يبدو أن المفاوضين من الكوريتين نجحوا في حل أزمة الشهر المنصرم، حيث تسبب استخدام كوريا الجنوبية مكبرات الصوت لإذاعة رسائل عبر المنطقة منزوعة السلاح في تهديد بالحرب من قِبَل الشمال.
وهو نبأ سار بالنسبة للمنطقة والعالم؛ ففي خضم المخاوف المتنامية بشأن الاقتصاد الصيني، هناك بالفعل وفرة من الأسباب الداعية للقلق إزاء الأحداث في شمال شرق آسيا، ورغم هذا فإن حالة عدم اليقين في ما يتصل بمستقبل كوريا الشمالية تحت حكم كيم جونج أون تظل باقية، وتقدم الواقعة الأخيرة فرصة مهمة لتقييم زعامته.
كان سلوك كيم متماشيا إلى حد كبير مع والده كيم جونج إل، وجده كيم إل سونج: افتعال الأزمة دون سبب واضح وتوقع المكافأة عن إنهائها. ولكن في الأزمة الأخيرة لم يحقق كيم أي مكسب يُذكَر؛ فلم تحصل كوريا الشمالية على صفقات غذائية جديدة، ولا مساعدات اقتصادية أو مالية، أو مساعدة في مجال الطاقة أو الزراعة، بل ولم تتلق كلمات دافئة من الصينيين. والواقع أنه من الصعب أن نجزم بالسبب الذي دفع كيم إلى إشعال هذه الأزمة في المقام الأول.
ويبدو أن ما حصل عليه كيم هو موافقة كوريا الجنوبية على وقف بث الرسائل، والتي تتضمن انتقادات شديدة التعبير لشخص كيم، وربما كان ذلك كافيا.
بكل المقاييس، يتمتع كيم بقدر ضئيل من الشرعية الشخصية في كوريا الشمالية. ففي التقاليد الكورية، يُعَد ائتمان أصغر المنتمين إلى الجيل الثالث على ثروة العائلة اقتراحا محفوفا بالمخاطر في بعض الأحيان. فقد ناضل والده كيم جونج إل بكل قوته لملء الفراغ الذي خلفه كيم إل سونج، ويبدو أن كيم جونج أون يواجه صعوبة أعظم في إدارة شؤون العائلة.
الواقع أنه أطلق العنان لما يسميه كثيرون عهد الإرهاب؛ فقد أعدم العشرات من كبار المسؤولين بعد إجراءات موجزة وبوحشية، في حين ترتعد فرائص آخرين من الخوف. وبرغم مشاريع البناء العَرَضية -متنزهات جديدة عادة- فإن كوريا الشمالية في عهد كيم جونج أون تسير بخطوات ثابتة إلى عالم النسيان.
ويعيش اقتصاد البلاد حالة من الفوضى مع تعرض قاعدته الزراعية بشكل متزايد -في غياب أي هندسة أو تكنولوجيا حديثة- لتقلبات الطقس، ويعكس القرار الذي اتخذته السلطات بالسماح للأسواق بالعمل الحاجة إلى تحويل الضرورة إلى فضيلة، كما كانت الحال مع الأنظمة الشيوعية المتآكلة في أماكن أخرى، فإن الحكومة لا تملك ترف تعويض المزارع الجماعية عن خسائر الناتج.
لقد غسلت الصين يديها من جارتها الصغيرة، وروسيا -التي لا تستطيع التودد إلى أصدقاء جدد في حين تناضل أيضا لإدارة اقتصادها الضعيف- ليست مهتمة بإحياء الصداقة القديمة مع الدولة التي تبدو كأنها تسير على مبدأ لا يتزعزع يتمثل في عدم الدفع لأي شخص في مقابل أي شيء.
كانت إحدى السمات المميزة لزعامة كيم جونج أون عدم اهتمامه بالتفاوض على إنهاء برنامج كوريا الشمالية للأسلحة النووية. والواقع أنه برغم المحاولات الصينية الحثيثة في السنوات الأخيرة لإعادة الحياة إلى ما يسمى المحادثات السداسية، فإن رد كوريا الشمالية كان يأتي بهدوء: “كلا، شكرا”.
لقد استثمرت كوريا الشمالية تحت حكم كيم جونج أون بكثافة وعملت جاهدة لتطوير صواريخ بالستية قادرة على حمل أسلحة نووية. ولم يُعط شركاؤها السابقون -بل والعالم أجمع- أي اختيار آخر غير تشديد العقوبات، وزيادة اليقظة، وفي حالة الولايات المتحدة وحلفائها تطوير دفاعات فائقة التكنولوجيا قادرة على جعل أسلحة كوريا الشمالية الهجومية عتيقة وبلا جدوى حتى قبل أن يُكشَف عنها النقاب.
أثناء عملية المحادثات السداسية، وعلى مدى أربع سنوات، كان محاورو كوريا الشمالية (الولايات المتحدة، وكوريا الجنوبية، والصين، وروسيا، واليابان) يعرضون على النظام ما يرقى إلى صفقة كبرى: إيقاف البرنامج النووي في مقابل مجموعة واسعة من المساعدات والضمانات، ولكن كيم جونج أون رفض الفوائد التي كانت ستترتب على الاعتراف بدولته عضوا في المجتمع الدولي في وضع جيد، وأظهر عزمه الواضح على قيادة بلاده إلى مسافة أبعد في البرية.
من السهل أن نفهم على هذه الخلفية لماذا بدأ العديد من المحللين التركيز على العواقب التي قد تترتب على زوال كوريا الشمالية بالنسبة للترتيبات السياسية على شبه الجزيرة الكورية. وعند نقطة ما، وبطريقة لا يمكن تحديدها بعد، سوف تصبح كوريا الشمالية عاجزة عن العمل، وسوف تصبح كوريا الجنوبية الدولة الخلف.
الواقع أن كثيرين من الكوريين الجنوبيين ليسوا على يقين من استعدادهم لقبول احتمال استيعاب سكان الشمال، وبرغم أنهم سوف يناقشون ويقررون بشأن التفاصيل، فإنهم لن يحظوا بترف الاختيار. ففي مواجهة هذا التحدي التاريخي، سوف يقبل الكوريون -واضعين في اعتبارهم آفاق أحفادهم وأمنيات أجدادهم- إعادة توحيد شطري شبه الجزيرة.
سوف تكون المهمة بالغة الضخامة، والواقع أن المثال الحديث نسبيا لإعادة توحيد شطري ألمانيا يقدم بعض الإرشاد، ولكن كوريا لا بد أن ترسم مسارها بنفسها، وهي لن تكون في احتياج إلى التخطيط السليم فحسب، بل هي في احتياج أيضا إلى الأصدقاء والحلفاء والشركاء في هذه العملية.
في الرابع من سبتمبر/أيلول، سوف تصل رئيسة كوريا الجنوبية باك غن هي إلى الصين في ثاني زيارة رسمية تقوم بها إلى البلاد، وسوف تكون في انتظارها أجندة كاملة من القضايا الحالية المطروحة للمناقشة. ولكن نظرا لزعامة كيم جونج أون البائسة في الشمال، فربما تكون فكرة جيدة أن تسعى إلى إيجاد بعض الوقت للحديث حول الكيفية التي قد تبدو عليها الحدود النهائية مع كوريا الموحدة.
كريستوفر ر.هل
الجزيرة نت