عقبات على بايدن وإيران حلها وصولا إلى الاتفاق النووي

عقبات على بايدن وإيران حلها وصولا إلى الاتفاق النووي

تعد إيران من الدول المحورية على أجندة الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن، وقد اعتبر البعض أن ثمة انفراجة تنتظر منحنى العلاقة بين البلدين، والتي تراوح بين التوتر والتعاون والعداء طوال 40 عاماً، إلا أن هذا المنحنى وصلت قمة عدائه وتوتره خلال فترة الرئيس دونالد ترمب، مما جعل بعض الإيرانيين يعتبرون أن قدرة وكفاءة استمرار النظام الإيراني أو استمرار التدهور في شرعيته، يتوقفان على إما أن يتحمل أربع سنوات مقبلة خلال ولاية ثانية لترمب، أو ولاية جديدة لبايدن تخرجه من سياسة الضغط الأقصى.

إن جزءاً مما عزز التوقعات الإيجابية لبعض الإيرانيين تجاه المرحلة المقبلة، هي النية المعلنة للطرف الإيراني وبايدن للدخول في الاتفاق النووي، لكن في واقع الأمر، فإنه منذ عام 2015 (عام توقيع الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة دول 5+1) وحتى اللحظة الراهنة، جرت في النهر مياه كثيرة. ويمكن القول إنها أتت بمستجدات تشكل تحديات أمام طهران والإدارة الأميركية الجديدة للعودة مرة أخرى للاتفاق النووي.

ويذكر أن هذه التحديات أو العقبات ترتبط بكلا الطرفين، ولا بد من العمل على تذليلها أو التفاهم في شأنها أولاً للوصول إلى الاتفاق النووي، والتي يمكن أن نحصرها في التحديات الآتية:

أولاً، أثقل ترمب طريق التفاوض مع إيران بجولات من العقوبات المرتبطة بنشاط تمويل الإرهاب، والتي فُرضت على القطاع المصرفي والمالي والطاقة، مما حدا بالمبعوث الأميركي إلى إيران إيليوت أبرامز أن يقول إن إيران لم يعد يتبق في احتياطاتها سوى 10 مليارات دولار، وانعكس ذلك في قدرتها على تمويل الميليشيات، ومنها الدعم المالي المقدم لـ “حزب الله”. وأيضا أعلن أبرامز أن إدارة ترمب ستستمر بفرض العقوبات حتى 20 يناير (كانون الثاني) المقبل.

كل ذلك بلا شك يعقّد المسار السياسي والتفاوضي بين طهران وإدارة بايدن للاتفاق والتخلص من تلك العقوبات مرة أخرى، بخاصة وأن الكونغرس ومجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه الجمهوريون، قد يعرقلون أي مسار يتجه نحو إعادة رفع العقوبات.

وفي ظل التدهور الذي اتسمت به علاقة طهران وواشنطن، فمن جهة تمت تسمية معظم الكيانات الإيرانية حتى الحكومية والعسكرية مثل الحرس الثوري منظمات إرهابية، وفي المقابل، سمّت إيران الجيش الأميركي كذلك، كما قامت الميليشيات العراقية بمهاجمة بعض الأهداف والجنود الأميركيين في العراق، أي أن هناك صعوبة أمام قدرة بايدن على رفع العقوبات مرة واحدة، من دون معارضة من الكونغرس.

أما العقبة الثانية فهي حول شروط الطرفين للتفاوض، فعلى الرغم من كون بايدن مؤيداً للمسار الدبلوماسي والتفاوضي مع طهران حين كان جزءاً من الإدارة الأميركية التي أبرمت الاتفاق عام 2015، إلا أن طهران تشترط أن تقوم الولايات المتحدة بتعويضها عما أصابها من خسائر اقتصادية جراء سياسة الضغط الأقصى، كما أعلن جواد ظريف أنه لا تفاوض على بنود جديدة، لا سيما وأن بعض بنود الاتفاق المبرم عام 2015 أوشكت على الانتهاء، ومن ثم لا تريد إيران البدء من جديد.

