عشية الذكرى الأولى لانتفاضة أكتوبر (تشرين الأول) العراقية، يستعد الناشطون العراقيون لإعادة إحياء حراكهم الاحتجاجي، في محاولة لإرغام حكومة الكاظمي على اتخاذ خطوات تلبي مطالباتهم المستمرة بالقصاص من قتلة المحتجين، وتوفير أجواء آمنة وحسم مسألة السلاح المنفلت قبل الذهاب إلى الانتخابات المبكرة.
ولعل اللافت في خطاب المحتجين هو أن المطالبات بحسم ملف السلاح المنفلت والكشف عن قتلة المحتجين باتت تسبق مطلب الانتخابات المبكرة، إذ يرى المحتجون أن تلك المطالب تمثل مقدمات أساسية لتوفير أجواء آمنة قبيل الاستحقاق الدستوري، مشيرين إلى أن عدم تحقيقها يعني أن الجماعات المسلحة التي تستهدفهم لن تتوانى عن استهداف أي حراك سياسي يزاحم نفوذها، خصوصاً فيما لو كان منبثقاً من حركات الانتفاضة المناوئة للنفوذ الإيراني.
تصفية المنافسين
يرى مراقبون أن كل الاستهدافات السابقة التي تعرضت لها شخصيات بارزة في الاحتجاجات، تهدف إلى تخويف الناشطين واستهداف البارزين منهم خوفاً من أن يكونوا منافسين رئيسين في الانتخابات المقبلة، حيث يؤكد الناشط البارز في محافظة ذي قار، حسين الغرابي، أن ما جرى من اغتيالات وحوادث خطف وتهديدات في أغلب المحافظات العراقية التي تشهد حراكاً شعبياً متزايداً، يأتي في سياق “تصفية الساحة من أي منافسين للأحزاب والفصائل المسلحة في الانتخابات المقبلة”.
ويقول الغرابي، الذي تعرض منزله في مدينة الناصرية قبل فترة لتفجير، إن “الذهاب نحو انتخابات مبكرة غير ممكن ما دمنا غير قادرين على طرح برامج انتخابية بحرية وسط فوضى السلاح واستهداف الميليشيات المتكرر”، مبيناً أن هذا الأمر هو الذي دفع المحتجين إلى “تقديم مطلب محاسبة القتلة وإنهاء ظاهرة السلاح المنفلت على مطلب الانتخابات المبكرة”.
وفي حين يؤكد الغرابي تواصل وزارة الداخلية العراقية مع المحتجين “الأمر الذي يعيد جزءاً من الثقة بالقوات الأمنية”، يعبر عن مخاوفه من احتمالات “قيام رجال أمن تابعين لجهات حزبية أو ميليشيات بضرب المتظاهرين وإعادة سيناريو الطرف الثالث من جديد”.
ويشير إلى أن الحراك الذي من المؤمل أن ينطلق غداً في الذكرى السنوية للانتفاضة “لن يكون مجرد استذكار، بل استمرار حتى تحقيق المطالب”، مردفاً “لجنة الكاظمي الأخيرة والمشكلة قضاة غايتها كسب الوقت، خصوصاً مع عدم تنفيذها أوامر قبض صادرة بحق قادة أمن على رأسهم جميل الشمري”.
تعزيز الأمن قرب المنطقة الخضراء
في غضون ذلك، عززت قوات الأمن العراقية وجودها بالقرب من المنطقة الخضراء التي تضم مقار رئاسية ومعظم المؤسسات الرسمية للدولة، حيث وضعت حواجز خرسانية حول ساحة التحرير من جهة الرصافة، والتي يفصل بينها وبين المنطقة الخضراء جسر الجمهورية، فضلاً عن تعزيزات أمنية في محيط منطقة العلاوي بجانب الكرخ.
وأكدت قيادة عمليات بغداد، السبت 24 أكتوبر، أنها أصدرت أوامر لجميع قياداتها وقطاعاتها من دون استثناء، بمنع حمل أو استخدام الأسلحة بجميع أنواعها في ساحات التظاهرات.
اقرأ المزيد
هل جاء أوان حساب قتلة المتظاهرين في العراق؟
شباب العراق يسعون إلى نقل الاحتجاجات خارج الساحات التقليدية
انتفاضة 17 أكتوبر خرقت المحظورات وأسقطت حكومتين
في المقابل، قال الناطق باسم وزارة الداخلية اللواء خالد المحنا في تصريح لوكالة الأنباء الرسمية، إن “ما يميز هذه التظاهرات هو وجود تفاهمات واتصالات مع قادة الحراك وقادة التظاهرات والناشطين، وإن هناك إجماعاً من كل هؤلاء على أن تكون التظاهرات سلمية وحضارية ومدنية”.
أما قائد الفرقة الخاصة المكلفة حماية المنطقة الخضراء اللواء الركن حامد الزهيري، فكشف عن تجريد قواته من السلاح، بالتزامن مع حلول الذكرى الأولى لانتفاضة أكتوبر.
على جانبي الكرخ والرصافة
وفي السياق، أعلنت اللجنة التنظيمية ليوم 25 نوفمبر (تشرين الثاني)، والتي تضم ناشطين بارزين في المحافظات الجنوبية، عن أن مكان تمركزها سيكون في منطقة العلاوي بجانب الكرخ أمام بوابات المنطقة الخضراء شديدة التحصين، فيما يعلن ناشطون بارزون في بغداد عن أن تجمعهم سيكون في ساحة التحرير على الضفة المقابلة للمنطقة الحكومية.
