يستمر انخفاض قيمة الريال الإيراني مقابل الدولار، منذ فرض العقوبات الأميركية على إيران مؤخراً، ما تسبب في تذبذب بسعر صرف الريال الإيراني الذي بات يتغير خلال ساعات بين انخفاض وارتفاع بأرقام كبيرة ومهولة، تؤثر سلباً على تجار العملة في إقليم كردستان العراق، ما دفع العديد من مكاتب الصيرفة وتجار العملة إلى الامتناع عن التعامل بالعملة الإيرانية، بعد تعرضهم لخسائر فادحة.
ويساهم العراق في دعم الريال الإيراني لوقف انهياره، بشكل مباشر من خلال استمرار عقود التزويد بالطاقة التي منحت الولايات المتحدة تمديداً لاستثناء العراق من العقوبات المفروضة على إيران، ومحاولات لرفع الحجز عن أرصدة إيران المجمدة في العراق البالغة حوالي 5 مليارات دولار، بحسب عضو في لجنة التجارة والصناعة في البرلماني الإيراني، إضافة إلى طرق أخرى غير مباشرة تقوم بها أذرع إيران والموالين لها في العراق، بتوجيه الحركة التجارية نحو البضائع الإيرانية من خلال منح تسهيلات للتجار، وإصدار قرارات اقتصادية تساعد على استمرار حركة التداول والتجارة مع إيران، حتى للبضائع المتوفرة محلياً، بحسب خبير اقتصادي.
مغديد مزوري، صاحب محل صيرفة في بورصة أربيل، قال بصوت غاضب دون تردد: «لا أتعامل بالريال الإيراني»، رداً على سؤال لـ«الشرق الأوسط» عن سعر صرف الريال. وبعد الاستفسار عن السبب قال: «لقد خسرت أكثر من 12 ألف دولار في يوم واحد بسبب عدم استقرار سعر الصرف»، مبيناً دون أن يخفي تألمه: «في الصباح اشتريت كمية كبيرة من الريال بطلب من بعض التجار من زبائني، قالوا إنهم سيحتاجونها في تجارتهم، وما إن مرت ساعات معدودة حتى اتصلت بالتجار لأبلغهم أن المبلغ جاهز؛ لكن سعر الصرف انخفض فجأة 9 درجات، واستمر في الانهيار حتى أصبحت خسارتي 12 ألف دولار في يوم واحد».
خسائر التعامل بالعملة الإيرانية لم تقتصر على مغديد وحده، إنما طالت معظم تجارة العملة في بورصة أربيل بنسب مختلفة، ما دفع معظمهم لوقف التعامل بها بشكل كلي مثل مغديد، أو بشكل وقتي مثل سربست أحمد الذي قال إن «استمرار عملية التبادل التجاري مع إيران من خلال بعض التجار يدفعنا إلى عدم القدرة على وقف التعامل بها كلياً، فعدم توفير العملة لهم قد يتسبب في خسارة لزبائننا»، مشيراً إلى أن «كثيراً من التجار وبتشجيع من بعض الشركات الكبيرة يستمرون في عملية الاستيراد من إيران، مقابل تسهيلات وأرباح خيالية بسبب انهيار قيمة الريال، ما جعل البورصة تشهد يومياً تعاملات بقيمة 10 مليارات ريال نقداً، وما بين 50 إلى 100 مليار ريال في التعامل على شكل حوالات».
خالد محمد، تاجر مواد غذائية يستورد معظم بضاعته من إيران، قال إن «انخفاض قيمة الريال الإيراني كان له تأثير إيجابي علينا، فالحمولة التي كنت أستوردها في السابق بعشرين ألف دولار أستوردها الآن بسبعة آلاف دولار، هذا إضافة إلى كثير من التسهيلات التي تقدمها لنا الشركات الرئيسية، منها تخفيض في قيمة الضريبة الجمركية، إضافة إلى نقل البضائع بشكل أشبه بالمجاني حتى الحدود العراقية».
وكان المدير العام لمنظمة التجارة والتنمية الإيرانية حميد زادبوم، قد سبق أن أعلن بشكل صريح عن الاستعداد لمنح التجار ورجال الأعمال العراقيين تسهيلات لجذبهم نحو توسيع تجارتهم مع إيران.
العراق بشكل مباشر أو غير مباشر يساهم في إنقاذ الريال الإيراني والاقتصاد بشكل عام من الانهيار التام، بحسب الخبير الاقتصادي أحمد فرج خوشناو الذي قال لـ«الشرق الأوسط» إن «العراق هو المنفذ الوحيد أمام إيران لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من خسائر، وتجنب انهيار اقتصادي»، مبيناً أن «ذلك يتم بإجراءات رسمية مثل عقود التزويد بالطاقة والوقود التي أبرمتها الحكومات العراقية مع إيران، واستثنائها من العقوبات الأميركية، إضافة إلى المفاوضات التي أجراها محافظ البنك المركزي الإيراني مع السلطات العراقية، لرفع الحجز عن أرصدة إيران البالغة 5 مليارات دولار». خوشناو أضاف أن «هناك طرقاً أخرى غير مباشرة تقوم بها شركات عملاقة تابعة لجهات موالية لإيران تعمل على توجيه حركة الاستيراد لكافة البضائع؛ حتى المتوفرة محلياً، إلى إيران، لتستمر الحركة التجارية والتداول النقدي ودخول العملة الصعبة».
فارس العبيدي، صاحب شركة استيراد وتصدير، قال لـ«الشرق الأوسط» إن «الشركات الموالية لإيران تعمل على قتل التنافس مع البضائع المستوردة من دول أخرى غير إيران، من خلال خفض الأسعار والإعفاءات الجمركية وحتى من خلال عقود التجهيز الحكومية»، مشيراً إلى إن «عديداً من التجار أوقفوا تجارتهم بعد هذه التصرفات، أو بعد تلقيهم تهديدات من مجاميع مسلحة معروفة بولائها لإيران».
وكان أمين عام غرفة التجارة في الأحواز محمد نجفيان، قد أعلن في وقت سابق عن تصدير نحو 17 ألف طن من السلع عبر منفذ الشيب الحدودي خلال أسبوع واحد، ومنها المواد الإنشائية والمحاصيل الزراعية والمواد الغذائية إلى العراق، وما يشكل ضعف الكمية التي سجلت خلال الشهر الماضي. وبيَّن أنه في العام الماضي، سجل هذا المنفذ تصدير ما قيمته 700 مليون دولار من السلع غير النفطية، وغالبيتها من الإسمنت والألبان والأجهزة المنزلية إلى العراق.
الخبير الاقتصادي خوشناو يؤكد أن «استمرار السيطرة التامة على سوق العراق من قبل بعض الشركات العملاقة الموالية لإيران، وبالمقابل سيطرة بعض الفصائل السياسية على القرارات الاقتصادية، سيجعل من العراق درعاً تتصدى لجميع خسائر إيران الاقتصادية، ما سيؤثر سلباً على الاقتصاد العراقي، ويشكل عائقاً أمام إمكانية التنمية الاقتصادية التي يسعى إليها رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي».
الشرق الأوسط