طرابلس – أثارت التهدئة الإعلامية تجاه الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، التي أعلن عنها محمد بعيو، رئيس مؤسسة الإعلام التابعة لحكومة الوفاق، ردود فعل عنيفة لدى الإسلاميين والميليشيات المتنافسة في العاصمة الليبية. وانتهت هذه الردود باختطاف بعيو وأبنائه، في مسار متناقض تماما مع الجهود الأممية لفرض مسار التسويات وتقاسم السلطة من خلال لقاءات متعددة وفي أماكن مختلفة.
وتم اختطاف بعيو من قبل ميليشيا “ثوار طرابلس”، وهي إحدى أهم الكتائب المسيطرة على العاصمة ما يعكس توسع دائرة معارضي تعيينه التي اقتصرت سابقا على شخصيات إسلامية أو مقربة من تيار الإسلام السياسي لكون بعيو محسوبا على النظام السابق. كما أن الرجل بدأ مهمته، التي انطلقت في العاشر من سبتمبر الماضي، بخطوات نحو إنهاء سيطرة الإسلاميين على الإعلام الرسمي.
ويأتي قرار التهدئة، الذي أعلن عنه بعيو، ضمن مسار تفاهمات جنيف الهادفة إلى بناء الثقة بين الفرقاء الليبيين من خلال وقف العمليات القتالية والحملات الإعلامية. وتقول مصادر ليبية إن وقف الاستهداف الإعلامي اليومي لحفتر وداعميه يمثل صدمة بالنسبة إلى الميليشيات والإسلاميين الذين يرتبط وجودهم أساسا بالهجوم على قائد الجيش؛ وهو أمر يبرر وجودهم، وانتفاؤه يعني أن دورهم قد انتهى خاصة مع توقف العمليات الميدانية.
واعتبرت الميليشيات أن هدف التهدئة الإعلامية هو إعطاء مشروعية حالية ومستقبلية لحفتر من خلال منع الهجوم الإعلامي عليه. وأجّج وصف بعيو المعارك في ليبيا بأنها حرب أهلية غضبَ الميليشيات عليه، لأنه وصف يلغي شرعيتها “الثورية” ويجعلها في وضع الميليشيات المتناحرة، وقد يعيق إدماجها في قوات الأمن أو الجيش في المستقبل.
ويوحي اعتقال بعيو بالمزيد من التوتر الأمني، وهو الأمر الذي تخطط له الميليشيات لمنع إجراءات التهدئة من أن تجد طريقها إلى التنفيذ، وهي إجراءات تستهدف نفوذ الميليشيات العسكري والمالي والسياسي، وقد تقود إلى تحييدها في مرحلة أولى وملاحقة عناصرها قضائيا في مراحل لاحقة.
وحددت قبيلة أولاد بعيو في مدينة مصراتة ذات الثقل السياسي والعسكري المهم غرب ليبيا، لأيوب أبوراس قائد “ثوار طرابلس” مهلة بساعات قليلة (انتهت مساء أمس) لإطلاق سراح محمد بعيو وأبنائه المختطفين، وهو ما قد يفضي إلى مواجهة بين أبناء القبيلة -التي تمتلك عدة كتائب مقاتلة- من جهة وبين ميليشيات طرابلس من جهة ثانية. كما قد يقود إلى تضارب المصالح بين النافذين في طرابلس وجماعة مصراتة التي تبدو الأقرب إلى الاستفادة من التحولات السياسية الجديدة.
ويعتقد متابعون للشأن الليبي أن اختطاف بعيو لم يكن خطوة غير محسوبة، وأن الميليشيات كانت تبحث عن مدخل لإرباك الوضع وإظهار غضبها من التغييرات الجديدة، ووجدت هذا المدخل في التغييرات الشكلية التي قام بها بعيو مثل إزالة شعار عملية “بركان الغضب” من الفضائيات المملوكة في أغلبها لميليشيات أو الممولة من الخارج.
ولفت هؤلاء المتابعون إلى أن “التضامن” بين الفضائيات -من خلال إعادة شعار عملية بركان الغضب وإطلاق خطاب متجانس في الهجوم على التسويات السياسية- يوحي بوجود عقل خارجي يقوم بعملية التنسيق، في إشارة مباشرة إلى تركيا التي لا تخفي غضبها من الترتيبات التي تتولاها واشنطن بشكل مباشر في شخص مبعوثة الأمم المتحدة إلى ليبيا ستيفاني ويليامز، أو السفير الأميركي في ليبيا ريتشارد نورلاند.
لكنّ خطط الميليشيات وداعميها الخارجيين لا تبدو قادرة على وقف تقدم التفاهمات التي ترعاها واشنطن، حيث أعلنت ستيفاني ويليامز، الأربعاء، عن توصل طرفي النزاع الليبي إلى سلسلة من الاتفاقيات المبدئية في سبيل تسوية الأزمة.
وأكدت أن الاتفاقيات الجديدة التي تم التوصل إليها بين الوفدين العسكريين (من حكومة الوفاق الليبية المتمخضة عن اتفاق الصخيرات والجيش الوطني بقيادة حفتر) في مفاوضات جنيف تشمل إعادة فتح الطرق البرية وخطوط الرحلات الجوية الداخلية وتسهيل التواصل بين المناطق بما يسمح بإيجاد حلول لقضية المعتقلين.
ومن المقرر أن يتم استئناف الملاحة الجوية بين العاصمة طرابلس ومدينة بنغازي شرق البلاد أواخر الأسبوع الجاري.
كما اتفق الطرفان على “مواصلة حالة التهدئة الحالية على جبهات القتال وتجنب أي تصعيد عسكري” واتخاذ خطوات لإعادة هيكلة حرس المنشآت النفطية لضمان استمرار تدفق النفط.
وأعلنت ويليامز أنها “متفائلة جدا” بإمكانية التوصل إلى وقف إطلاق نار دائم في البلاد. ونددت المسؤولة الأممية بالتدخلات الخارجية في النزاع، مطالبة الدول المتدخلة بـ”رفع أيديها” عن ليبيا، في إشارة إلى روسيا وتركيا.
ويتزامن انعقاد مفاوضات جنيف مع إعلان أحمد معيتيق نائب رئيس حكومة الوفاق أن الطرفين المتناحرين في ليبيا سيبدآن قريبا العمل على وضع ميزانية موحدة للدولة في إطار جهود التوصل إلى اتفاق بينهما. وأضاف أنهم يتطلعون إلى توحيد الميزانية كي تتوحد قنوات الإنفاق وتصبح قناة واحدة.
وأبرم معيتيق في سبتمبر اتفاقا مع قائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر لإنهاء الحصار المضروب على إنتاج وتصدير النفط والذي استمر ثمانية أشهر. ويقضي الاتفاق بمراجعة كيفية تقاسم الإيرادات بين الجانبين.
العرب