقد تم تأجيل العديد من المشاريع الجديدة بالفعل حتى الآن، وسوف تعاني مشاريع كثيرة غيرها من المصير نفسه خلال الأشهر القليلة المقبلة. ولكن رغم ذلك، سيكون ظهور تأثير هذا التأجيل تدريجيًا. وبعبارة أخرى، سيكون علينا أن ننتظر حوالي خمس سنوات قبل أن نرى تأثير إلغاء هذه المشاريع على ميزان العرض والطلب الفعلي.

إذن، وعلى الرغم من أنه أمر مستحيل أن نكون دقيقين في هذا الشأن، من الممكن القول بناءً على هذه العوامل إن هذه الدورة سوف تستغرق خمس سنوات على الأقل، أو فترة أطول حتى، قبل أن تبدأ بالتراجع. وبالتالي، يبدو أن انخفاض الأسعار سوف يستمر.

التقرير