ليس في تاريخ أميركا معركة انتخابات رئاسية كالمعركة الحالية بين رئيس يريد ولاية ثانية، ونائب رئيس سابق يرى أمامه فرصة أخيرة ليصبح رئيساً. والسبب ليس انحدار المستوى في التخاطب، بل الخطر على الديمقراطية الأميركية والخوف من حرب أهلية بعد قرن ونصف القرن على الحرب الأهلية التي أنهت الانفصال بين الشمال والجنوب بقيادة أبراهام لينكولن. فكل رئيس لا يفوز بولاية ثانية يشعر بالإهانة.
وكل رئيس يفوز بولاية ثانية ثم لا يكملها يجد نفسه في ورطة، وهناك 14 فحسب من 44 رئيساً، أكملوا الولاية الثانية، حسب جنيفر بوبلان الأستاذة في كلية برنارد، وليس كثيراً عدد نواب الرئيس الذين ترشحوا وفازوا بالرئاسة.
دونالد ترمب الذي جاء من خارج “الاستبلشمنت” يخوض المعركة بأسلوب غير تقليدي، ويصر على أنه لن يخسر إلا إذا جرى تزوير الانتخابات، ويرفض سلفاً التسليم بالنتائج.
وجو بايدن ابن “الاستبلشمنت” في الكونغرس ونيابة الرئاسة يلعب بالأسلوب التقليدي، ويعلن قبول النتائج. حملة ترمب تصف بايدن الكاثوليكي بأنه “شيوعي يؤذي الله والكتاب المقدس”. وحملة بايدن الذي يصف نفسه بأنه “وسطي”، ويصفه مستشاره بأنه “تطوري ثوري في تحقيق رؤيته”، ترى أن ترمب “خطر وجودي على أميركا”.
وليس من المألوف أن يعلن رئيس قبول الترشح من البيت الأبيض، ثم يخلط بين واجبات الرئاسة واستحقاقات الحملة الانتخابية. ولا أن يعترف بأنه أراد اغتيال الرئيس بشار الأسد، لكن وزير دفاعه السابق الجنرال جيم ماتيس رفض، فصار في نظره “جنرالاً سيئاً”، وهو من أهم جنرالات المارينز. ولا أن يعلن وزير للخارجية، كما يفعل مايك بومبيو، تأييده للرئيس في الانتخابات، لأن من “التقاليد أن يكون وزراء الخارجية خارج الانتخابات”، كما يقول الدبلوماسيان السابقان نيكولاس بيرنز، وويليام بيرنز. ولا بالطبع أن تبدو المناظرة بين المرشحين كأنها مصارعة ثيران، لكن ذلك وسواه ظواهر تمر، أما الخوف الأكبر، فإنه من مجموعة أمور توحي بأن أميركا مقبلة على مأزق لها وللعالم.
نائب الرئيس مايك بنس يقول “السؤال ليس إن كانت أميركا ستصبح ديمقراطية أو جمهورية، بل إن كانت أميركا ستبقى أميركا”.
تجار الأسلحة يعترفون أن موسم البيع مزدهر أكثر من العادة؛ إذ إن “عدد البنادق أكبر من عدد السكان”، حسب “نيويورك تايمز”.
مايكل ستنبرغ يحذر من كارثة على طريقة حريق “الرايخستاغ” الذي قاد هتلر إلى السلطة.
“حركة القوة البيضاء” ضد حركة “حياة السود مهمة” تتحرك بنشاط يقوم به عنصريون متطرفون متعصبون ضد الهجرة والملونين.
ظاهرة “الفوضويين العصاة” تكبر ضمن فلسفة “الفوضى للفوضى”. مسؤولون سابقون وسياسيون ومحامون وصحافيون يتحركون ضمن ما يسمونه “مشروع سلامة الانتقال”، ويقومون بـ”لعبة حرب” لمواجهة احتمالات الفوضى بعد الانتخابات ورفض ترمب تسليم السلطة إذا فاز بايدن. وهم، يتقدمهم المؤرخ نيلز غيلمان، وأستاذة القانون روزا بروكس، يعملون للحشد في الشارع على أساس أنه “العامل الحاكم في قبول النتائج”. وفي أميركا أصلاً 300 مجموعة من الميليشيات التي تضم نحو 20 ألف شخص لمكافحة الهجرة، و”أنتيفا” اليسارية.
إلى أين يقود ذلك؟ وأي خطر على أميركا أكبر من التشكيك بالانتخابات والديمقراطية؛ أي كل ما يميز النظام ويجعله قوياً ومحترماً؟ ترمب يسخر من بايدن الذي يخاف من كورونا ويقوم باستعراض للإيحاء أنه سوبرمان لا يخاف، لكنه عملياً خائف من فقدان الرئاسة، وهو يمارس ما تعلمه من والده، حسب ابنة شقيقه ماري ترمب في كتاب “الكثير جداً، لكنه غير كافٍ”، وهو “أن الحياة مبارزة موت صفرية بين رابحين وخاسرين”، لا بل يؤمن، كما قال لبوب وودوارد، بأن “الخوف أقوى قوةً”. والمفارقة التي سجلها السفير البريطاني السابق لدى أميركا كيم داروخ الذي استقال بسبب تسريب برقياته حول ترمب، هي أن “ترمب وصل إلى أعلى منصب على الأرض ولا يزال لا يشعر بالأمن”.
ولا أحد يجهل ماذا تعني حرب أهلية أو فوضى في أميركا بالنسبة إلى العالم. ولا شيء يوقف دومينو الفوضى في العالم حين يبدأ على أرض القوة العظمى. حتى البلدان التي تتدخل في الانتخابات الأميركية، فإنها ستجد التدخل ينقلب عليها. وفي النهاية، كما يرى مايكل ساندل من هارفارد في كتابه “سخط الديمقراطية”: “ليس المهم لمن يصوت الناخبون، لأن الشركات الضخمة هي التي تحكم”.
رفيق خوري
اندبندت عربي