طرحت التطورات في منطقة الشرق الأوسط ومجريات الانتخابات الأميركية وما ستفرزه من متغيرات أسئلة عديدة بشأن استمرار فاعلية أو انتهاء صلاحية فكرة إطلاق مشروع “تحالف الشرق الأوسط الإستراتيجي”، الذي أعلنت عنه إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب قبل نحو ثلاثة أعوام.
واشنطن – وجدت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب نفسها وسط علاقات متداخلة وأزمات متلاحقة بعد طرحها في العام 2017 خطة طموحة لإقامة مشروع تحالف الشرق الأوسط الإستراتيجي “ميسا”، الذي يتجاوز الشراكات الأمنية إلى ما أبعد من السياسة مرورا بالتكامل التجاري والاقتصادي.
لم تفلح الإدارة الأميركية، التي يتنافس رئيسها الجمهوري في انتخابات حاسمة أمام منافسه الديمقراطي جو بايدن، في تحقيق اختراق في ملف تكوين “ناتو عربي” لمواجهة التحديات الأمنية والسياسية والاقتصادية في منطقة الشرق الأوسط.
وأعادت انتخابات نوفمبر الرئاسية في الولايات المتحدة طرح نفس الأسئلة المثارة بشأن إمكانية نجاح فكرة إقامة تحالفات أمنية وسياسية بين دول عربية والولايات المتحدة عبر “تكتل موحد” في ظل التجاذبات والخلافات والانقسامات بين هذه الدول، والاختلافات في الرؤى بشأن كيفية التعاطي مع التهديدات المتنامية، خاصة مع الجماعات المتطرفة والميليشيات الطائفية المدعومة من النظام الإيراني.
ويقول الباحث كريستيان كوتس أولريشن، في تقرير مفصل بشأن “تحالف الشرق الأوسط الإستراتيجي”، إن سلسلة من الحوارات الإستراتيجية الثنائية التي أجرتها الولايات المتحدة مع دول الخليج على حدة، وإدراج
أجندة الشرق الأوسط الإستراتيجية في اتفاقية التطبيع الإماراتية الإسرائيلية، أدت إلى إثارة المزيد من الأسئلة حول ما إذا كانت فكرة “ميسا” لا تزال فاعلة أو أنها تتغير أو أنها في الطريق إلى نهايتها.
طريق طويل
واشنطن قد تترك مبادرة متعثرة كانت تهدف إلى تحقيق تعاون أمني أكبر بين دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
يعتقد على نطاق واسع أن الطريق ما زال طويلا لإقامة تحالف إستراتيجي دائم يجمع دول المنطقة والولايات المتحدة، خاصة أن الخلافات البينية العربية تطفو على السطح في كل مرة، إضافة إلى التنافس على النفوذ بين واشنطن وروسيا والصين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
ويضيف أولريشن، وهو زميل لشؤون الشرق الأوسط في “معهد بيكر للسياسة العامة” بجامعة رايس، أن موضوع مستقبل تحالف الشرق الأوسط الإستراتيجي لم يخرج عن دائرة الضوء في سياق الانتخابات الأميركية باعتباره أحد الحلول البديلة التي وضعتها إدارة ترامب بعد 2017 لمحاولة تقليل تأثير الأزمة الخليجية على شركائها العرب.
ويوضح في تقرير نشر في مؤسسة “عرب دايجست” الاستشارية أن كيفية الحديث عن الأجندة الإستراتيجية مع الإمارات وإسرائيل واحتمال تصنيف قطر كحليف رئيسي من خارج الناتو يشيران إلى أن الانقسامات بين الشركاء الإقليميين تعني أن المسؤولين الأميركيين يعطون الأولوية للعلاقات الثنائية بدل مشاركة متعددة الأطراف.
ولم تفقد الإدارة الأميركية الأمل في إقامة تحالف إستراتيجي يجمع كافة الشركاء الإقليميين للولايات المتحدة في تكتل موحد، لكن الخلافات والانقسامات والتجاذبات بين تلك الدول أدت إلى تعطل إطلاقه “رسميا” على الرغم من سلسلة اللقاءات التي احتضنتها واشنطن بهذا الخصوص في الآونة الأخيرة.
وتنظر واشنطن إلى التحالف على أنه وسيلة لتأمين المصالح الأميركية على نطاق أصغر من خلال زيادة التعاون الإقليمي ودفع الدول الشريكة إلى معالجة القضايا الرئيسية. ويقول أولريشن إن إنشاء هذا التحالف كان متسقا مع جهود آخر ثلاث إدارات أميركية لتعزيز التوافق التشغيلي بين دول الخليج الشريكة، والرغبة المعلنة للجمهوريين والديمقراطيين في تقليل الوجود العسكري في الشرق الأوسط.
