تعرّضت السودان، جارة أثيوبيا، لموجة كبيرة من اللاجئين المدنيين والعسكريين زادت عن 20 ألف شخص، وهو ما يعدّ إشارة أولى إلى الاحتمالات التي سيؤثر بها نزاع الحكومة المركزية الأثيوبية مع إقليم تيغراي، على المنظومة العربية، كما على الإقليم الذي فيه امتدادات للإثنيات والقوميات والأديان الموجودة في اثيوبيا، ناهيك عن الدول الطامحة للعب دور في هذه المنطقة المهمة، وفي أفريقيا عموما.
الإشارة الثانية للتأثير العربي على الصراع جاء من تصريحات أدلت بها الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، التي قالت إن سلطات البلاد المركزية تستخدم طائرات مسيّرة إماراتيّة لقصف تجمعات مدنية في الولاية، وكذلك الدور الذي لعبته أبو ظبي في جسر العلاقة بين أريتريا وأثيوبيا ضمن خططها للسيطرة على سواحل اليمن، ولمواجهة تركيا، التي تمكنت من وضع موطئ قدم في منطقة سواكن على البحر الأحمر.
لا ننسى، في هذا السياق، التوتّر الكبير الذي تصاعد بين مصر والسودان، من جهة، والحكومة الأثيوبية، من جهة أخرى، حول قرار أديس أبابا بناء سد النهضة والمفاوضات التي ما تزال جارية بخصوصه، وهو ما كشف أيضا الطابع الدولي للحدث مع تدخل إدارة ترامب لصالح القاهرة عبر محاولة دفع رئيس الوزراء الأثيوبي آبي أحمد للتنازل لصالح القاهرة، وهو ما يظهر أهمية الدور الذي تنيطه الإدارة الأمريكية بنظام عبد الفتاح السيسي، وفي المقابل فقد واجهت تهديدات القاهرة بتدمير السد تحذيرات قوية من الصين وروسيا والهند والاتحاد الأفريقي.
تعتبر أثيوبيا ثاني أكبر دولة أفريقية من حيث عدد السكان (أكثر من 100 مليون نسمة) وتكمن جذور الصراع الحالي في فترة الصراع المسلح ضد منغستو هيلي ماريام «الشيوعي» والذي أدت سياساته إلى مجاعات فتكت بقرابة ثمانية ملايين شخص، وقد تمكنت المعارضة من الاتحاد عام 1988 إثر مؤتمر عقد داخل الأراضي السودانية، وأعطيت قيادة تحالف التنظيمات المسلحة إلى تيغراي، التي كانت الأكثر تسلحا وتنظيما.
تمكنت هذه القوميةـ والتي لا تزيد عن 6٪ من عدد سكان البلاد، بعد استيلاء تحالف التنظيمات المسلحة على الحكم عام 1991، من السيطرة على مفاصل الحكم لقرابة 20 عاما خلال فترة رئاسة تاميرات لاينه ومليس زناوي، ولعب مسؤولوها على التناقضات والخلافات بين الأطراف الأخرى، وبدأت التغيرات الديمقراطية عمليا انطلاق احتجاجات شعبية بين 2015 و2017 من قبل الأورومو، المجموعة العرقية التي تشكل 40٪ من سكان البلاد، واختارت جبهة تحرير الأورومو آبي أحمد، الضابط السابق في استخبارات الجيش رئيسا لها، والذي حصل أيضا على دعم مجموعة الأمهرو، وهو من أب مسلم وأم وزوجة مسيحيين من قبيلة تيغراي.
ينبع النزاع الحالي عمليا من رفض إقليم التيغراي للتجربة الديمقراطية التي تعتمد الأغلبية الانتخابية، وهو ما سيمنعها من العودة للحكم، وسوف يكون طبيعيا، في عالم السياسة، أن تلجأ «الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي» إلى تحالفات خارجية والمقاومة المسلحة للنظام، وإذا كان منع الحرب الأهلية، وتأكيد سيادة الحكومة على البلاد أولوية، فإن هذا لا يبرر، بالتأكيد، أي عمليات عنف خارجة عن القوانين الأممية المعتمدة، وإضافة إلى آلاف اللاجئين، فإن العنف المفرط سيؤدي لتدخّلات إقليمية، كما أن ارتكاب الحكومة المركزية لجرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية سيكون ضربة كبرى للتجربة الديمقراطية وإيذانا بتغيير ليس في صالح الأثيوبيين، ولا جاراتها العربيات، خصوصا السودان التي تحاول تطوير ديمقراطيتها المعاقة بسيطرة العسكر.
القدس العربي