ويقول ناشطون إن حراك غد ليس مجرد استذكار أو تذكير بالمطالب، بل إعلان استمرار الانتفاضة والإصرار على مطالبها التي رُفعت في أكتوبر 2019.
ويشير الناشط علاء ستار إلى أن “السلطة تماطل طوال عام كامل بتحقيق مطالب انتفاضة تشرين، وهذا يدفعنا لرفع مطالبنا أمام بوابات المنطقة الخضراء على جانبي الكرخ والرصافة”.
ويوضح أن “استمرار القتل والاعتقال والاختطاف والتغييب وقمع الأصوات من قبل قوى داخل السلطة، وعدم محاسبة المتورطين بتلك الأفعال طوال الأشهر الماضية، يجعل مطلب الانتخابات المبكرة بلا معنى من دون توفير مقدماتها الأساسية”.
ويلفت إلى أن “استمرار الوضع الحالي وتحكم السلاح المنفلت والمال الفاسد بالدولة، يعني عدم توفر أجواء نزيهة للانتخابات المقبلة”، مبيناً أن “السلطة ستعيد إنتاج نفسها، إذا لم تحسم تلك الملفات”.
ويختم أن “مماطلة السلطة في إقرار قانون انتخابات عادل، والتسويف في وعودها بخلق أجواء تنافسية ديمقراطية للانتخابات المقبلة، سيدفعان الشارع العراقي لمواجهة حتمية مع النظام، والمطالبة بحل البرلمان وحكومة إنقاذ وطني تعيد ترتيب المناخ السياسي وتكتب دستوراً جديداً وتهيئ الأجواء لانتخابات عادلة”.
استهداف محتمل
في مقابل ذلك، تسود حالة من الترقب والتخوف من احتمالية أن تقوم جماعات مسلحة باستهداف المحتجين على غرار ما حصل في العام الماضي؛ إذ تتهم فصائل مسلحة مُوالية لإيران بالقيام بعمليات قمع وترهيب واسعة طالت المحتجين العراقيين، فضلاً عن اتهامات بأنها قامت بعمليات خطف واسعة لناشطين بارزين في الانتفاضة، خصوصاً بعد أن كانت مناهضة النفوذ الإيراني إحدى أبرز سمات الاحتجاجات الماضية.
ويرى أستاذ الإعلام غالب الدعمي أن “تظاهرات غد ستنقسم لأكثر من حشد؛ إذ أعلنت التنسيقية المركزية أن مكان وجودها سيكون في منطقة العلاوي، في حين يتخذ حشد آخر من ساحة التحرير مكاناً للتظاهر”، مشيراً في حديث لـ”اندبندنت عربية” إلى أن ما دفع المحتجين لاتخاذ منطقة العلاوي القريبة من المنطقة الخضراء مكاناً للاحتجاج، هو “ورود معلومات لهم أن هناك بعض الجهات ربما أدخلت أسلحة لساحة التحرير لضرب المحتجين والقوات الأمنية، ومحاولة وضع الحكومة أمام تحدٍّ كبير”.
ولا يستبعد الدعمي أن تقوم “جهات حزبية وجماعات مسلحة تسعى لخلق فتنة بين المتظاهرين والحكومة باستهداف المحتجين في منطقة العلاوي أيضاً، لكن بتهديد أقل”.
حرب وجود
تأتي الذكرى الأولى للانتفاضة العراقية وسط شعور بخيبة أمل لدى العراقيين من عدم تحقيق مطالبهم، في حين يرى مراقبون أن حكومة الكاظمي تواجه ضغوطاً سياسية شديدة وحرب وجود حزبية وفصائلية تُعقِّد إمكانيتها الإيفاء بتعهداتها إزاء المحتجين.
ويرى الباحث في الشأن السياسي هشام الموزاني أن “الأحزاب والفصائل المسلحة داخل السلطة تخوض حرب وجود استخدمت فيها كل الوسائل، وكان هذا الأمر السبب الرئيس في تحول المطالب من الانتخابات المبكرة إلى توفير أجوائها الملائمة ومحاسبة القتلة وإنهاء ظاهرة السلاح المنفلت الذي بات يمثل صفة رسمية”، مبيناً أن امتلاك السلاح الفصائلي والحزبي بصفة رسمية، هو الذي يعقد من حل تلك الإشكالية”.
ويبدو أن عدم حسم إشكالية السلاح المنفلت أدى إلى انعطافة كبيرة في مطالب المحتجين، الذين باتوا يدركون صعوبة التنافس الانتخابي مع استمرار عمليات خطف واغتيال الناشطين، حيث يشير الموزاني لـ”اندبندنت عربية” إلى أن “هذا الإدراك أدى لأن يتصدر توفير البيئة الآمنة مطالب الناشطين”، مبيناً أن “حق التعبير عن الرأي بات يواجه بالرصاص، فكيف بانتخابات قد تزيح تلك القوى عن المشهد السياسي؟”.
ويلفت إلى أن “ناشطي تشرين يفتقرون لرؤية بعيدة المدى، ما جعلهم يدركون متأخراً أن تحقيق متطلبات الانتخابات الحرة النزيهة أكثر خطورة من إتمام قانونها أو الموافقة عليها”.
أحمد السهيل
اندبندت عربي