اليمين المتطرف المسلح: تهديد إرهابي يتربص بالانتخابات الأميركية

اليمين المتطرف المسلح: تهديد إرهابي يتربص بالانتخابات الأميركية

تشكل المجموعات المسلحة ذات الأيديولوجيا اليمينية والدوافع المتعددة جزءاً من المشهد الأميركي منذ وقت طويل، إلا أن تحركها بشكل لافت مع استعداد البلاد للانتخابات الرئاسية في الثالث من نوفمبر المقبل أعاد الحديث عن سلوكياتها وتموقعها إلى الواجهة بعد أن اتهم المرشح الديمقراطي جو بايدن خصمه الجمهوري دونالد ترامب بدعم هذه المجموعات الخطرة. ورغم أن ترامب تنصل مرارا من انتقاد هذه المجموعات وهو ما يحسب عليه حسب خصومه السياسيين، فإن ملف مكافحة هذه الجماعات يبقى متصلا أيضًا بصعوبة قيام السلطات الأميركية بمحاكمة المتطرفين اليمينيين بسبب المبدأ الدستوري لحرية التعبير الذي يحمي حتّى أكثر الآراء تطرفا.

واشنطن- سمحت خطابات الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب التي تستند إلى رؤية معادية للمهاجرين والأقليات بتصاعد معدلات جرائم الكراهية ضد المهاجرين والأقليات لدرجة جعلت ريتشارد سبنسر أحد قادة حركة “القوميين البيض” بأن يصف ترامب باعتباره صوت اليمين. وهو ما يعتبره خصومه تهديدا للتنوع الثقافي والعرقي الذي عملت الولايات المتحدة على تحقيقه منذ الستينات.

وقال المرشح الديمقراطي جو بايدن إن “رفض” ترامب إدانة المدافعين عن تفوق البيض “مفاجئ”، وذلك في خطاب هاجم فيه الرئيس الأميركي في ولاية ميشيغان قبل أسبوعين من الانتخابات. وأضاف بايدن “لا مكان للكراهية في أميركا” واعدا مرة جديدة بتوحيد الأميركيين إذا تم انتخابه.

ورغم أن تصريحات بايدن يمكن تضمينها في خانة كسب نقاط انتخابية باعتبارها تخاطب جمهورا متخوفا من تفاقم مشاعر الكراهية في البلاد، إلا أن ترامب أثار الجدل في السابق لتجنبه إدانة العنصريين البيض خلال المناظرة الأولى ضد بايدن في 29 سبتمبر حيث دعا جماعة “براود بويز” القومية إلى “أن تكون مستعدة”، ليجيبه جو بيغز أحد قياديي المجموعة التي غالباً ما تدخل في مناوشات مع نشطاء اليسار، “نحن مستعدون”.

ومع وصول ترامب إلى السلطة، كثفت المجموعات اليمينية المتطرفة على تنوعها وكثرتها من تحركاتها وظهرت بمشاركة مناصريها في تجمع لليمين المتطرف في شارلوتسفيل في فرجينيا عام 2017، ثم بمشاركتهم أيضاً في التظاهرات المناهضة للقيود الهادفة لاحتواء فايروس كورونا خلال الربيع وأيضاً خلال التظاهرات ضد وحشية الشرطة في الصيف.

وأكثرها شهرة هي مجموعة “ثري بيرسنترز” و”أوث كيبرز” و”براود بويز” وكذلك “بوغالوس بوا” و”باتريوت براير”. وتشترك تلك المجموعات بدفاعها عن حق امتلاك السلاح والعداء للحكومة والسلطة والأفكار اليسارية.

وبعضها مؤيد للأفكار الداعية بتفوق العرق الأبيض ولديها ارتباطات بحركات للنازيين الجدد، وتعتبر أن قوات الأمن عملاء حكومة استبدادية، فيما تحضّر أخرى لثورة وطنية أو حرب عرقية. وفي بعض الأحيان، يعتنق أصحابها أفكار حركة اليمين المتطرف “كاي أنون” المؤمنة بنظرية المؤامرة، والتي تعتبر أن ترامب يخوض حرباً سرية ضد جماعة ليبرالية عالمية مؤلفة من متحرشين بأطفال وعبدة شياطين. وبحسب خبراء، تضم هذه المجموعات الآلاف من المؤيدين في البلاد، وهي تتواصل برسائل مشفرة على مواقع التواصل الاجتماعي.

ألقى توقيف 13 رجلاً كانوا يخططون لخطف حاكمة ميشيغان وبدء “حرب أهلية”، قبل أسابيع من الانتخابات الرئاسية الأميركية، الضوء على وجود جيوب مسلحة لليمين المتطرف، تشكل بحسب الشرطة الفيدرالية، التهديد الإرهابي الأول في عهد ترامب.