في المقابل، يشترط بايدن أن تعود الولايات المتحدة للاتفاق من خلال إطار أوسع يشمل النشاط الإيراني الإقليمي، وبالتأكيد سيركز أيضاً على ملف حقوق الإنسان في طهران، لكنه لم يتناول الحديث عن منظومة الصواريخ الباليستية، فهل إذا تم تناولها ضمن هذا الإطار الأوسع ستوافق إيران على تضمينه، لا سيما وأن طهران استثمرت بكثافة في القدرات اللامتماثلة، ومنها منظومة الصواريخ الباليستية، على اعتبار أن تضمن لها تعويض أوجه القصور في أسلحة الدفاع التقليدية؟ وهل سيحدث انغلاق عن التفاوض في شأن هذه القضية؟ أم سيتم طرح ورقة أخرى بديلة عنها؟

العقبة الثالثة التي ينبغي العمل على حلها تتعلق بكون الرئيس حسن روحاني ومعه جواد ظريف كانا من أوائل من دعا بايدن إلى العودة للاتفاق، واحترام الولايات المتحدة تعهداتها الدولية، وأن الأجواء أصبحت مهيأة، بحسب ما قال روحاني، وبالطبع لدى روحاني أمنية أن تتم العودة للاتفاق أثناء الأشهر القليلة الباقية من ولايته، لتحسين صورة إدارته المتآكلة أمام المواطنين، لكن من المؤكد أنه حينما يتسلم بايدن شؤون الإدارة الأميركية في يناير (كانون الثاني) المقبل، ستكون هناك بضعة أشهر قبل الانتخابات الرئاسية في إيران، والمقرر إجراؤها في يونيو (حزيران) المقبل، مما يعني أنه سيتعين على بايدن الانتظار حتى إجراء انتخابات جديدة، وما ستسفر عنه من إدارة تريد إيران تصديرها إلى العالم، لا سيما وقد سيطر المتشددون على كثير من مؤسسات الدولة، فضلاً عن دعوة المرشد مرات عدة إلى اختيار رئيس ثوري ومتشدد. وحتى في ظل بروز الحديث عمن يخلفه كمرشد أعلى، دعا إلى اختيار مرشد ذي أفكار ثورية يحافظ على ثورية النظام، ويضمن استمرار نظام ولاية الفقيه، فضلاً عن أن هناك بعض الأسماء المتداولة لانتخابات الرئاسة، وقد أتت من قلب مؤسسة الحرس الثوري، أي أن هناك محاولات لعسكرة السلطة التنفيذية الإيرانية، مما يعني أن السياسة الإيرانية في عهد رئيس ينتمي للحرس الثوري ستكون أكثر عسكرة ودعماً لتأسيس كثير من الميليشيات، وستواجه المنطقة إيران ليست متشددة وحسب، بل وعسكرية، فضلاً عن زيادة سطوتها الاقتصادية في الداخل، ومن ثم عرقلة وصول الاستثمارات الأجنبية إلى السوق الإيرانية.

كل ذلك يتزامن مع فقدان النظام جزءاً من شرعيته، وحتى الإصلاحيين منهم، في ظل الأداء المتدهور لأزمة كورونا والوضع الاقتصادي، مما جعل التظاهرات تندلع على مدى عامين، منددة برموز التيارين الإصلاحي والمتشدد.

وفي سياق كهذا، ونتائج انتخابات رئاسية لا يمكن لبايدن أن يعود معها للاتفاق النووي ليسهل اندماج إيران في المجتمع الدولي، في وقت قد يترأس النظام وجه عسكري يقوّض الأمن والاستقرار الإقليمي، إلى جانب ملف حقوق الإنسان داخلياً.

