ما علاقة استقالة صهر أردوغان وإقالة محافظ البنك المركزي التركي بخسارة ترامب؟

ما علاقة استقالة صهر أردوغان وإقالة محافظ البنك المركزي التركي بخسارة ترامب؟

قال موقع ‘‘ميديابارت’’ الاستقصائي الفرنسي إن مغادرة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب البيت الأبيض لا تصب في مصلحة دول كتركيا، التي سيتعين عليها إظهار بوادر حسن النية للإدارة الأمريكية الجديدة. وقد تكون الاستقالة الأخيرة لوزير المالية والخزانة التركي بيرات البيرق، صهر الرئيس رجب طيب أردوغان، إحدى بوادر حسن النية هذه من أنقرة، يقول الموقع الفرنسي، مشيراً إلى أن البيرق كان يعد أحد الشخصيات الرئيسية في نظام أردوغان، لدرجة أن البعض اعتبره خليفته المحتمل.

وأوضح ‘‘ميديابارت’’ أن التركي بيرات البيرق، البالغ من العمر 42 عاماً، قدم للرئيس أردوغان خدمات عديدة، بما في ذلك السيطرة على وسائل إعلام المعارضة وإدارة شركة نقل عراقية بشكل سري، وقاده ذلك إلى أن يصبح وزير الطاقة في عام 2015 ثم وزير المالية والخزانة في عام 2018، مما جعل منه ثاني أقوى رجل في البلاد.

صهر أردوغان أصبح في السنوات الأخيرة الرجل الذي يتحدث مباشرة مع دونالد ترامب ومع كوشنر

وأشار الموقع الفرنسي إلى أن صهر أردوغان أصبح في السنوات الأخيرة الرجل الذي يتحدث مباشرة مع دونالد ترامب، أو بتعبير أدق مع صهر الرئيس الأمريكي غاريد كوشنر، الذي عينه والد زوجته مبعوثًا خاصًا للشرق الأوسط. ففي تشرين الثاني (نوفمبر) 2019، كشفت صحيفة نيويورك تايمز عن تفاصيل هذه الدبلوماسية العائلية.

والآن، يتابع ميديابارت، بعد فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، سيضطر غاريد كوشنر، مثل معلمه، إلى حزم حقائبه بحلول العشرين من يناير/كانون الثاني المقبل. ويبدو أن العلاقة المتميزة التي حافظ عليها صهر أردوغان مع صهر ترامب أصبحت عبئًا، لأن وزير الخزانة والمالية التركي، المستقيل، تدخل في مواضيع حساسة خلال اجتماعاته غير الرسمية في المكتب البيضاوي بالبيت الأبيض، مثل الدعوى القضائية التي رفعت في نيويورك ضد بنك Halkbank التركي، الذي تمت مقاضاته لخرقه العقوبات الأمريكية ضد إيران بشكل كبير – وهي قضية تورطت فيها بشكل مباشر حاشية أردوغان – أو شراء تركيا لأنظمة الصواريخ الروسية S-400 المضادة للطائرات. في الحالتين، حجب دونالد ترامب العقوبات التي كانت تهدد أصدقاءه الأتراك.

ونقل ‘‘ميديابارت’’ عن غونول تول، مدير برنامج تركيا في معهد الشرق الأوسط (MEI)، ما كتبه في مقال نشر في 9 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، وهو أن هذين الملفين سالفي الذكر بالتحديد ‘‘سيذكران أردوغان بوجود ساكن جديد للبيت الأبيض’’، إذ سيذكر الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن نظيره التركي رجب طيب أردوغان بما قاله له قبل أربع سنوات، عندما كان نائبا للرئيس في عهد الرئيس باراك أوباما، وتوجه إليه أردوغان بمطالب مماثلة: ‘‘إن هناك دولة قانون وفصل السلطات في هذا البلد’’.

ومضى ‘‘ميديابارت’’ إلى القول إن الاستقالة غريبة لبيرات البيرق، كما أعلن عنها مساء الأحد فقط على حساب الوزير على إنستغرام لـــ‘‘أسباب صحية’’. وترى صحيفة ‘‘بيرغون’’ اليسارية التركية في افتتاحية جماعية أنها ‘‘ليست من قبيل الصدفة أن تأتي مباشرة بعد الانتخابات في الولايات المتحدة. والسبب هو أن الوزير البيرق مرتبط منذ البداية في قضية Halkbank.

وقال ‘‘ميديابارت’’ إن بيرات البيرق أصبح أيضا يجسد سياسة اقتصادية متمردة، والتي انتقدها العالم المالي مرارًا وتكرارًا، داعياً إلى الحفاظ على أسعار الفائدة المنخفضة في جميع الظروف لدعم النشاط الاقتصادي، مما أدى إلى انخفاض سريع في قيمة الليرة التركية مقابل الدولار واليورو (-34٪) منذ بداية العام، (50٪) على مدى 30 شهرًا. هذا الانهيار، أجبر البنك المركزي التركي، هذا الخريف، بناءً على أوامر من الرئيس وصهره على تبديد احتياطياته من العملات الأجنبية لدعم العملة الوطنية. ويبدو أن هذه الاستراتيجية كلفت تركيا أكثر من 100 مليار دولار (85 مليار يورو) هذا العام، وفقًا لتقديرات مجموعة غولدمان ساكس، نقلاً عن وكالة بلومبرغ. ويبدو أن تركيا أضحى لديها 18 مليار دولار فقط من صافي الاحتياطيات المتبقية.