ويعتنق غالبية الرجال الـ13 الذين أوقفوا في ميشيغان أيديولوجيا مجموعة “بوغالو” وغالبتيهم كانوا أعضاء في مجموعة محلية مسماة “وولفرين واتشمِن”. وتهدف مجموعة “بوغالو” التي تضم نازيين جدداً وفوضويين من اليمين المتطرف، إلى إسقاط الحكومة بحرب أهلية. ويعرف مؤيدوها بارتداء قمصان هاواي الزاهية فوق الأزياء العسكرية.

وشارك العديد من أعضاء “وولفرين” بالتظاهرات المناهضة للقيود في ميشيغان التي فرضتها الحاكمة غريتشين ويتمر، معتبرين أنها انتهاك لحقوق الإنسان. وهم غالباً ما يحملون السلاح “استعداداً لما يسمونه بوغالو في إشارة إلى تمرد عنيف ضد الحكومة أو حرب أهلية بدوافع سياسية”. ويعتبر مكتب التحقيقات الفيدرالي أن ناشطي اليمين المتطرف، المعزولين أو المنضوين في جيوب، هم منذ عام 2019 التهديد الإرهابي المحلي الأكبر في الولايات المتحدة. ويتهمونهم بالمسؤولية عن وفاة العشرات خلال السنوات الثلاث الماضية، بالمقارنة مع عدد أقل من ضحايا العنف الإسلامي.

وأكد مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي كريستوفر راي أن المؤمنين بتفوق العرق الأبيض يشكلون التهديد المتطرف الأساسي، لكن معظم عمليات العنف القاتلة نفذت من جانب ناشطين مناهضين للسلطة ومناهضين للحكومة، مثل اغتيال أحد مؤيدي بوغالو شرطيَين في كاليفورنيا في مايو. وتشكل هذه الجيوب تهديداً محتملاً لانتخابات 3 نوفمبر الرئاسية، فيما دعا ترامب، الذي أعرب مراراً عن مخاوفه من حصول عمليات تزوير هائلة يديرها الديمقراطيون، مؤيديه إلى التوجه لمراكز الاقتراع من أجل “حماية” بطاقات الاقتراع.

التطرف

وبدا أنّ الجماعة اليمينية شبه العسكرية أعجبت كثيراً بما قاله ترامب إذ سارعت إلى تحويل جملته هذه شعاراً اعتمدته على حساباتها في مواقع التواصل الاجتماعي. وفي الولايات التي تسمح بحمل السلاح في الأماكن العامة، يصعب منع الناشطين المسلحين من التجمع أمام مراكز الاقتراع، طالما لا يشكلون تهديداً مباشراً. لكن هؤلاء يمكن أن يستخدموا كأداة تخويف، حيث أكد راي مؤخراً أن مكتب التحقيقات الفيدرالي يخشى حصول مواجهات عنيفة بين ميليشيات اليمين المتطرف والنشطاء “المناهضين للفاشية” تزامنا مع الانتخابات.

ويأمل أعضاء حركة بوغالو، التي تضم نازيين جددا وفوضويين من اليمين المتطرف، في اندلاع حرب أهلية لإطاحة الحكومة. وأعضاء هذه الحركة غير منظّمين، ويمكن التعرّف إليهم من خلال أسلحتهم الناريّة ومَيلهم إلى ارتداء سترات ملوّنة. وقد برز هؤلاء في أعقاب وفاة جورج فلويد الأميركي من أصل أفريقي الذي مات اختناقا تحت ركبة شرطي أبيض في 25 مايو في مينيابوليس، عندما اندسّوا في مواكب المتظاهرين المناهضين للعنصرية، لمهاجمة الشرطة.

وينشط في الولايات المتحدة عدد من الحركات اليمينية، بينها حركــة التفــوق العرقي الأبيض أو السيادة البيضاء والقوميين من الجنس الأبيض، حيث يقع تحت مظلة القوميين الجدد 100 مجموعة وعدد من الأحزاب الصغيرة، مثل حزب الحرية الأميركي الذي تأسس عام 2010، ويترأســه ويليام دانيال جونسون، ونجح في حيازة عدد من المقاعد في انتخابات مجلس النواب والشيوخ.

كما تتضمن الحركات اليمينية، حركة النازية الجديدة أو النازيون الجدد، وتعود جــذور هذه الحركة إلى الحزب القومي الاشــتراكي، وهذا الحزب الذي أسســه هتلر عام 1933، تتمثل أفكاره في تفوق الجنس الأبيض، وضرورة التخلص من شرائح اجتماعية معينة كاليهود والمعاقين، وتقــوم حركة النازية الجديدة باســتعادة هذا الميراث الفكري.

منصات التواصل الاجتماعي
بايدن

يمكن القول إنّ الفكرة الرئيسة التي يعتنقها المتطرف اليميني هي أنّ “الدولة القومية، وهي تحكم نفسها، يجب عليها التخلص من العناصر الأجنبية التي تضعفها من الداخل، حتى تستطيع أن توفر العدل لمواطنيها الطبيعيين البيض وأنّ الصراع في داخل الدولة والمجتمع يتكوّن من: عدوّ خارجي، وهو على الغالب يتكون من اللاجئين والمهاجرين، والآخر المختلف مهما كان، وعدو داخلي، وهو الأخطر، ويتكون من الدولة الفيدرالية والحكومة ومؤسساتها المختلفة”.