تقوية العلاقات الثنائية
خططت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لخفض عدد القوات الأميركية في المنطقة، على الرغم من التهديدات المتتالية للنظام الإيراني لمصالح واشنطن في العراق ودول الخليج العربي. وكان مجلس الأمن القومي الأميركي قد رفض مقترحا سعوديا لاقتصار التحالف على الشؤون الأمنية، حسب ما يقول الباحث كريستيان كوتس أولريشن.
ومن المرجح أن تحدث نتائج الانتخابات الأميركية فرقا في قضايا السياسة الخارجية من الحرب الدائرة في اليمن ومستقبل الاتفاق النووي الإيراني وإمكانية حل الخلاف الخليجي. ورغم ذلك قد تختار واشنطن ترك مبادرة أميركية متعثرة كانت تهدف إلى تحقيق تعاون أمني أكبر بين دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وارتبط مشروع إقامة تحالف “ميسا” بإدارة ترامب ومع الفترة التي قضاها مستشاره للأمن القومي جون بولتون، الذي استقال من منصبه، حيث واجه صعوبات في البداية بسبب طبيعة العلاقات التي تجمع الدول المشاركة، فقد شهدت خلافات في الآراء حول ما يجب أن يشمل نطاق أنشطة التحالف، وانسحبت مصر منه في أبريل 2019.
وغاب إجماع عربي إقليمي حول تصور مشترك للتهديد الأساسي الذي يستوجب إقامة تحالف إستراتيجي شامل مع الولايات المتحدة، وأعرب جميع الشركاء عن إحجامهم عن التوقيع على أي شيء قد يقلل علاقاتهم الثنائية مع الولايات المتحدة، كما سجلت درجة من الشك في العواصم الخليجية من أن المسارات الاقتصادية والطاقية قد تتطلب منها تقديم دعم لدول معينة.
وينظر المسؤولون الأميركيون إلى مشروع التحالف على أنه ذو مسارات متعددة تغطي الحوكمة والاقتصاد والطاقة والقضايا الأمنية. وساد الاختلاف بين الإمارات والسعودية من جهة وقطر وعمان والكويت من جهة أخرى بشأن التهديدات الإيرانية وطريقة التعاطي معها.
ويبدو أن الإدارة الأميركية اختارت تقوية العلاقات الثنائية مع دول المنطقة في ضوء خلافاتها البينية المتشعبة، على حساب إقامة التحالف الشامل أو ما يسمى بـ”الناتو العربي” لمواجهة التهديدات المختلفة في المنطقة.
وعقد في الولايات المتحدة اجتماع في سبتمبر الماضي بين مسؤولين قطريين وأميركيين لإصلاح العلاقات وتعزيزها بين البلدين، حيث ذكر نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الخليج العربي، تيم ليندركينغ أن الولايات المتحدة تأمل في تعيين قطر حليفا رئيسيا من خارج الناتو لتنضم بذلك إلى دول مثل الكويت والبحرين.
وسبق ذلك توقيع اتفاقات السلام بين الإمارات والبحرين مع إسرائيل. وتضمن نص الاتفاقية التي وقعتها إسرائيل مع الإمارات إشارة إلى انضمام كلا البلدين إلى الولايات المتحدة ودول أخرى “حسب الاقتضاء” في إطلاق أجندة إستراتيجية للشرق الأوسط لـ”توسيع العلاقات الدبلوماسية والتجارية والاستقرار وغيرها من أشكال التعاون”.
وتقول كيرستن فونتنروز، المسؤولة الكبيرة في البيت الأبيض ومديرة شؤون الخليج بمجلس الأمن القومي، إن أجندة الشرق الأوسط الإستراتيجية ترقى إلى “إعادة تشكيل ‘ميسا’ بجلب إسرائيل إلى طاولة المفاوضات” هذه المرة. ولعبت فونتنروز دورا رئيسيا في عام 2018 في التخطيط لمشروع إنشاء “ميسا”.
ويرى الباحث كريستيان كوتس أولريشن أنه في حال فاز بايدن في الرئاسة قد تولي إدارته دعما أكبر للتعددية في صنع السياسة الخارجية، لكنه قال “إن هذه الاحتمالات تبدو بعيدة ما دامت دول الخليج والشركاء الإقليميون الآخرون غير قادرين على تجاوز الخلافات التي ظهرت في الشرق الأوسط في عهد ترامب”.
العرب