يبدو أن تعقيد المشهد السياسي العراقي لا يقتصر على القوى السياسية الشيعية، بل تشهد الساحة السنّية في الفترة الأخيرة مزيداً من التعقيد، مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية المبكرة.
وتتوالى المتغيرات بشكل متسارع داخل الساحة السياسية السنّية، خصوصاً بعد تصاعد مطالبات كتل سنّية رئيسة بإقالة رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي، في حين يرى مراقبون أن ما أعاد هذا الصراع إلى الواجهة، هو الخلافات بشأن تقسيم الدوائر الانتخابية في المحافظات ذات الغالبية السنّية.
“الجبهة العراقية”
في غضون ذلك، أعلنت خمس كتل سنّية هي “المشروع العربي” و”الجماهير الوطنية” و”جبهة الإنقاذ والتنمية” و”الحزب الإسلامي” و”الكتلة العراقية المستقلة”، تشكيل تحالف جديد يحمل اسم “الجبهة العراقية” برئاسة زعيم “جبهة الإنقاذ” أسامة النجيفي.
وتتباين ادعاءات الفريقين، ففي حين تعلن الجبهة الجديدة حصولها على 35 نائباً من أصل 71 نائباً سنّياً في البرلمان، ينفي تحالف القوى العراقية الذي يتزعمه الحلبوسي تلك المزاعم، مؤكداً أن تحالفه يضم 42 نائباً.
ويأتي إعلان “الجبهة العراقية”، بعد كشف نواب عن تحركات لإقناع الكتل السياسية بإقالة الحلبوسي، الأمر الذي يراه مراقبون الغاية الرئيسة من تشكيلها.
وعلى الرغم من تصريحات عدد كبير من نواب الجبهة الجديدة أن إقالة الحلبوسي تأتي في مقدمة حراكها، إلا أن بيانها الذي تلاه النجيفي لم يشِر إلى ذلك بشكل صريح، فقال إن “35 نائباً يمثلون الكتل الخمس اتفقوا على تشكيل جبهة برلمانية لوقف التداعي وإنصاف المظلومين، فضلاً عن التنسيق وتنفيذ مطالب المناطق المحررة من تنظيم داعش وتحصيل حقوقها”.
وبعد ساعات قليلة من إعلان الجبهة الجديدة، تبرّأ حزب “المشروع العربي” الذي يتزعمه السياسي خميس الخنجر، من البيان، بدعوى أنه لم يكن طرفاً في صياغة مقرراته، مطالباً بسحبه، فيما رد النجيفي بأن ممثلين عن “المشروع العربي” كانوا حاضرين أثناء كتابة البيان.
وعلى الرغم من تبرّؤ “المشروع العربي” من البيان الأول، إلا أنه لم يعلن انسحابه من الجبهة، وتشير مصادر مطلعة إلى أن الخنجر يقع تحت ضغوط شديدة دفعته إلى إعلان هذا الموقف، لكن قيادات الحزب لا تزال ضمن الجبهة وتحضر اجتماعاتها.
هدف قصير
لا تبدو مواقف الكتل الشيعية حتى اللحظة واضحة إزاء مشروع إقالة الحلبوسي، في حين تؤكد قيادات في “الجبهة العراقية” أن كتلاً شيعية عدة لم تسمّها مقتنعة بضرورة هذه الخطوة.
ويقول القيادي في “جبهة الإنقاذ والتنمية” أثيل النجيفي إن “غاية الجبهة الجديدة تتمثّل بالدرجة الأساس في إصلاح الوضع الحالي الذي يمر به البرلمان”، مؤكداً أن “هدف الجبهة قصير ولن يتمخّض عنها أي تحالف انتخابي”.
وأشار إلى أن تلك المطالبات “لا تقتصر على الكتل السنّية بل أن الكثير من الكتل الشيعية مقتنعة بضرورة إقالة الحلبوسي”.
وكشف النجيفي عن أن “بعض الكتل الشيعية تحدثت مع رئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان، حول عدم جواز استغلال الحلبوسي نفوذه في القضاء لتصفية خصوماته”، مبيّناً أن “المرجعية القانونية أبدت تفهمها لتلك المسألة”.
إقالة مستبعدة
وفي مقابل الحديث عن حجم الكتلة الجديدة واحتوائها على نواب انشقوا عن تحالف “القوى العراقية” الذي يتزعمه الحلبوسي، إلا أن نواباً داخل كتلته أكدوا أنها لا تزال متماسكة، فضلاً عن أن رئيس البرلمان يحظى بتأييد غالبية الكتل الشيعية والكردية، الأمر الذي يجعل إقالته مسألة مستبعدة.
ويعلل مراقبون سبب استبعاد الكتل الشيعية والكردية بشكل عام، مسألة إقالة الحلبوسي بـ”الوضع المعقد الذي تعيشه البلاد”، حيث لا تريد غالبية الكتل الدخول في دوامة أخرى على غرار قضية اختيار رئيس الوزراء.
ونفى هيبت الحلبوسي، وهو نائب عن تحالف القوى الذي يتزعمه رئيس البرلمان، وجود انشقاقات داخل الكتلة، مبيّناً أن “الكتلة مؤلفة من 42 نائباً، وكل ما جرى هو خروج حزب الجماهير من التحالف”. وقلل من إمكانية إقالة رئيس البرلمان، مشيراً إلى أن “بقية الكتل الشيعية والكردية لن تمضي في مشروع الإقالة”.
