الأميركيون “ملوك” المعلومات المضللة في انتخابات 2020

الأميركيون “ملوك” المعلومات المضللة في انتخابات 2020

يراقب المتابعون للانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة كيف بات الأميركيون ينخرطون بشكل كبير في نشر المعلومات المضللة للتأثير على المقترعين عبر شن حملات على المنصات الإلكترونية، في اتجاه يأتي عكس القلق السائد من تكرار تجربة سابقة كانت روسيا متهمة فيها بدفع الناخبين الأميركيين إلى التصويت لدونالد ترامب في انتخابات 2016.

واشنطن – هناك تخوف كبير داخل أوساط الباحثين السياسيين في الولايات المتحدة من أن تضرب حملات التضليل الإعلامي الانتخابات الرئاسية مرة أخرى، ولكن لن تكون من الخارج، بل سيشنها أميركيون من الداخل من خلال الشبكات الاجتماعية.

ولهذه المخاوف ما يبررها على ما يبدو خاصة وأن فيسبوك تعرضت لانتقادات هائلة في السنوات الماضية بعد الكشف عن حملة دعائية كبيرة من روسيا في سياق انتخابات الرئاسة الأميركية الماضية.

وتظهر العديد من الدلائل أن الأميركيين يؤدون حاليا دورا نشيطا إلى درجة أن خبراء وصفوهم بـ”ملوك تضليل الناخبين” مع نشرهم الجزء الأكبر من التعليقات والصور ومقاطع الفيديو الكاذبة أو المضللة عبر الإنترنت وهناك مؤشرات تدل على أن هذا الأمر بات خارجا عن السيطرة.

وهذا الاتجاه المتزايد يأتي مخالفا لما جرى في الانتخابات السابقة، رغم أن مكتب التحقيقات الفيدرالي (أف.بي.آي) ومسؤولون أمنيون أميركيون آخرون، كانوا على علم بالتدخلات وقتها لكنهم التزموا الصمت، حذروا من أن روسيا وإيران تتدخلان في انتخابات هذا العام.

وفصّل تقرير المستشار الخاص روبرت مولر تحيز الكرملين لترامب وكراهيته لهيلاري كلينتون في العام 2016، لكن تصرفات روسيا، ودول أخرى، ليست سوى جزء من مشكلة المعلومات المضللة.

ويقول جوشوا تاكر، الأستاذ في السياسة والخبير في علوم البيانات ووسائل التواصل الاجتماعي في جامعة نيويورك لوكالة الصحافة الفرنسية إن ما فعله الروس في 2016 هو عرض مجموعة أدوات تمكن من استخدام جهات فاعلة مخادعة عبر الإنترنت تعمل بالتنسيق بعضها مع بعض كأداة سياسية.

وكان هناك تركيز على التدخل الأجنبي، لكن الأشخاص الذين لديهم فعلا حافز للتأثير على نتيجة الانتخابات، بحسب تاكر، هم أشخاص يعيشون في ذلك البلد، إنهم أميركيون.

ويؤكد أحدث تقرير لفيسبوك حول السلوك الزائف هذا التوجه، ففي الأسبوع الأول من أكتوبر وحده، تم إغلاق 200 حساب و55 صفحة على فيسبوك و77 حسابا على موقع إنستغرام منشؤها الولايات المتحدة.

ومن خلال تقليد التكتيكات الروسية للعام 2016، استخدم المشغلون صورا متفرقة لملفات شخصية وقدموا أنفسهم كأفراد يميلون إلى اليمين في كل أنحاء الولايات المتحدة. وكان التأثير الإجمالي زرع الفتنة السياسية وتقويض الثقة في العملية الديموقراطية، تماما كما أفاد تقرير مولر العام الماضي القائل إن ذلك هو هدف روسيا الشامل والمستمر.

والمثال الأكثر فظاعة، والذي كشفه فيسبوك هو شركة تسويق أميركية استخدمت مراهقين في أريزونا لنشر تعليقات مؤيدة للمرشح الجمهوري دونالد ترامب أو متعاطفة مع القضايا المحافظة، فيما انتقدوا أيضا المرشح الديموقراطي جو بايدن.