وازدادت الهجمات الإرهابية من قبل اليمينيين المتطرفين في الولايات المتحدة بين عامي 2007 و2011 ، كان عدد هذه الهجمات خمسة أو أقل في السنة. ثم ارتفع إلى 14 عام 2012 واستمر على نفس المستوى بين عامي 2012 و2016 ، بمتوسط 11 و13 هجومًا ثم قفز إلى 31 في 2017.

وفي دراسة قام بها المركز الاستراتيجي والدراسات الدولية “سي.أس.آي.أس” الأميركي، تطرقت الدراسة إلى أن الهجمات الإرهابية المرتبطة باليمين المتطرف تصاعدت في الفترة بين 2016 و2017 في الولايات المتحدة. كما أشار التقرير إلى أن الهجمات المرتبطة باليمين المتطرف تفوق تلك المرتكبة من التنظيمات الإسلامية المتطرفة، وذلك منذ عام 2014.

وفي دراسة مسحية مقارنة أجراها مركز قانون الحاجة الجنوبي بالولايات المتحدة Southern Poverty Law Center، وجد أن عدد جماعات الكراهية المختلفة في الولايات المتحدة ازدادت من حوالي 599 جماعة في عام 2000، إلى حوالي 940 جماعة في عام 2019. وتلعب منصات التواصل الاجتماعي دورا متزايد الأهمية في عمليات التطرف اليميني في الولايات المتحدة، ففي عام 2016 وحده، لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دورًا في عمليات التطرف لما يقرب من 90 في المئة من المتطرفين.

وربطت ما لا تقل عن 50 عملية قتل في عام 2018، بالمتطرفين اليمينيين، ما يجعل هذه السنة واحدة من أسوأ السنوات في ما يتعلق بعنف اليمين المتطرف منذ عام 1995، وفقًا للباحثين في رابطة مكافحة التشهير، وهي منظمة تراقب جرائم الكراهية. ونُفذ ما يقرب من ثلاثة أرباع عمليات القتل على أيدي المتطرفين المنتمين لجماعات “تفوق البيض” بحسب باحثي الرابطة. ويقول محللون إن هؤلاء القتلة تجمعهم أيديولوجية واحدة، قائمة على العنف والتعصب والكراهية. ويتم تغذيتهم من قبل أشخاص يقابلونهم في مجتمعات افتراضية على الإنترنت، وهي مواقع يتمكنوا من خلالها من مناقشة التعصب القومي الأبيض وغيرها من أشكال العنصرية.

ويقول روسيل ترافرز، القائم بأعمال المركز القومي لمكافحة الإرهاب، إن الصناعات قطعت خطوات هائلة في جعل الفضاء الإلكتروني المعلوماتي أقل ترحيباً بالإرهابيين، وخاصة من خلال “منتدى الإنترنت العالمي لمكافحة الإرهاب”، وهو اتحاد يضم كبرى شركات الإعلام الاجتماعي. وقد أفادت خدمات الشبكات الاجتماعية فيسبوك وتويتر ويوتيوب أنها تكتشف تلقائياً أكثر من 90 في المئة من محتوى الإرهاب قبل نشره.

وأشار ترافرز إلى أن زيادة الشفافية في جهود إزالة المحتوى قد تحقق مكاسب أكبر على صعيد مكافحة الإرهاب. لكن التقارير الصادرة عن شركات مواقع التواصل الاجتماعي تفتقر حالياً إلى التفاصيل حول نوع المحتوى الذي تمت إزالته وأساليب إزالته.

وأكد أن من شأن تزويد الحكومة بمحتوى المنشورات، وتحديد مواقعها الجغرافية، والإسنادات التي تعتمد عليها المرتبطة بالإرهاب أن يكون مفيداً من حيث التقييم الفعال لاتجاهات الدعاية والجماعات الجديدة/الناشئة، والداعين الرئيسيين للتطرف، ومصداقية المؤامرات المحتملة، مبينا أنه يمكن بعد ذلك إعادة نقل المعلومات المعمقة إلى الشركات من أجل تحسين حلولها الحسابية.

وكثيرا ما تتهم المنظمات غير الحكومية والسياسيون اليساريون منصات التواصل الاجتماعي بالتراخي في التعامل مع الحركات التي تحرّض على الكراهية، ما دفع عمالقة هذه المواقع إلى اتخاذ إجراءات تضمن عدم استخدام منصاتها كوسيلة للترويج إلى العنف، غير أن هاته الخطوات تظل غير كافية ما لم يتم دعمها بمقاربة لوجستية وأمنية شاملة.

العرب