لا يتوانى النظام الإيراني عن استخدام ميليشياته في زعزعة استقرار بلدان مجاورة لتحقيق أهداف استراتيجية وأيديولوجية، وتحوّل لواء “زينبيون”، الذي أسسه الحرس الثوري الإيراني عام 2012 من مقاتلين باكستانيين في سوريا، إلى ورقة ضغط مباشرة على السلطات الباكستانية بعد انتهاء دورهم وعودة عدد كبير منهم إلى بلدهم.
إسلام آباد – تحوّل لواء “زينبيون”، الذي أسسه الحرس الثوري الإيراني عام 2012، إلى أكثر من أداة لتعزيز نفوذ طهران في سوريا ومناطق أخرى في منطقة الشرق الأوسط، بل جعلته إيران “قنبلة موقوتة” قابلة للانفجار في قلب الجارة باكستان متعددة الطوائف والتي لا ترتبط بعلاقات وثيقة مع النظام الإيراني.
عمل الحرس الثوري الإيراني، الذي يعد اليد الطولى لنظام علي خامنئي في الداخل والخارج، على تأسيس ميليشيات من المرتزقة الشيعة لخدمة أهداف النظام وحلفائه في سوريا والعراق واليمن ومناطق أخرى.
وكان لواء “زينبيون” من أبرز الميليشيات التي تأسست بحجة حماية العتبات المقدسة الشيعية في العاصمة السورية دمشق منذ اندلاع الأحداث في 2011.
وكوّن “فيلق القدس”، التابع للحرس الثوري حينها بقيادة الجنرال السابق قاسم سليماني، ميليشيات أفغانية وباكستانية وعراقية ولبنانية لحماية النظام السوري من السقوط في أعقاب الأحداث التي وقعت في سوريا بداية من العام 2011، إضافة إلى استغلال تلك الأحداث لوضع اليد على البلد وتعزيز النفوذ الإيراني.
وتسببت التغييرات السياسية والعسكرية في سوريا إلى تراجع الدور الذي تقوم به تلك الميليشيات الشيعية، مما دفع بأعداد كبيرة من المرتزقة إلى العودة إلى بلدانها، وخاصة إلى باكستان وأفغانستان.
باكستان عاشت على وقع أكثر من 3 آلاف هجوم طائفي منذ العام 1986 بتحريض مباشر من إيران
أمن باكستان المهدد
اعتمدت إيران على ميليشيات شيعية معروفة بكثرة أعداد مقاتليها، لواء “فاطميون” الأفغاني، ولواء “زينبيون” الباكستاني، والذي يعتقد أن عدد مقاتليه يتراوح بين ألفين وخمسة آلاف.
ومع تراجع الحاجة إلى تلك الميليشيات الشيعية، يبرز السؤال عن مصيرها وإلى أين ستذهب؟ وعلى وجه الخصوص لواء “زينبيون” الذي من المحتمل أن يشكل عناصره خطرا على الأمن القومي الباكستاني في المستقبل، خاصة أن البلد شهد توترات طائفية متكررة في السنوات الماضية.
ويؤكد مسؤولون في الاستخبارات الباكستانية أن عددا كبيرا من عناصر لواء “زينبيون” بدأوا بالعودة إلى باكستان مؤخرا بعضهم بطرق سرية غير قانونية، وذلك بعد تراجع الطلب بشكل كبير على خدماتهم في سوريا بفعل تغير ديناميات الصراع، وحالة الغموض الإيرانية حول مصير تلك الميليشيات التي دعّمت أهداف طهران بكل قوة.
وتتخوف الجهات الباكستانية من إمكانية أن يقوم هؤلاء المقاتلون بتأجيج الصراع الطائفي والفوضى في باكستان، حيث يمكن لطهران أن تتدخل في شؤون الداخلية للدولة ، واستمرار حروب الوكالة التي تخوضها في المنطقة.
كما يمكن لتلك الميليشيا الشيعية أن تعمل على التأثير الأيديولوجي على الشباب وتشكيل صلة وصل قوية بينهم وبين طهران،التي تكن العداء لإسلام آباد.
