بدأت الهجمات الأرمينية الأخيرة تتصاعد ضد أذربيجان، في الفترة بين 12 و16 يوليو/تموز الماضي، عندما هاجمت قوات أرمينية أهدافًا أذرية في منطقة توفوز (شمال غرب).
تتمتع تلك المنطقة بموقع إستراتيجي حساس على خريطة أمن الطاقة في المنطقة والعالم، لكن الهجمات هناك تهدف إلى زعزعة أمن الطاقة في كل من أذربيجان وتركيا، وفق مقال للكاتب يونس فرنجي نشرته وكالة الأناضول.
منطقة توفوز
منطقة توفوز الأذرية تشكل ممرا لعدة مشاريع إستراتيجية في مجالي النقل ونقل الطاقة، أبرزها خطا باكو-تبليسي-جيهان، وباكو- تبليسي-أرضروم لنقل النفط والغاز، كذلك مشروع خط أنابيب الغاز الطبيعي العابر للأناضول “تاناب”، إضافة إلى سكة حديد باكو-تبليسي-قارص، فضلًا عن أن استهداف أرمينيا هذه المنطقة يشير إلى رغبة يريفان في توسيع الصراع ونقله إلى خارج قره باغ.
تسهم أذربيجان (البلد المصدر للنفط والغاز من منطقة بحر قزوين إلى الأسواق الدولية) بقدر كبير من أمن الطاقة في تركيا.
كما أن مشاريع الطاقة الدولية -التي لها دور حاسم في تعافي أذربيجان من نفوذ إيران وروسيا في المنطقة- هي في الواقع حيوية للغاية بالنسبة لباكو على الصعيدين الاقتصادي والسياسي.
وبدأت أذربيجان -التي حققت أرقام تصدير كبيرة خاصة عبر خطوط أنابيب الغاز الطبيعي والنفط- إظهار أداء اقتصادي أقوى مقارنة بالدول الأخرى في جنوب القوقاز.
وإدراكا لهذه التطورات، سعت أرمينيا -التي تفيض أزمات اقتصادية- إلى شن هجمات عسكرية تهدف إلى إضعاف نفوذ أذربيجان المتزايد في المنطقة.
هذه التطورات دفعت أذربيجان إلى تطوير إستراتيجيات فعالة لتحرير أراضيها المحتلة، بعد سنوات طويلة من فشل مجموعة مينسك التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا في تحقيق أي نجاح يضمن استرجاع الحقوق الأذرية من خلال المفاوضات، وفق تعبير الكاتب فرنجي الباحث في مكتب الطاقة بمركز “سيتا” التركي للأبحاث والدراسات.
تقع أذربيجان (أحد المنتجين المهمين على مستوى العالم للغاز الطبيعي والنفط) في منطقة جغرافية حساسة من حيث نقل الموارد الطبيعية من منطقة بحر قزوين إلى أسواق الطاقة الدولية.
ومكنت خطوط أنابيب نقل النفط والغاز -التي تأسست بين تركيا وأذربيجان- باكو من الوصول إلى الأسواق الدولية، لتتحول إلى لاعب مؤثر في القوقاز.
وكشفت دراسات التنقيب عن الموارد الهيدروكربونية الجارية منذ عام 1994 عن امتلاك أذربيجان احتياطيا كبيرا من الغاز الطبيعي في حقلي شاه دنيز وأبشيرون في بحر قزوين.
هذه الاكتشافات أدت إلى تحول باكو -التي تمتلك ما يقرب من 1.7 تريليون متر مكعب من الغاز الطبيعي، و7 مليارات برميل من احتياطيات النفط- إلى أحد المنتجين المهمين للموارد الهيدروكربونية.
وتمكنت أذربيجان من تصدير أكثر من 30 مليون طن من النفط، وحوالي 11 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنويا، أي أكثر من 90% من صادرات البلاد، وركزت تلك الصادرات على الوصول إلى أسواق الدول الأوروبية المتعطشة للطاقة.
ومن المتوقع أن تنتج أذربيجان -التي تحقق تقدما كبيرا في إنتاج الغاز الطبيعي- نحو 55 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنويا بحلول 2040، وفقا لتوقعات وكالة الطاقة الدولية.
ومن المتوقع أن تصبح باكو لاعبا أكثر أهمية في الأسواق العالمية من خلال إرسال نفط قزوين والغاز الطبيعي إلى الأسواق العالمية بكميات أكبر، كما يقول الكاتب في مقاله.
