الغموض يلف مصير مشروع ميناء الفاو في العراق

الغموض يلف مصير مشروع ميناء الفاو في العراق

الجدل بشأن تنفيذ مشروع ميناء الفاو الكبير في العراق لا يهدأ حيث يثير الغموض الذي لا يزال يحيط بمستقبل هذا المشروع تساؤلات عديدة خاصة في ظل تجاذبات بين شركة دايو الكورية الجنوبية الموكل لها تنفيذ هذا المشروع والسلطات العراقية.

البصرة (العراق) – تسود في وزارة النقل العراقية حالة من الارتباك الشديد بشأن مصير مشروع “ميناء الفاو الكبير”، الذي يفترض أن يشكل حلا استراتيجيا لمشاكل التصدير العراقي عبر الموانئ.

ومنذ 2010 وقّع العراق سلسلة عقود مع شركات إيطالية وكورية جنوبية ويونانية لإنشاء ميناء عملاق يطل على الخليج العربي، بكلفة نحو 4.5 مليار دولار أميركي.

ولم تسر جميع الأعمال بالوتيرة نفسها، إذ تقلب المشروع بين الخلافات السياسية والأزمات الأمنية والاقتصادية، وصولا إلى العام 2018، حيث أعيد تنشيط بعض العقود مع شركة دايو الكورية الجنوبية.

وكان إنشاء هذا الميناء، الذي يعد بوابة كبيرة نحو تنشيط اقتصاد البلاد وارتباطها بشبكة نقل البضائع الدولية، من بين المطالب التي نادى بها العراقيون عندما خرجوا في احتجاجاتهم الحاشدة مطلع أكتوبر من العام 2019.

ونجحت الشركة الكورية فعلا في تنفيذ أحد أكبر كواسر الأمواج في العالم، تحضيرا لعملية بناء أرصفة ميناء الفاو الكبير، لاسيما بعدما أعلنت حكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي أن هذا المشروع يقف في قمة أولوياتها خلال المرحلة الحالية.

لكن حادثا لافتا وقع منتصف شهر أكتوبر الماضي أدخل المشروع في حالة من الشك. وأعلن محافظ البصرة أسعد العيداني، منتصف الشهر الماضي أن مدير شركة دايو المسؤول عن تنفيذ ميناء الفاو، وجد ميتا قرب موقع العمل في المدينة، مرجّحا أن تكون الوفاة ناجمة عن حالة انتحار.

وأحاط جدل واسع بوفاة المدير الكوري، تخلله تبادل التهم بين أطراف عديدة. وعلى سبيل المثال، وجهت أطراف سياسية اتهامات للميليشيات العراقية الشيعية التابعة لإيران بتصفية المدير الكوري لأنه رفض إشراكها في أرباح مشروع الميناء.

وذكرت مصادر عديدة أن قادة ميليشيات تواصلوا مع المدير الكوري الجنوبي، وطلبوا منه إسناد مقاولات ثانوية ضمن ميناء الفاو لشركات يملكونها، بعضها وهمي والآخر غير مختص، لكنه رفض.

ونقلت المصادر عن مقرّبين من المدير الكوري قبيل إعلان وفاته بأنه كان محاطا بضغوط كبيرة في أيامه الأخيرة، من دون الكشف عن الجهات التي تمارس هذه الضغوط.

لكنّ أطرافا سياسية في بغداد ألمحت إلى ارتباط حادثة وفاة المدير الكوري بملف ميناء مبارك الكويتي قيد الإنشاء الذي يعدّ المتضرر الأول من مشروع ميناء الفاو العراقي.

وبسبب موقعه الاستراتيجي سيجتذب ميناء الفاو العراقي السفن الراغبة في الرسوّ وتفريغ حمولاتها، على حساب ميناء مبارك.

وفاة مدير شركة دايو، والتي واجهت ميليشيات شيعية اتهامات بشأنها، أدخلت الشكوك في استكمال مشروع ميناء الفاو الكبير

وفضلا عن احتلاله موقعا مميزا على الخليج، قياسا بالميناء الكويتي، يرتبط ميناء الفاو بقناة برية جافة تسهّل نقل البضائع نحو اتجاهات مختلف في أوقات قياسية.

وأثيرت ضجة كبيرة في الكويت الشهر الماضي بعد إعلان غامض من مؤسسة الموانئ الكويتية عن وقف العمل في مشروع ميناء مبارك.

ويقول نوّاب في البرلمان العراقي إن ميناء الفاو يسدّد ضربة قاصمة لمشروع ميناء مبارك العملاق، الذي تستثمر فيه الكويت أموالا طائلة.

ومنذ إعلان وفاة المدير الكوري تدور وزارة النقل العراقية في دوامة بشأن مصير مشروع ميناء الفاو. ومطلع الشهر الجاري تسرّبت أنباء عن إلغاء العقد مع شركة دايو الكورية بسبب خلافات تتعلق بالحفر لحدود أعماق معيّنة والمقابل المالي لهذه العملية.