وهنا تثار التساؤلات حول موقف إيران التي دخلت الاتفاق النووي لإدراكها أنه الإطار الذي سيمنحها شرعية العودة للمجتمع الدولي والاندماج معه اقتصادياً وسياسياً والاعتراف بها، لذا فإن الاتفاق النووي كإطار دولي متعدد الأطراف يمنحها مكانة دولية أهم من السلاح النووي ذاته، فهل يمكن لطهران أن تغير ميزان القوى الداخلية ليصبح لمصلحة الإصلاحيين، ومن ثم تشجيع إدارة بايدن على العودة إلى الاتفاق مجدداً؟ أم سيرفض المتشددون والحرس الثوري التنازل لمصلحة الإصلاحيين عن المكاسب التي حققوها في ظل إدارة ترمب؟ أم سيطرح الإيرانيون ملفات أخرى تتعاون فيها مع مصالح الولايات المتحدة، على غرار آسيا الوسطى وباكستان؟ فلا يفوت هنا التعاون الأمني بين إدارتي بوش الابن وأحمدي نجاد، على الرغم من انتماء أحدهما للمحافظين الجدد والآخر للمتشددين.

وقد تثار هنا التساؤلات حول العلاقة بين إيران والصين التي دخلت معها في تحالف استراتيجي لمدة 25 عاماً، وتشابكها مع مصالح روسيا في ملفات أخرى، فهل ستكون علاقة إيران بهما أحد الملفات التي سيتم التفاوض أو التنازل في شأنهما أمام إدارة بايدن من جانب إيران؟

إن كل ما سبق من عقبات يجب تذليلها، أو بالأحرى حسمها، قبل المضي في طريق عودة الطرفين للاتفاق مرة أخرى، إذ إن جو بايدن تقوم عقيدته على عدم اللجوء إلى القوة المسلحة إلا إذا مُست المصالح الأميركية، وكانت نتيجة توظيفها مضمونة، فضلاً عن إيمانه بعقد التحالفات والعلاقات الشخصية لمصلحة السياسة الخارجية، إلى جانب رؤيته ضرورة التعاون مع الشركاء والحلفاء الدوليين. وبلا شك فإن وجوده أكثر ملائمة لرغبة الأوروبيين في حدوث انفراج تجاه ملف طهران، ومساعدتها على جني نتائج الاتفاق النووي اقتصادياً، ومن ثم ربما يتم استحداث آليات فعالة وغير معرقلة من جانب الولايات المتحدة، تمكن الإيرانيين من التعامل اقتصادياً مع السوق الدولية، على غرار الآلية الأوروبية والسويسرية للمساعدات الإنسانية، أو استصدار بعض القرارات التنفيذية الموقعة من الرئيس التي تسمح بحدوث تحسن طفيف اقتصادياً، كنوع من الإغراءات والحوافز لحثّ الإيرانيين على النزوع نحو الاعتدال، بدلاً من التشدد.

لكن الأمر المؤكد أن العودة للاتفاق ستعنى إعلان المرشد مرة أخرى الموافقة على التفاوض مع الولايات المتحدة، مثلما حدث عام 2015. كما ستقوم إيران بالعودة لطرح مشاريع التعاون الإقليمي على دول الخليج مرة أخرى، على أمل دعمها من إدارة بايدن التي تؤمن بالتحالفات والأطر متعددة الأطراف للتعاون الدولي، والتي سيعنيها كإدارة أميركية استقرار أمن الخليج وأسعار الطاقة، ولا نعني هنا الاعتماد على النفط القادم من الشرق الأوسط، فمعروف تضاؤل اعتماد الولايات المتحدة عليه أخيراً. ومع ذلك تظل الولايات المتحدة والغرب معنيين باستقرار تدفقات وأسعار الطاقة عالمياً، كما لا يخفى أن ذلك يعني إعادة الهدوء وخفوت التهديد العسكري ضد طهران، مما يمنحها فترة راحة بعد توتر دام أربع سنوات.

هدى رؤوف

اندبندت عربي