سجل 18 أكتوبر (تشرين الأول) انتهاء حظر الأسلحة، الذي فرضته الأمم المتحدة على إيران منذ عقد من الزمن، وفقاً لأحكام قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2231، الذي أقر الاتفاق النووي الموقع في 2015 بين قوى دولية ست، قبل أن تنسحب الولايات المتحدة منه في مايو (أيار) 2018.
يأتي رفع الحظر عن بيع الأسلحة لإيران في ظل فشل جهود استمرت أكثر من عام من قبل إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، للتغلب على المعارضة داخل مجلس الأمن الدولي لتمديده، بما في ذلك معارضة حلفائها الأوروبيين. وفي فبراير (شباط) الماضي، عممت الولايات المتحدة عناصر مشروع قرار لمجلس الأمن، يمدد حظر الأسلحة على بريطانيا وفرنسا وألمانيا، على أمل حشد الدعم للمبادرة. غير أنه بحسب ما نُشر في الصحافة الأميركية، آنذاك، فإن واشنطن تلقت رداً بارداً من الأوروبيين، الذين جادلوا بأن القرار من المؤكد أنه سيرفض من قبل الصين وروسيا، التي تخطط لبيع الأسلحة لإيران بمجرد انتهاء الحظر.
سعت واشنطن إلى عرقلة بيع الأسلحة لإيران من خلال آلية “سناب باك” التي تعيد تطبيق جميع عقوبات الأمم المتحدة على إيران، من خلال بند في الاتفاق النووي، وهو ما لم تنْسَق له الدول الأخرى. وعلى الرغم من أن الأوروبيين يشاركون واشنطن مخاوفها بشأن برامج الصواريخ الباليستية الإيرانية ودعمها للوكلاء في المنطقة، بما في ذلك “حزب الله” في لبنان وميليشيات أخرى منتشرة في جميع أنحاء الشرق الأوسط، لكنهم ينتقدون واشنطن لتقويضها الاتفاق النووي الذي حظي بدعم دولي واسع، وكان يعتقد بأنه نجح في تقييد برنامج طهران النووي.
واحتفى وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، على “تويتر”، برفع الحظر قائلاً إن “تطبيع التعاون الدفاعي الإيراني مع العالم اليوم، هو انتصار لقضية التعددية والسلام والأمن في منطقتنا”. وفي بيان للوزارة، قال إن طهران باتت قادرة اعتباراً من اليوم على شراء “أي أسلحة ضرورية أو تجهيزات من أي مصدر كان من دون أي قيود قانونية، وبالاستناد حصراً إلى حاجاتها الدفاعية، ويمكنها أيضاً أن تصدر أي أسلحة دفاعية بناء على سياساتها الخاصة”.
عقبات في الطريق
بحسب وكالة “أسوشيتد برس” الأميركية، توقعت وكالة الاستخبارات الدفاعية الأميركية عام 2019 أنه إذا انتهى الحظر، فمن المحتمل أن تحاول إيران شراء طائرات مقاتلة روسية من طراز Su-30، وطائرة تدريب Yak-130، ودبابات T-90. كما قد تحاول أيضاً شراء نظام الصواريخ المضادة للطائرات من طراز إس -400 الروسي، ونظام باستيان الصاروخي للدفاع الساحلي. وكذلك يمكن للصين بيع أسلحة لإيران.
وبينما تصر طهران على أنها لا تخطط لـ فورة شراء”، يمكنها نظرياً شراء أسلحة لتحديث التسلح العسكري، الذي يعود إلى ما قبل الثورة عام 1979، وبيع معداتها المنتجة محلياً في الخارج. لكن على الرغم من ذلك يشير مراقبون إلى أن هناك عقبات في طريق طهران للحصول على ما تريده أو تحتاجه لتحديث ترسانتها من السلاح، بعد عشر سنوات من الحظر الذي منعها من شراء أسلحة أجنبية مثل الدبابات والطائرات المقاتلة.
من الناحية العملية، لا يزال الاقتصاد الإيراني مشلولاً بسبب العقوبات الأميركية واسعة النطاق. وتزيد العقوبات الأميركية الأخيرة، التي أعلنتها واشنطن في وقت سابق من الشهر الحالي الأمر سوءاً. إذ إنه من خلال إدراج الولايات المتحدة 18 مصرفاً إيرانياً في القائمة السوداء، في إطار حملة الضغط القصوى، فإنها تدفع بإخراج البلاد فعلياً من النظام المالي الدولي.