ويقول آيدن غوفن، الباحث في قسم العلاقات الدولية بجامعة إسطنبول مدنيات، إن السلطات الباكستانية تتعامل بإهمال مع ملف عودة عناصر الميليشيا الشيعية إلى باكستان، حيث لم تقم بحظر المجموعات التي تدعو الشباب الباكستانيين للانضمام إلى لواء “زينبيون”، ولم تتّبع سياسة صارمة إزاء ضم إيران مقاتلين من باكستان.
ووفق خبراء أمن باكستانيين، فإن دور إيران في حوادث وقعت في باكستان يبدو واضحا، إذ لا يمكن إنكار دورها في قضية الجندي في البحرية الهندية والجاسوس كولبوشان ياداف الذي تم القبض عليه على الحدود الباكستانية الإيرانية.
كما لا يمكن إنكار دور طهران في واقعة المواطن الباكستاني الإيراني أوزير بلوتش الذي هرب إلى إيران عبر ميناء تشابهار عقب تورطه في الكثير من الاغتيالات في باكستان.
ويوضح غوفن أنه “يمكن تفسير موقف باكستان بعدة أسباب من أهمها الوضع الاقتصادي الصعب الذي تمر به ورغبتها في عدم توتير علاقاتها مع إيران أيضا”، مشيرا إلى أن “باكستان تسعى إلى الوقوف أمام توجه إيران عبر المحور الهندي في حال توتر علاقاتهما، ولهذا السبب، تتهرب إسلام آباد حاليا من التعليق بشكل رسمي على تجنيد إيران لمقاتلين باكستانيين”.
ويحذر خبراء من التأخر الباكستاني في اتخاذ تدابير لازمة لمواجهة عودة مقاتلي لواء “زينبيون”، الأمر الذي يفسح المجال أمام زيادة خطر النزاعات الطائفية في البلاد.
وتشير التوقعات إلى أن النظام الإيراني سيتمتع بنفوذ أكبر في باكستان من شأنه تغيير الموازين في المنطقة عقب انسحاب الجيش الأميركي من أفغانستان، ويدعم هذه التوقعات تعيين إسماعيل قاآني قائدا لفيلق القدس خلفا لقاسم سليماني، مطلع العام الجاري، وهو الذي ظل مسؤولا لسنوات عن تجنيد مقاتلين للفيلق من أفغانستان وباكستان واهتمامه بشكل خاص بإرسالهم إلى إيران وتدريبهم هناك.
وتثير شبكة العلاقات الواسعة لقاآني في المنطقة قلق خبراء الأمن الباكستانيين الذين يتوقعون أن تستخدم إيران عناصر لواء “زينبيون” في أيّ صراع طائفي محتمل قد يحدث في باكستان.
تغذي إيران بقوة النزاعات الطائفية في باكستان المجاورة، لتحقيق أهداف أيديولوجية بحتة. فباكستان تشهد بين حين وآخر اندلاع شرارة صراع سني شيعي نتيجة لهجوم على مناطق ذات أغلبية شيعية أو عقب خطاب متطرف لأحد رجال الدين الشيعة.
وتثير تلك الأحداث مخاوف حقيقية لدى الخبراء والمتابعين من إمكانية حدوث صراع طائفي في باكستان من شأنه أن يعرّض الأمن الداخلي للخطر ويؤدي إلى انتشار الفوضى.
وترتبط إيران بعلاقات وثيقة مع عناصر شيعية بارزة في باكستان منذ العام 1979، ففي هذه السنة بالذات تم تأسيس حركة “نفاذ الفقه الجعفري” في مدينة بكار الباكستانية، بقيادة عارف حسين الحسيني، وهو أحد طلاب قائد الثورة الإيرانية آية الله الخميني.وحاول الحسيني منذ تأسيس الحركة إنشاء منطقة نفوذ مدعومة من إيران في باكستان باستخدام شبكاته وأوساطه في البلاد، مستغلا الأجواء الأيديولوجية التي خلقتها ما تسمى بـ”الثورة الإيرانية”، حيث بدأ باتباع سياسات لصالح إيران في المدارس الدينية الباكستانية، وأرسل الشبان إلى إيران بحجة التعليم، ليكون بذلك من رواد الأيديولوجية الثورية الإيرانية في باكستان، والتي اكتسبت بعدا جديدا خلال السنوات الماضية من خلال تأسيس لواء “زينبيون”.