وأوضح أن “تلك القوى التي ترى أنها لم تقدّم شيئاً إلى ناخبيها، منزعجة من الإنجاز الذي حقّقه الحلبوسي في إعادة إعمار محافظة الأنبار وجمع البيت السنّي”.
أما بشأن الخلافات حول تقسيم الدوائر الانتخابية، فشرح هيبت الحلبوسي أن “التقسيمات الأخيرة ستعيد للمكون السنّي استحقاقه الأصلي الذي سرق منه في الانتخابات السابقة”.
احتكار المشهد السنّي
تبدو دوافع الجبهة الجديدة بشأن إقالة الحلبوسي متعددة، إذ يشير مستشار المركز العربي للدراسات الاستراتيجية يحيى الكبيسي أن “من بين العوامل التي دفعت القيادات السنّية إلى التحرك الأخير هي محاولاته احتكار المشهد السنّي”. وأضاف أن “الفكرة الأساسية من الجبهة الجديدة هي تشكيل أكبر كتلة سنّية، الأمر الذي سيجعل الحلبوسي غير قادر على احتكار الحديث باسم المكون السنّي”، مؤكداً أن “وصول الكتلة الجديدة إلى نحو 35 نائباً حسم الجدل حول هذا الأمر”.
ولفت إلى أن أحد العوامل الأخرى يرتبط بـ”تمكّن الحلبوسي من رسم الدوائر الانتخابية في جميع المحافظات التي يحظى فيها بمؤيدين، بعد صياغة صفقات مع بقية الأطراف السياسية بطريقة تضر بمصالح بقية القوى السنّية”، مبيّناً أن هذا الأمر “دفع القيادات الأخرى إلى استشعار خطر بقائه على رأس السلطة التشريعية، ما سيجعله قادراً على تجيير الانتخابات لمصلحته”.
وبشأن تمكّن الجبهة الجديدة من إقالة الحلبوسي، شرح الكبيسي أن تلك القضية تعتمد على “نجاح الكتلة في صياغة تحالفات جديدة داخل البرلمان تمكّنها من التصويت على الإقالة، فضلاً عن مدى قدرة الحلبوسي على الحفاظ على ما تبقّى من نواب في كتلته”، مبيناً أن “عدد هؤلاء لا يتجاوز 25 نائباً، بعضهم متأرجح وقد ينشقّ”.
المنصب صانع الزعامة
ويتمحور الصراع في الخريطة السياسية السنّية حول منصب رئيس البرلمان، الذي يسود اعتقاد داخل القوى السياسية السنّية بأن شاغله يملك فرصة أكبر في تسيّد المشهد السنّي.
ويرى مراقبون أنه إضافة إلى هذا العامل، تلعب عوامل أخرى دوراً رئيساً في محاولات بعض الكتل السنّية إطاحة الحلبوسي، مع تصاعد نفوذه في بقية المحافظات ذات الغالبية السنّية.
وعبّر الباحث في الشأن السياسي العراقي زياد العرار عن اعتقاده بأن ما يجري هو “حمى انتخابية مبكرة”، مشيراً إلى أن “صقور المشهد السياسي السنّي القديمة وجدت نفسها في وضع حرج أمام الحراك السياسي للحلبوسي الذي استطاع إزاحتها”.
وأوضح أن “الإشكال الأكبر في المرحلة المقبلة هو أن التكتل الجديد سيكون محفّزاً للانشقاقات حتى على مستوى الشارع السنّي”، مبيّناً أن “تشتّت المشهد السني سيؤدي إلى تقليل دورهم في صياغة المشهد السياسي للبلاد”.
وأشار العرار إلى أن أحد أكبر محفّزات إقالة الحلبوسي لدى بقية القوى، هو النظرة السائدة لدى القوى السنّية إلى رئاسة البرلمان بوصفها “صانعة الزعامة”، مبيّناً أن هذا الأمر “لطالما دفع هذه القوى إلى تقديم تنازلات كبيرة من أجل المنصب”.
ولفت إلى أن “القوى الرئيسة داخل الكتلة الجديدة باتت تستشعر خطراً من الحلبوسي الذي يشهد تصاعداً في شعبيته إثر نجاحه في إعادة إعمار محافظة الأنبار، الأمر الذي قد يسهم في تسيّده مشهد الانتخابات المقبلة في بقية المحافظات”.
أما النائب السابق عن محافظة نينوى محمد عبد ربه، فقال إن “المشهد السنّي لا يشهد زعامة دائمة بل أن ذلك مرهون بمَن يتولّى السلطة، وهذا أحد الأهداف الذي دفع الجبهة الجديدة لكن ليس الهدف الوحيد”.
ورأى أن السؤال الأهم يتعلق “بمدى إمكانية الجبهة الجديدة من إقالة الحلبوسي”، معتبراً أن “أدوات الحلبوسي في التأثير داخل البرلمان أقوى من خصومه، خصوصاً كونه يحظى بتأييد عدد كبير من النواب الشيعة خارج إطار زعاماتهم”.
أحمد السهيل
اندبندت عربي