حظر الدولار
قال بهنام بن طاليبو، من منظمة الدفاع عن الديمقراطيات، في مركز أبحاث واشنطن، إن الأخيرة لا تتعامل مع حظر الأسلحة على أنه منتهي الصلاحية، حيث أصدرت في سبتمبر (أيلول) أمراً تنفيذياً واسع النطاق، بإعادة هذه العقوبات من جانب واحد على إيران والتهديد بفرض عقوبات ثانوية على الدول والكيانات والأشخاص الذين قد يبيعون الأسلحة أو ينقلونها إليها.
ومجدداً، أعلنت واشنطن عقوبات في الثامن من الشهر الحالي، تحظر على إيران الوصول إلى الدولار الأميركي، العملة القياسية المستخدمة في معظم المعاملات الدولية ومن بينها مشتريات السلاح.
ووفقاً لبيان صادر عن وزارة الخزانة الأميركية، فإن البنوك المعنية تخضع لعقوبات بموجب أمر E.O. 16902، الذي يسمح لحكومة الولايات المتحدة “بتحديد وفرض عقوبات على القطاعات الرئيسة للاقتصاد الإيراني، من أجل حرمان الحكومة من الموارد المالية التي يمكن استخدامها لتمويل ودعم برنامجها النووي، وتطوير الصواريخ والإرهاب والشبكات الإرهابية بالوكالة، والنفوذ الإقليمي الخبيث”.
ويوضح بن طاليبو أن نقص السيولة النقدية لدى طهران، يعني أن على واشنطن أن تستهدف تلك المناطق، حيث مشتريات إيران من التكنولوجيا العسكرية والأجزاء المكونة لها لدعم برنامج التسلّح المحلي.
ودعا القادة الإيرانيون مراراً المجتمع الدولي، إلى الدفع ضد العقوبات الأميركية، كما تأمل طهران في الصمود حتى الانتخابات الرئاسية الأميركية المقررة في الثالث من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، حيث ربما يطيح نائب الرئيس السابق والمرشح الديمقراطي جو بايدن بترمب. وكان بايدن قال إنه يأمل في إعادة الانضمام إلى خطة العمل المشتركة الشاملة (الاتفاق النووي)، وقد يعرض تخفيف العقوبات كإجراء حسن نية.
لكن الخبراء حذروا من أنه حتى لو خسر ترمب، فسيظل أمامه شهرين في منصبه لتصعيد إستراتيجيته تجاه إيران، بما يمكن أن يشمل ذلك العمل العسكري (سواء كان تقليدياً أو سرياً) أو مزيد من العقوبات.
كما أنه على الرغم من أن الديمقراطيين ينتقدون ترمب بسبب قرار الانسحاب من الاتفاق النووي، فإن أغلبية من الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الكونغرس، بما في ذلك بعض من أشد منتقدي ترمب في اليسار، أيدوا تمديد حظر الأسلحة على إيران. ووقّع مئات من أعضاء مجلس النواب من كلا الجانبين على رسالة إلى وزير الخارجية مايك بومبيو، في أبريل (نيسان) الماضي، يحثون فيها على تمديد الحظر. وتنص الرسالة “نحن قلقون من أن انتهاء الحظر سيؤدي إلى قيام مزيد من الدول بشراء وبيع الأسلحة من وإلى إيران. يمكن أن يكون لهذا عواقب وخيمة على الأمن القومي للولايات المتحدة وحلفائنا الإقليميين”.
دول الخليج وإسرائيل
ويجادل آخرون بأن بعض الدول الكبرى قد تتجنب صفقات الأسلحة مع طهران، خوفاً من الانتقام المالي الأميركي، أو إغضاب حلفاء آخرين في المنطقة، مثل دول الخليج وإسرائيل. فالحظر الذي فرضته الأمم المتحدة على الأسلحة، لم يمنع إيران من إرسال أسلحة تتراوح بين البنادق الهجومية إلى الصواريخ الباليستية إلى الحوثيين في اليمن.