وبعد ثلاثة أيام من ذيوع هذه الأنباء غير الرسمية على نطاق واسع قال وزير النقل العراقي ناصر حسين الشبلي أن العراق وصل إلى قناعة “بعدم قدرة شركة دايو الكورية الجنوبية على بناء ميناء الفاو الكبير”.

وخلال اجتماعه مع ممثلي شركة دايو قال الشبلي “نحن وصلنا إلى قناعة (..) أنتم لا تستطيعون بناء الميناء وفق المواصفات التي نسعى إليها”.

واعتبر هذا الإعلان تأكيدا لأنباء إلغاء عقد استكمال مشروع الفاو الكبير مع الشركة الكورية بالتزامن مع تسريبات عن إسناد العمل لشركة محلية، ما عزز التكهنات بوجود شبهات فساد.

ومنذ أيام تتزايد الأسئلة بشأن مصير المشروع والجهة التي ستتولى استكمال أعماله، في ظل غموض الموقف الحكومي إزاء هذا الملف الحساس الذي يحظى بمتابعة شعبية واسعة.

وبدلا من أن تجلي وزارة النقل الغموض المحيط بهذا الملف ذهبت نهاية الأسبوع الماضي نحو تعميق الشكوك بشأن الفوضى التي تسيطر على أداء مختلف المؤسسات الحكومية، معلنة أن المفاوضات مستمرة مع شركة دايو الكورية الجنوبية، ما تسبب في المزيد من الحيرة في أوساط المتابعين.

وقالت الوزارة “منذ تسلم حكومة السيد الكاظمي مهامها أولت ميناء الفاو الكبير أهمية كبرى وباشرت بالخطوات الفعلية للتنفيذ فتم التفاوض مع شركة دايو الكورية لعدة أسباب منها: لديها قرار من مجلس الوزراء السابق باستثنائها من شروط العقود الحكومية من أجل الإسراع ورفع وتيرة العمل، كما أن آليات ومكائن الشركة وملاكاتها الهندسية والفنية موجودة في أرض العمل مما يوفر وقتا وجهدا أسرع، وأخيرا فإن دايو نفذت بنجاح كاسر الأمواج الغربي للميناء”.

وأضافت “بناء على ما تقدم تم التفاوض لمدة ثلاثة أشهر من قبل وزارة النقل متمثلة في السيد الوزير والكادر المتقدم فيها مع المدير السابق للشركة وكادرها المتقدم بوجود أعضاء من لجنة الخدمات النيابية ولجنة النزاهة النيابية، وتم التوصل لاتفاق مبدئي لتنفيذ خمسة مشاريع وبعمق حوض الرسوّ والقناة الملاحية بعمق 19.8 بمبلغ إجمالي قيمته ملياران و370 مليون دولار وبمدة تنفيذ تمتد إلى ثلاث سنوات”.

وبعد تعيين المدير الجديد لمشروع ميناء الفاو، وفقا لوزارة النقل، “حضر الجانب الكوري المتمثل في شركة دايو وعلى رأسهم معاون مدير شركة دايو القادم من سيول، إذ طالبت شركة دايو برفع سقف مبالغ التنفيذ من مليارين و370 مليون دولار إلى مليارين و800 مليون دولار في ما لو أرادت الوزارة الوصول إلى أعماق 19.8”.

وقالت وزارة النقل إن الوزير الشبلي رفض هذه المطالب، وأعطى الشركة مهلة ثلاثة أيام للعدول عن قرارها والالتزام بالاتفاق المبدئي الأول.

لكن شركة دايو رفضت الالتزام بالاتفاق الأول، على حد وصف وزارة النقل العراقية، وأصرت على “إضافة المبلغ الإضافي وزيادة مدة التنفيذ، ما دفع الوزير إلى الرفض”.

وأكدت وزارة النقل “المفاوضات لازالت مستمرة”، من دون أن تعلق على الأنباء المتداولة بشأن سحب العقد من الشركة الكورية.

لكن مصادر حكومية على اطلاع بتفاصيل هذا الملف، أكدت لـ”العرب” أن “أصل العقد الموقع مع الشركة الكورية يتضمن سعرا مخالفا للسعر الذي تريد وزارة النقل دفعه لقاء تحقيق هذا المستوى من العمق”، مؤكدة أن الفارق بين السعرين كبير، ويصب في صالح وزارة النقل، ما دفع الشركة الكورية إلى التصلب في موقفها.

ولا تستبعد المصادر أن تكون وزارة النقل استخدمت هذا التكتيك مع الشركة الكورية لإرغامها على ترك العمل، بعدما تجاوزت حادثة وفاة مديرها الميداني السابق وتمسكت باستكمال المشروع.

العرب