تركيا وأذربيجان يشتركان في مشروع عُرف باسم خط أنابيب الغاز العابر للأناضول (تاناب) (غيتي)
تركيا وأذربيجان
بالنظر إلى التعاون في مجال الطاقة بين تركيا وأذربيجان عبر خط أنابيب نقل النفط باكو-تبليسي-جيهان، وخط أنابيب الغاز الطبيعي باكو-تبليسي-أرضروم، تظهر للمراقبين الأهمية الكبيرة التي تكتسبها مشاريع نقل الطاقة من أذربيجان إلى الأسواق العالمية عبر تركيا؛ وهذا دفع البلدين أخيرا إلى بناء مشروع جديد عرف باسم خط أنابيب الغاز العابر للأناضول (تاناب).
وتتوقع مؤسسة البترول التركية أن تبلغ حصتها السنوية 6.5%، بطاقة سنوية لتصدير حوالي 50 مليون طن من النفط الأذري الخام؛ وحققت المؤسسة دخلا كبيرا من خلال نقل ما يقرب من 3.5 مليارات برميل من النفط منذ 2006.
وتلعب أذربيجان دورا رئيسيا في نقل النفط الكازاخستاني إلى ميناء جيهان عبر خطوط الأنابيب هذه، كما تلعب دورا مهما في نقل موارد الطاقة في آسيا الوسطى إلى الأسواق الدولية، كما يقول الكاتب.
ووفقا لاتفاقية أبرمتها أذربيجان وكازاخستان، فمن المخطط تصدير ما يصل إلى 21 مليون طن من النفط الكازاخستاني بعد بناء مرافق البنية التحتية اللازمة لذلك، بهدف نقل 3 ملايين طن من النفط الكازاخستاني سنويا عبر أذربيجان رغم معارضة روسيا وإيران.
من خلال هذه المشاريع تحولت أذربيجان إلى لاعب مهم في جنوب القوقاز، لا سيما مع المساعي الحثيثة لهذه الدولة في تطوير قطاعات اقتصادية وإستراتيجية من خلال عائدات النفط، ولعبها دورًا مهمًا في إنتاج النفط والغاز.
ومن خلال خط أنابيب الغاز الطبيعي باكو-تبليسي-أرضروم، بدأت تركيا تقليل اعتمادها على روسيا وإيران، وقد أسهم هذا المشروع في زيادة أمن الطاقة في تركيا.
وأسهم النفط والغاز الأذري في تقليل فاتورة الطاقة التركية من الغاز الإيراني والروسي إلى حد ما، كما تمكنت تركيا من زيادة حجم الاستهلاك من هذه الموارد الحيوية، اعتبارا من 2020، مع بدء عمل خط أنابيب الغاز العابر للأناضول “تاناب”.وسيكون بمقدور تركيا -التي وصلت نسبة اعتمادها على الغاز الأذري إلى 35%- إنهاء العقد طويل الأجل لاستخدام الغاز الروسي بحلول نهاية 2021. ومن المتوقع تراجع نسبة اعتماد تركيا على موارد الطاقة الروسية والإيرانية، بعد بدء “تاناب” العمل بالسعة الكاملة.
ويستحوذ خط أنابيب نقل الغاز العابر للأناضول (تاناب) على أهمية خاصة في خريطة الطاقة العالمية، مما دفع كثير من المراقبين إلى إطلاق اسم “طريق الحرير للطاقة” على هذا الخط.
وتمكن هذا الخط -الذي من المزمع أن ينقل 16 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي الأذري إلى تركيا والأسواق الدولية في المرحلة الأولى، و24 مليار متر مكعب بحلول 2023، و31 مليار متر مكعب في 2026- من زيادة استهلاك تركيا من الغاز الطبيعي. في حين تبلغ الأرباح التركية من هذا المشروع أكثر من 40 مليار دولار بحلول عام 2045.
وتحول خط “تاناب” -الذي ينطلق من نقطة قرب ولاية أدرنة التركية (شمال غرب) لنقل الغاز إلى خط أنابيب الغاز الطبيعي عبر البحر الأدرياتيكي (تاب) عبر اليونان وإيطاليا- إلى طريق مهم في خريطة إمدادات الغاز الطبيعي في أوروبا.
الجزيرة