يعود الهنود إلى أحد أقدم أصول ثرواتهم وسط انتشار وباء سبقته أزمة مصرفية، والقول بأن الهنود يحبون الذهب سيكون وصفا أقل من الواقع، فعلى مر القرون اكتنزت الأسر هذا المعدن الثمين.
ووفقا لتقديرات مجلس الذهب العالمي العام الماضي بلغ إجمالي احتياطيات الذهب في جميع أنحاء المنازل الهندية نحو 25 ألف طن، وهو الأكبر في أي بلد في العالم، بحسب “بي بي سي”.
وقد استعاد هذا الاستثمار المضمون، الذي اختبر عبر الزمن، شعبيته مع تحرك الاقتصاد الهندي للتحرر من الآثار المدمرة لوباء عالمي. فعندما ضرب كوفيد-19 كان الاقتصاد الهندي الذي تصل قيمته إلى 2.5 تريليون دولار متعثرا بالفعل بسبب أزمة مصرفية.
وكانت إحدى النتائج حدوث أزمة سيولة مما دفع العديد من الهنود إلى التحول إلى الذهب كاستثمار وتأمين. ويقول كونال شاه خبير سوق السلع إنهم يستخدمونه بشكل متزايد لجمع التمويلات.
وفي الوقت الذي يصعب فيه الحصول على القروض المصرفية التقليدية، ساعد ارتفاع أسعار الذهب على زيادة شعبية هذه القروض. فقد ارتفعت أسعار الذهب بنسبة 28 في المئة هذا العام إلى أكثر من 50 ألف روبية (668 دولارا) لكل 10 جرام.
وتعود القفزة في القيمة إلى عدة أسباب. أولا، تقوم البنوك الغربية بطباعة العملة وشراء الذهب في السوق الدولية كضمان طويل الأجل. ثانيا، أسواق الأسهم في جميع أنحاء العالم متقلبة مما يحفز الناس على الاستثمار في الذهب الأمر الذي يدفع سعره إلى الارتفاع. ومع أسعار الفائدة السلبية في العديد من البلدان يكون من غير المربح الاحتفاظ بالمال في البنوك. كل ذلك أثر على سعر الذهب، حيث يقول الخبراء إنه من المتوقع أن ترتفع قيمته أكثر في الأشهر المقبلة.
وكانت ديشا دينيش باراب، من مدينة بوني الغربية، من بين أولئك الذين اعتمدوا على ما يعرف قروض الذهب (أي رهن مصوغاتهم الذهبية مقابل الحصول على قرض) للحفاظ على أعمالهم خلال الوباء. فعلى مدى السنوات العشر الماضية كانت تصنع وتبيع 40 إلى 50 صندوقا من الطعام يوميا.
ولكن في الأشهر الأخيرة وبسبب انخفاض الطلب في اقتصاد مفتوح جزئيا كان عليها أن تخفض أسعارها من 1 إلى 80 سنتا لكل صندوق غداء ولم تتمكن من بيع ربع ما اعتادت عليه. وتقول إن قرض الذهب كان “الخيار المتاح الأسرع والأرخص”.
فقد رهنت باراب 6 قطع من المجوهرات الذهبية للحصول على قرض من بنك تعاوني محلي مقابل 3340 دولارا. وهي تدفع فائدة بنسبة 9.15 في المائة سنويا لمدة ثلاث سنوات. وإذا كانت اختارت الحصول على قرض شخصي، لكان عليها أن تدفع معدل فائدة أعلى، أكثر بقليل من 11 في المائة، للفترة نفسها.
وينظر المزارعون أيضا إلى قروض الذهب كحافز. فقد اقترض هوسيلال مالفيا، وهو مزارع في ولاية ماهاراشترا الغربية، أكثر من 5 آلاف دولار مقابل الذهب لبدء العمل في مزارعه.
ويقول: “حاولنا الحصول على قرض من البنوك لكنهم طرحوا أسئلة كثيرة وكانوا مترددين، لكن البنك التعاوني المحلي كان مستعدا للمساعدة بقرض من الذهب”.
ويسمح كل من الذهب والقروض الشخصية للمقترض باستخدام الأموال كيفما شاءوا. ولكن بالنسبة للكثيرين، فإن قروض الذهب هي الأكثر سهولة في الحصول عليها فهي تتطلب وثائق أقل، وغالبا ما يكون الذهب متاحا بسهولة مع المنزل كأصول، وقروض الذهب حاليا قيمتها أعلى بسبب ارتفاع أسعار الذهب.
وتعد أسعار الفائدة المنخفضة على قروض الذهب ميزة إضافية حاليا، وتبدأ أسعار الفائدة عند ما يزيد قليلا عن 7 في المئة وترتفع إلى 29 في المائة اعتمادا على خيارات الحيازة والسداد. وبالمقارنة، تتراوح الفوائد على القروض الشخصية بين 8 في المائة و 26 في المائة سنويا.
ومن المقرر أن تنمو قروض الذهب بمعدل أسرع بكثير مقارنة بالقروض الشخصية. ويقول في بي نانداكومار الرئيس التنفيذي لشركة مانابورام فاينانس، وهي شركة تمويل غير مصرفية متخصصة في إقراض الذهب: “نتوقع أن تنمو بنسبة تتراوح بين 10 إلى 15 في المائة هذا العام”.
كما أصبح من السهل الحصول على قروض الذهب الآن مع تشديد البنوك التجارية العادية إجراءاتها حيث ترك تاريخ من قرارات الإقراض السيئة البنوك الهندية مع واحدة من أعلى نسب القروض المعدومة في العالم. وقد جعل الوباء الأمور أسوأ مما ترك البنوك قلقة بشأن احتمال تعثر المزيد والمزيد من المقترضين. فكانت النتيجة أن البنوك لم تعد تقرض بقدر ما اعتادت.
ففي عام 2019 وافقت البنوك الهندية على قروض أكثر بنسبة 6 في المائة عن العام السابق، وفقا لوكالة التصنيف المحلية كريسيل، ومن المتوقع أن تقدم البنوك في العام الحالي قروضا أكثر بنسبة 1 في المئة فقط من المعتاد. ومن الناحية التاريخية، كانت القروض تنمو برقمين.
ويقول جورج ألكسندر موثوت ، العضو المنتدب لشركة موثوت فاينانس، إحدى أكبر شركات القروض الذهبية في الهند: ” تأتي الشركات الصغيرة إلينا لأن القروض المصرفية تستغرق وقتا. إنهم بحاجة إلى رأس مال عامل قصير الأجل حيث جمد الإغلاق جميع التدفقات المالية”.
حتى البنوك العادية المتخصصة في قروض الذهب تجني الفوائد، فقد شهد البنك الفيدرالي والبنك الهندي زيادة بمقدار 10 أضعاف في الطلب على قروض الذهب، وبشكل أساسي في المدن الصغيرة والبلدات.
ويتوقع الخبراء أن تستمر قروض الذهب في الارتفاع مع ارتفاع الأسعار، فقبل الإغلاق في مارس آذار الماضي بلغ سعر الذهب 38 دولارا للغرام، وفي الوقت الحالي يبلغ حوالي 44 دولارا للجرام. لذلك فإن قرض الذهب سيجلب الآن 7 دولارات للجرام أكثر مما فعل في مارس آذار الماضي.
ويقول سوماسوندارام بي آر، المدير الإداري للهند في مجلس الذهب العالمي: “أسعار الذهب المرتفعة تجعل كل من المقترض والمقرض سعداء”.
الاقتصادية