واستقالة البيرق، سبقتها بــ 48 ساعة إقالة محافظ البنك المركزي مراد أويسال، بأمر من الرئيس أردوغان، الذي استبدله بناسي أغبال، مدير الاستراتيجية والميزانية لرئيس الدولة، وأحد المقربين منه. فيما يعد أويسال صديقاً مقرباً من صهر الرئيس. إقالة أويسال واستقالة البيرق، رأى فيهما المحللون والأسواق إشارة إلى العودة إلى سياسة اقتصادية تقليدية أكثر، مشيدين بهذا التطور، الذي أحدث ارتفاعا حادا في قيمة الليرة التركية (+ 5.5٪ يوم الإثنين الماضي مقابل اليورو). ولدى وصوله، أعلن الرئيس الجديد للبنك المركزي التركي تمسكه بـ ‘‘مبادئ الشفافية والمسؤولية والقدرة على التنبؤ’’، الأمر الذي يبدو أنه يضفي مصداقية على هذا السيناريو.

وأشار ‘‘ميديابارت’’ إلى أن الرئيس التركي أردوغان، وبعد عدة أيام من الصمت، أرسل أخيرًا رسالة تهنئة إلى جو بايدن في 10 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، رأى فيها ‘‘ضرورة تطوير وتعزيز’’ العلاقات التركية الأمريكية “على أساس المصالح والقيم المشتركة. لكن يبدو من المسلم به بالفعل أن العلاقات بين الرجلين لن تصل إلى ‘‘الصداقة الحارة’’ التي تحدث عنها الرئيس التركي في الرسالة التي أرسلها إلى دونالد ترامب في نفس اليوم. فجو يايدن، يعرف جيدا أردوغان، يوضح الموقع الفرنسي، مذكراً أن الرجلين التقيا عدة مرات خلال فترة تولي الرئيس الأمريكي المنتخب منصب نائب الرئيس في إدارة باراك أوباما. ومن الواضح أنه ليست هناك ‘‘كيمياء’’ بينهما.

يبدو من المسلم به بالفعل أن العلاقات بين الرجلين لن تصل إلى ‘‘الصداقة الحارة’’

وكانت مداخلتان مسجلتان بالفيديو للسياسي الديمقراطي (بايدن)، يرجع تاريخهما إلى عام 2019، وتم نشرهما على الإنترنت في أغسطس/آب الماضي، قد أثارتا غضب أنقرة: في الأولى، يعود بايدن إلى تصرفات أردوغان ‘‘المشينة’’ في إطار الحرب ضد ‘‘تنظيم الدولة’’ في سوريا والعراق، معتبرا أن تركيا هي المشكلة الحقيقية، وسيكون سعيدًا بإجراء محادثة مغلقة حقيقية مع السيد أردوغان وإخباره أنه سيدفع ثمناً باهظاً لما فعله. وفي الفيديو الثاني، المأخوذ من مقابلة مع صحيفة ‘‘نيويورك تايمز’’ الأمريكية، يقترح بايدن دعم قادة المعارضة التركية رسميًا ‘‘حتى يتمكنوا من مواجهة أردوغان وهزيمته – ليس عن طريق الانقلاب، ولكن عن طريق العملية الانتخابية’’.

وينقل ‘‘ميديابارت’’ عن أسلي أيدينتاسباس، المتخصصة في شؤون تركيا في المجلس الأوروبي للعلاقات الدولية (ECFR)، قولها إن لدى أنقرة اليوم قلقا حيال موضوعين رئيسيين فيما يتعلق بالإدارة الأمريكية الجديدة: ‘‘أن يعيد بايدن تقديم خطاب تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان في العلاقات الثنائية. أو يدعم سياسات الهادفة إلى احتواء النفوذ التركي في ليبيا وشرق المتوسط ​​وسوريا’’.

ويمكن أن تتحمل تركيا أيضًا العبء الأكبر من ألعاب القوة القادمة داخل جهاز الدولة الأمريكي، يقول المحلل غونول تول، معتبراً أنه في الوقت الذي سيضطر فيه بايدن للقتال لإيجاد أرضية مشتركة مع مجلس الشيوخ الذي يحتمل أن يهيمن عليه الجمهوريون، فإن ‘‘معاقبة أردوغان على شراء صواريخ إس -400 الروسية قد تكون طريقة ملائمة لبناء جسور إلى الجانب الآخر’’.

ويخلص المحلل إلى أن ‘‘كل هذا لا يوحي بأن بداية جديدة في العلاقات الثنائية، كما اقترح البعض في واشنطن وأنقرة، أمر مستحيل.. فببساطة، ستشترط الإدارة الأمريكية الجديدة على أردوغان تقديم المزيد من التنازلات’’.

القدس العربي