ويقول الباحث آيدن غوفن إنه “بفضل التعليم والشبكات التي أنشأتها إيران لسنوات طويلة، عبر الحسيني، بدأت طهران في تجنيد مسلحين من باكستان بسهولة بالغة للقتال نيابة عنها في أماكن أخرى”.
ويوضح أن “تأثير إيران على المجموعات الشيعية في باكستان يعتبر مهما، حيث شهدت البلاد بتحريض مباشر من إيران أكثر من 3 آلاف هجوم طائفي منذ العام 1986 راح ضحيتها أكثر من 10 آلاف شخص”.
وفي المقابل ومنذ تأسيس لواء “زينبيون” فقد شهدت مناطق شيعية هجمات حيث قتل أكثر من 20 شخصا إثر انفجار وقع في مدينة باراتشينار عام 2015، وتبنت الهجوم جماعة تسمى “عسكر جنجوي” المتشددة المناهضة للشيعة.
وأعلن حينها المتحدث باسمها أن “الهجوم نفذ انتقاما من إيران ونظام الأسد بسبب الجرائم التي ارتكبوها بحق المسلمين السوريين”، محذرا في الوقت نفسه أهالي باراتشينار من الالتحاق بالميليشيات أو السفر إلى إيران.
ومنذ ذلك الهجوم شهدت المناطق الشيعية الباكستانية الكثير من الهجمات والانفجارات، فضلا عن محاولات توسيع رقعة الاحتكاكات والتوترات بين السنة والشيعة، من خلال شن هجمات في شهر محرم على وجه الخصوص.
استخدم النظام الإيراني الدعاية والتجنيد الأيديولوجي لبناء ميليشيات طائفية موالية له وتقاتل في سبيل نصرة أجندته في سوريا ومناطق أخرى. وتشير العديد من الدراسات إلى أن الفقر والأيديولوجيا يعتبران من أهم العناصر بيد إيران لإقناع الباكستانيين بالانضمام إلى لواء “زينبيون”.
ويؤكد غوفن أن “الدعاية الشيعية لعبت دورا مهما في زيادة الإقبال على الالتحاق باللواء لأسباب أيديولوجية، من خلال تسليطها الضوء على الرموز الدينية والعتبات التي تم استهدافها خلال الحرب في سوريا أو عبر هجمات تنظيم داعش الإرهابي”.
ويضيف أن “الدعاية أدت إلى بث الحقد والكراهية تجاه المجموعات السنية المعارضة في سوريا، وتشجيع المقاتلين على الذهاب إلى سوريا لحماية العتبات المقدسة”، كما وعدت طهران المقاتلين الشيعة بأنهم سيموتون كشهداء في حال قتلهم خلال المعارك، وأنها ستدفنهم في مدينة قم الإيرانية المقدسة.
واستغل النظام الإيراني ورقة المال للضغط على الباكستانيين الفقراء للمشاركة في ميليشياتها، حيث وعدهم بمنحهم الجنسية الإيرانية لهم ولعائلاتهم، وتأمين فرص عمل ورواتب لهم، وإلا سيواجهون خطر الطرد من إيران، خاصة أولئك الذين لجأوا إلى الأراضي الإيرانية.
وتشير التقارير إلى أن إيران تقدم للمقاتلين في لواء “زينبيون” وعودا براتب شهري يتراوح بين 700 و750 دولارا أميركيا، وإجازة لمدة 15 يوما كل 3 أشهر.
ويضم اللواء مرتزقة باكستانيين مأجورين من إيران، بناء على وعود مختلفة، معظمهم متعلمون بشكل أكبر مقارنة مع المجموعات الأخرى المدعومة من إيران.
وكثير من المقاتلين المنتمين للواء من الطلاب الباكستانيين الذين سافروا إلى إيران بهدف التعليم، أو هم من الحجّاج الباكستانيين الذين يزورون إيران بهدف أداء الشعائر الشيعية. وتعتبر جامعة “المصطفى” العالمية، في مدينة قم الإيرانية، من أهم نقاط التحاق الطلبة الباكستانيين بلواء “زينبيون”.
العرب