وتظهر الأبحاث التي أجراها تاكر وزملاؤه أن التحزّب السياسي، الذي تعززه خوارزميات وسائل التواصل الاجتماعي التي تظهر للمستخدمين جانبا واحدا من القصة، وتعني أنه لا الليبراليين ولا المحافظين قادرون على تمييز الوقائع من الأخبار المضللة.

وكجزء من تعاون مرتبط بالتحقق من صحة الأخبار بين فيسبوك ووكالة الصحافة الفرنسية، أبلغت الوكالة عن آلاف المنشورات الخاطئة أو المضللة في الولايات المتحدة. وقد جرت مشاركة بعضها مئات الآلاف من المرات. وتظهر تعليقات المستخدمين أنه حتى الحقائق التي تم التحقق منها لا يتم قبولها عندما تتعارض مع المعتقدات السياسية الحزبية.

وكذلك، يقوم موقع تويتر أيضا بإزالة المحتويات المضللة، منها صورة نشرها حساب لديه 24 ألف متابع تظهر شرطيا أسود وترامب مع شعار “فوت ريبابليكن” في وقت سابق من هذا الشهر. وقد حصلت تغريدة نشرها هذا الحساب على 75 ألف إعجاب قبل إغلاقه لخرق قواعد المنصة ضد التلاعب.

لكن باحثي وسائل التواصل الاجتماعي يقولون إن كشف مثل هذه الحسابات هو الاستثناء وليس القاعدة. وأوضح راسل مويرهيد المؤلف المشارك لكتاب “أي لوت أوف بيبول ساينغ” وهو عنوان يلعب على الكلمات، التي يستخدمها ترامب غالبا للترويج لنظريات غير مثبتة، أن المعلومات المضللة الأميركية تطورت بسرعة منذ العام 2016.

وفي إشارة إلى “بيتزا غايت”، الادعاء الكاذب بأن كبار الديمقراطيين كانوا يديرون عصابة للاتجار الجنسي بالأطفال من مطعم للبيتزا في واشنطن، قال مويرهيد إن “النقاش السياسي قد تعرض للتسميم”.

ويرى مويرهيد، الذي يدرّس السياسة والعلوم السياسية في كلية دارتموث أن هذه القصة التي لا أساس لها على الإطلاق، تهدف إلى إظهار هيلاري كلينتون على أنها تمثل الشر الخالص.

وتساءل كيف يمكن أن تعمل سياسيا مع شخص مماثل؟ وبالطبع بالنسبة إليه هذا غير ممكن، ولذلك يجب أن تخوض حربا معه. وهذه القصة أخبرت مؤيدي ترامب أنهم في سياق سياسي يخوضون حربا مع شخص يجب أن يسجن.

وفي هذه الدورة الانتخابية، انتشرت نظرية مؤامرة “كانون”، التي تدعي أن ترامب يخوض صراعا مع الديمقراطيين والنخب في هوليوود الذين يمارسون الاتجار الجنسي بالأطفال وأكل لحوم البشر ويستهدف مروجوها بايدن.

ويؤكد مويرهيد أن “كانون” الآن ترسم بايدن ليس على أنه خصم شرعي بل كجزء من هذه المجموعة التي تنوي تدمير أميركا، ويجب عدم خوض جدال معها بل القضاء عليها. ومع ذلك، فإن الخطر المباشر للتضليل الذي يهدد انتخابات 2020 وفقا لتاكر، هو مزاعم ترامب المتكررة بأن استخدام بطاقات الاقتراع عبر البريد سيؤدي إلى انتخابات “مزورة”.

وقدم ترامب الادعاءات نفسها في 2016، إلا أن التحقيقات اللاحقة لم تظهر أي دليل على صحتها، وهو ما اعتبره تاكر مشكلة حينما قال “هذه هي المعلومات المضللة”.

وثمة مشكلات مع الأشخاص الذين لم يصوّتوا بشكل صحيح وهناك مشكلات في تأخر المواطنين في الإدلاء بأصواتهم، لكن لا يوجد دليل يشير إلى حدوث تزوير على نطاق واسع، كما يرى تاكر، الذي قال متسائلا “من يحتاج إلى أن يلقي الروس بظلال من الشك على نزاهة العملية الديمقراطية عندما يقوم رئيس الولايات المتحدة بذلك؟”.

العرب