الطوابير الطويلة أمام المخابز تضرم شرارة انتفاضة جديدة في إيران

الطوابير الطويلة أمام المخابز تضرم شرارة انتفاضة جديدة في إيران

طهران – باتت أغلب المحافظات الإيرانية تعيش على وقع أزمة حادة في ظل غياب الخبز ووجود طوابير طويلة أمام المخابز، ما يعتبره مراقبون شهادة حية على أن النظام المتشدد، الذي رهن البلاد لمعارك خارجية وأنفق أموال النفط على بناء أذرع طائفية، لم يجلب للإيرانيين سوى الأزمات، وأن المناخ بات مهيأ لانتفاضة جديدة.

ويفتح النظام، الذي يحكم البلاد بالقوة والتخويف، الباب أمام الحرس الثوري لاحتكار هذه المادة الحيوية وبيعها في السوق بأسعار أعلى، وذلك في سياق سياسة تقوم على تقوية الحرس الثوري ليصبح القوة الأكثر نفوذا.

وتعزو دعاية النظام الإيراني النقص في الطحين وارتفاع أسعار الخبز إلى العقوبات المفروضة على طهران.

ويواجه الإيرانيون اليوم صعوبة في الحصول على الخبز، وهو غذاء رئيسي لمعظمهم، كما ارتفع سعره في العديد من المدن الإيرانية.

وقال خباز في تبريز لوكالة الأنباء الحكومية (إرنا) “كنا نخبز ثمانية أكياس من الطحين في اليوم، لكن حصتنا تقلّصت إلى أربعة أكياس فقط”.

ويقول أحمد محبوبي، وهو من مواطني تبريز، “اضطررت للذهاب إلى ثلاث مخابز والانتظار للحصول على بعض الخبز. بالأمس وقفت ساعتين لشراء عشرة أرغفة من الخبز وهو ما يكفي لوجبة واحدة فقط”.

وفيما يتم الإبلاغ عن نقص في الخبز في مدن مختلفة، يلجأ المسؤولون الحكوميون إلى النفي، واتهام النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي بترويج أخبار زائفة. لكن المخابز التي تعاني من هذه المشكلة تقول إن سبب نقص الخبز هو انخفاض حصة الطحين.

ويقول أحد الخبازين إن هذا المكوّن الأساسي ينتهي بحلول الساعة الثانية مساء. وبعد ذلك، يجب عليه شراء الطحين من السوق المفتوحة، ويصل السعر في السوق المفتوحة إلى 180 ألف تومان عوضا عن 110 آلاف تومان لكل كيس. وأجبر ذلك بعض المخابز الصغيرة على إغلاق محلاتها حتى استلام حصتها من الطحين.

ويعزو خبراء اقتصاديون أزمة الطحين إلى انخفاض قيمة الريال الإيراني وإلى التضخم الذي بلغ في إيران حوالي 41 في المئة. ونتيجة لذلك، لا تغطي الأسعار الحالية التكلفة المخصصة للمخابز. وتوجد حاليا ثلاثة أسعار للطحين في السوق؛ سعر الحكومة للمخابز الحكومية، وسعر السوق المفتوحة، وسعر السوق السوداء.

وكان سعر السوق المفتوحة في ازدياد مستمر بسبب انخفاض قيمة الريال والتضخم. وتضاعف سعر السوق المفتوحة بأكثر من أربعة أضعاف مقارنة بالسعر الحكومي. وفي الأسابيع القليلة الماضية ارتفع سعر القمح في السوق المفتوحة.

لكن أوساطا إيرانية تقول إن السبب الرئيسي في ارتفاع أسعار الطحين وندرته هو هيمنة المنتسبين إلى النظام وفروع الحرس الثوري الإيراني على السوق واحتكار الطحين وتكديسه قبل بيعه بسعر أعلى في السوق المفتوحة. وقد وردت الإشارة إلى سيطرة الحرس الثوري على هذه المادة الحيوية في تقارير مختلفة خلال الأشهر الأخيرة.

وتتزايد أسعار جميع السلع التي يحتاجها الإيرانيون يوميا. ونقلت وكالة أنباء الطلبة الإيرانية (إسنا) عن مهدي دشتي، رئيس اتحاد مزارعي الدواجن في يزد، قوله “يصل سعر كل كيلوغرام من لحوم الدجاج إلى 30 ألف تومان. ومن جهة أخرى، حددت الحكومة سعر الدجاج الحي بـ13 ألف تومان للكيلوغرام، وسعر لحم الدجاج بـ 17 ألف تومان للكيلوغرام”.

وارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسق متسارع خلال الأشهر الأخيرة، واضطرت الأسر ذات الدخل المنخفض إلى استبدال البروتين بمواد أرخص. وأجبر ارتفاع أسعار اللحوم والأرز والفاصوليا الكثيرين على التحوّل إلى شراء الخبز واعتماده غذاءً رئيسيّا.

واعترف رئيس مجلس الشورى الإسلامي، محمد باقر قاليباف، بأن سعر الصرف والتضخم المتفشي صعّبا حياة الإيرانيين، مضيفا أن العامل أصبح يضطر إلى إزالة عنصر واحد من سلة طعامه كل شهر لتغطية نفقاته.

ويعبر المسؤولون عن قلقهم من عودة الاحتجاجات الشعبية بسبب أزمة الطحين، خاصة مع اقتراب الذكرى السنوية لانتفاضة نوفمبر 2019؛ إذ يشبه الوضع الحالي الوضع في نوفمبر الماضي حين ارتفعت أسعار البنزين، ما دفع الناس إلى الخروج للتظاهر.

وحذر الاقتصادي الإيراني فرشاد مؤمني في اجتماع لجمعية علم الاجتماع من احتمال “أن نتعرض لتصدّعات وأعمال شغب وأزمات خطيرة”.

وعبر عالم الاجتماع مؤيد فار عن اعتقاده بعدم وجود مخرج لإيران من الوضع الحالي، خلال حديثه في اجتماع الجمعية ذاته الذي عقد مؤخرا.

من جهته، قال أحمد نقيب زاده -وهو أستاذ جامعي وخبير في الشؤون الدولية- “نشهد اختفاء الطبقة الوسطى في إيران بشكل لم نشهده في أي فترة من التاريخ الإيراني. نرى الآن مجالا لأعمال شغب واحتجاجات أكثر خطورة من احتجاجات الخريف الماضي”.

العرب