العراق بين مزمار بايدن وفحيح أفاعي التقسيم

العراق بين مزمار بايدن وفحيح أفاعي التقسيم

من المؤمل أن ينظر قادة أحزاب نظام المحاصصة الطائفية من العرب السنة والشيعة، إلى فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن للانتخابات الأمريكية، بحالة من التفاؤل والاطمئنان، نتيجة للتطابق في وجهات النظر، بين الثقافة الطائفية التي تحملها هذه الأحزاب، والشكل الذي يراه الرئيس الأمريكي المنتخب مناسبا للعراق في المستقبل.
بعد ان استطاع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من خلال تعامله بقسوة مع أحزاب وأذرع إيران في العراق، من إلغاء المزايا التي وفرتها إدارة الرئيس أوباما لإيران، سواء تعلّق الأمر بتقليم أظافرها، من خلال اغتيال فاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، أو عن طريق إعادة التفاوض في ملف الاتفاق النووي، الذي وضع على رأس أولوياته إنهاء المشروع القومي الفارسي، من خلال فرض العقوبات على نظام الولي الفقيه وميليشياته المسلحة.
ففي الوقت الذي تراهن طهران على احتمال أن يكون فوز بايدن الطريق لكسر العزلة، وإنهاء العقوبات المفروضة عليها، منذ تولي ترامب للسلطة منذ أربع سنوات، رغم أن السياسة الأمريكية بصورة عامة لا تتغير إلا بتغير المصالح، وأن من الصعب على أي رئيس أمريكي، مهما اختلفت حساباته وميوله أن يغيرها، سواء تعلقت بمصالح الولايات المتحدة الأمريكية مع دول الشرق الأوسط، أو في ثبات استراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية في علاقتها الحيوية مع إسرائيل، أو موقف إيران وحلفائها في العراق، ودول المنطقة منها، حيث تبقى فريضة والتزام القوة العظمى الأولى في العالم لحماية إسرائيل، شرطا أساسيا لاختيار الرئيس وضبط صلاحياته، ومحاسبته هو وحزبه خلال الانتخابات، وهو واقع يجعل من السهولة على بايدن، الاستفادة من حالة الصراع بين المعسكرين.

لا شك في أن وصول جو بايدن لرئاسة الولايات المتحدة سيعيد لا محالة المشهد السياسي العراقي إلى مربع تقسيمه الأول

وكتحصيل حاصل، قد يتحول العراق إلى ساحة لتقاطع المواقف الإقليمية من الاستراتيجية الأمريكية، التي سيطبقها الرئيس الأمريكي الجديد، وبالتالي انقسام العراق بين معسكري التطبيع والمقاومة، الذي سيدفع لا محالة بالسنة والشيعة إلى اختيار الجهة الملائمة لثقافته الطائفية، إذا أخذنا بعين الاهتمام، حقيقة الموقف الأمريكي الثابت مع حلفائه من الدول الخليجية النفطية، وسعي بايدن للعودة إلى علاقات جديدة مع إيران تخدم مصالح الولايات المتحدة الأمريكية، وتغض الطرف عن مشروعها القومي المبطن بالدين السياسي المذهبي، الذي قد يساهم في تحقيق أهداف الرئيس الجديد، ويدفع بالمشروع الذي طرحه، عندما كان عضواً في مجلس الشيوخ الأمريكي عن ولاية ديلاوير عام 2006. ومن ثم أعاد طرحه، بصفته نائباً للرئيس الأمريكي، عبر صحيفة «واشنطن بوست» من خلال تأكيده على أن «الولايات المتحدة تدعم نظاماً فيدرالياً في العراق على أساس ثلاثة أقاليم سنّية وشيعية وكردية».
وهذا ما قد يدفع بزعماء أحزاب عملية المحاصصة، من الذين بعثوا برقيات التهنئة الى الرئيس الامريكي المنتخب بايدن، من الذين تتلاقى أهدافهم الفئوية مع الأجندة التي يحملها الرئيس الأمريكي الجديد، من المتلونين مع تلون المشهد العراقي، بالتأقلم مع الحالة الجديدة. فتارة تراهم بوقا من أبواق المقاومة الوطنية ضد الغزو الأمريكي، وبقاء التواجد الأمريكي والمطالبة بحرق السفارة الأمريكية، وتارة سندا لدعم نظام المحاصصة، والآن نراهم يتكلمون عن ضرورة تقسيم العراق، بعد أن بدا لهم في وصول الإدارة الأمريكية الجديدة للسلطة، الفرصة لبقائهم في مناصب الفساد والتبعية وعلى حساب تقسيم العراق. فمن المتوقع أن يطمئن نوري المالكي وهادي العامري ومن يقف خلفهما من ميليشيات إيران، لخسارة ترامب، حيث استفاد قادة هذه الأحزاب من العلاقة الجيدة التي كانت تربط إدارة أوباما ونائبه بايدن بإيران، إذ سمح تواطؤ هذه الإدارة وتشجيعها للتدخل الإيراني، على استمرار بقاء النظام الطائفي، من خلال السماح لأذرع إيران من الميليشيات الولائية، ببسط نفوذها، بعد ان تم تدريبها وتسليحها، سعيا لنشر الفوضى وتمهيداً للوصول إلى حالة من الفرز الطائفي، كمرحلة أولى للمضي قدما في تنفيذ مخطط تقسيم البلاد.
وكما هو حال نوري المالكي، فمن المؤكد أيضا أن يطمئن مشعان الجبوري والحلبوسي بفوز بايدن، في الانتخابات الأمريكية، سعياً للوصول إلى تنفيذ أمنيتهم التي عارضوها في العلن سابقا ويساندونها حاليا، بحجة أن «مزاج المكون السني الذي يزعمون تمثيله، يتجه إلى دعم أي محاولة للتخلص من ممارسات الميليشيات الولائية، بما في ذلك المطالبة بالاستقلال أو الانفصال أو الأقلمة أو الانضمام إلى كيانات أخرى». لتصل بأحدهم الحماقة في النهاية إلى حد دعوة العرب السنة في بغداد إلى مغادرة مدينتهم، وإبدال هويتهم العراقية بدولته السنية واللجوء إلى المنطقة الغربية، انسجاما مع ما قد يخطط وينفذ في واشنطن، سعيا لتموضع جديد، ينال إعجاب بايدن، ويضمن له البقاء على كرسي الحكم.
لا شك بأن وصول جو بايدن لرئاسة الولايات المتحدة قد يكون أشبه بوصول عازف المزمار ورقصة الأفاعي، التي ستعيد لا محالة المشهد السياسي العراقي إلى مربع تقسيمه الأول، سعيا لتنفيذ سيناريو تقسيم العراق الذي بدأنا نلمسه فعليا وعملياً، من خلال تصريحات أمراء الطوائف والقوميات، التي تطالب وتدعم سياقات التقسيم وارتباطها بحكم الأمر الواقع، متخذة من حالة استمرار الصراع الطائفي وغياب الدولة، وفشل دستورها في إرساء الحرية وحقوق العراقيين في دولة المواطنة.
وفي الوقت الذي مازال مصطفى الكاظمي يبحث عن مزماره للرقص مع الثعابين، قد تجعل برقيات التهنئة التي أرسلها قادة وأمراء الأحزاب الطائفية، من جو بايدن، صاحب المزمار الفاعل في العراق. إنه مزمار الرئيس الأمريكي الجديد القادر على تحريك أفاعي التقسيم التي تمثلها الأحزاب الحاكمة، والتي أضحت بوصوله، عرابة مشروعه ورأس حربته في الساحة العراقية.

أمير المفرجي

القدس العربي