وفي حين تنفي طهران تسليح الحوثيين، ربطت الحكومات الغربية وخبراء الأسلحة مراراً الأسلحة الإيرانية بهم. وأقرت الأمم المتحدة بأن إيران ربما تقف وراء هجوم في سبتمبر 2019، على مصفاة النفط الخام الرئيسة في السعودية، على الرغم من أن طهران تنفي أي صلات لها وإعلان الحوثيين مسؤوليتهم عنه.
ويقول بن طاليبو، إن روسيا تمكنت بمهارة من تحقيق التوازن بين العلاقات الدافئة مع إيران وإسرائيل بعد الحرب الباردة. كما من المتوقع الاعتماد على العلاقات الدفاعية والسياسية مع دول الخليج. ويضيف أن روسيا والصين تأملان أن تحلا محل القوة العسكرية والسياسية والاقتصادية الأميركية في منطقة الشرق الأوسط، ومن ثم ستكون مبيعات الأسلحة خطوة مهمة لهؤلاء الخصوم.
وترى نيكول غرايفسكي، من برنامج الأمن الدولي التابع لمركز بلفر في جامعة هارفارد الأميركية، أن انتهاء حظر الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة على إيران لن يُتوّج بمبيعات أسلحة كبيرة بين موسكو وطهران. وبدلاً من ذلك، ستقتصر على الأسلحة الدفاعية مثل “إس-300” أو تراخيص التصنيع ونقل التكنولوجيا لصناعة الدفاع المحلية في طهران، لأنه بجانب افتقار إيران إلى الموارد اللازمة لدفع ثمن الأسلحة المتطورة، بما في ذلك تكاليف الصيانة وقطع الغيار، ترى الباحثة المتخصصة في العلاقات الروسية الإيرانية، أن موسكو ستظل حذرة بشأن الأسلحة التي توافق على بيعها، خوفاً من استعداء إسرائيل أو دول الخليج.
ويرتبط تحفظ موسكو على إمداد طهران بأسلحة عالية التقنية أو هجومية، ارتباطاً وثيقاً بالتحفظات الروسية بشأن إحداث تغيير جذري في التوازن العسكري في المنطقة وتفاقم التوترات في الخليج العربي، وخشيتها من أن تثير استعداء جيران طهران. وقال صامويل راماني، الباحث في السياسة الخارجية الروسية في جامعة أكسفورد، إن التعاون الأمني الروسي مع الإمارات، الذي يتضمن مشاريع تطوير مقاتلة مشتركة محتملة، يوفر مزيداً من ضبط النفس على تعاون موسكو الأمني مع إيران.
تحديث انتقائي
مع ذلك، يرى بن طاليبو أنه إذا أرادت الصين أو روسيا اختبار الإصرار الأميركي على فرض العقوبات، فقد يميلون إلى بيع أنظمة مختارة لإيران، وربما حتى بالائتمان. إذ يُتوقع أن نشهد محادثات استكشافية، وربما حتى مذكرات تفاهم. لكن من المرجح أن تنخرط إيران في حملة تحديث انتقائية أكثر من أي شيء آخر، تماماً كما فعلت بعد الحرب الإيرانية العراقية.
ويعتقد كيريل سيمينوف، الخبير غير المقيم في مجلس الشؤون الدولية الروسي، أن موسكو ستمارس ضبط النفس في صادرات الأسلحة إلى طهران. ويتوقع أن علاقات روسيا مع الخليج وإسرائيل تعني أنها “ستمتنع عن تزويد إيران بأسلحة هجومية مثل طائرات Su-30، وأحدث الأسلحة مثل إس-400”. وفي الوقت نفسه، لا تريد روسيا تقويض علاقتها مع إيران، لذا ستقتصر مبيعات الأسلحة على الأسلحة الدفاعية مثل “إس 300” أو أنظمة الدفاع الجوي TOR-M1، التي اشترتها إيران سابقاً من روسيا.
ولا يقتصر الأمر فقط على روسيا، بل الصين أيضاً التي ترتبط مع دول الخليج بصفقات دفاع أعلى كثيراً من الإنفاق المقابل لإيران. وقال أوليفر ماير، الباحث البارز في مكتب برلين لمعهد أبحاث السلام وسياسة الأمن، “من المفارقات أن انتهاء صلاحية قيود نقل الأسلحة، من المرجح أن يكون له تأثير محدود على عمليات الشراء الفعلية للأسلحة التقليدية”.
إنجي مجدي
اندبندت عربي