عشية الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الأميركية، أجرت إسرائيل مناورات عسكرية ضخمة، الهدف المعلن منها الاستعداد لحرب على الجبهة الشمالية الشرقية ضد حزب الله في لبنان وضد إيران والمتعاونين معها في سوريا .
وإثر تلك المناورات شرح مسؤولون إسرائيليون بالتفصيل ما سيقومون به في لبنان، والقوى العسكرية التي سيزجون بها في المعركة براً وجواً، في حرب هددوا أنها ستكون الأعنف في سلسلة الحروب التي خاضتها إسرائيل في لبنان ضد منظمة التحرير الفلسطينية ثم ضد حزب الله وما يمثله من امتداد إقليمي.
غير أنه بعد صدور النتائج الأولى للانتخابات الأميركية، التي أظهرت فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن على الرئيس الجمهوري دونالد ترمب، انكفأ الحديث الإسرائيلي عن حرب موضعية في لبنان وجنوب سوريا، وتقدم الكلام عن احتمال توجيه ضربة لإيران، سيودع بها ترمب ولايته الرئاسية، ليترك خليفته أمام وقائع جديدة سيصعب عليه تخطيها. وفي السياق جاءت زيارة المسؤول الأميركي عن الملف الإيراني إليوت أبرامز إلى إسرائيل ثم زيارة وزير الخارجية مايك بومبيو، الذي حرص على تقديم دعم معنوي مباشر للمستوطنات في الضفة، وتأكيد التعهد الأميركي بجعل القدس عاصمة للدولة العبرية وحماية قرارها ضم الجولان السوري
انطلقت التكهنات بهجوم على إيران بُعيد ظهور النتائج الأولية للانتخابات الأميركية، إلا أن تقريراً لصحيفة “نيويورك تايمز” الثلاثاء الماضي نقل عن مستشارين لترمب تراجعه عن المُضي في مشروعه، ومع ذلك واصل الإعلام الإسرائيلي تحليلاته انطلاقاً من أن فكرة الهجوم لا تزال قائمة قبل انتهاء الولاية.
ذكرى اغتيال سليماني
ورجح المحلل العسكري الإسرائيلي المعروف أليكس فيشمان، أن يحصل الهجوم الأميركي على المركز النووي في نطنز في مطلع يناير (كانون الثاني) المقبل، فيما تستعد الولايات المتحدة “لاحتمال أن ينفذ الإيرانيون هجوماً انتقامياً في الثالث من الشهر نفسه” في ذكرى مرور سنة على اغتيال قاسم سليماني .
وبينما سُجلت تحركات غير مألوفة للطيران الأميركي في شرق المتوسط نهاية الأسبوع الماضي، كشف فيشمان أن القيادة الأوروبية للجيش الأميركي جاهزة “لتدمير المنشآت النووية الإيرانية خلال ساعات …”، وقد طور الأميركيون لهذا الهدف قنابل تزن 16 طناً لتدمير مواقع في باطن الأرض كما في نطنز وقم.
وحسب المسؤولين الإسرائيليين، فإن الولايات المتحدة تنسق مع الإسرائيليين وتتبادل معهم المعلومات ولا يترك الجانبان مجالاً للمفاجآت، إذ إنه استناداً إلى تصريحات المسؤولين الإيرانيين، فإن أحد ردودهم على هجوم أميركي سيطول إسرائيل نفسها، إضافة إلى مواقع في الخليج وعلى امتداد الشرق الأوسط.
إيران تهدد بأن مجاهديها في الميدان
ويوم الخميس الماضي قال القائد العام للحرس الثوري الإيراني اللواء حسين سلامي أن إيران “لن تتقيد بمنطقة جغرافية محددة… للدفاع عن مصالحنا الحيوية”. واستطرد “لو أراد أحد تهديد (إيران) فمن المؤكد أنه سوف لن يجد نقطة آمنة لنفسه على وجه الكرة الأرضية”. وسلامي نفسه كان توعد في أغسطس (آب) الماضي بالثأر لسليماني “عاجلاً أم آجلاً” وقال “اليوم وعلى كافة الساحات، مواجهة العدو جارية … والمجاهدون باتوا في الميدان”.
مناخات الصدام متوفرة بقوة لكن ترجمتها إلى وقائع تبقى مسألة غير واضحة، وحسب فيشمان فإن “الشهرين المتبقيين لترمب هما سبب قلق إسرائيل، فأسلوب عمله لم يتغير، إذ بعد مقتل أميركي وإصابة جنود في هجوم شنته ميليشيا موالية لإيران على قاعدة عسكرية في العراق، اقترح فريق من عدة وزارات أميركية 12 خياراً للرد، وكان اغتيال سليماني في نهاية القائمة”، وفاجأ ترمب مستشاريه بهذا الخيار.
لا تريد إسرائيل أن تتفاجأ بما سيقرره الرئيس الأميركي في أسابيعه الأخيرة، وهي لن تُفاجأ في كل حال، وعلى الأرجح ستكون شريكاً في أي عمل عسكري أميركي ضد المنشآت النووية الإيرانية، أو يطلب منها ترمب القيام بنفسها بهذا العمل. وليس نتانياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي بعيداً عن هذا المناخ، فهو الحليف المقرب لترمب والأكثر مطالبةً بردع إيران.
وقد استبق نتانياهو احتمالات اندلاع الصدام بتوجيه رسائل نارية إلى إيران وحلفائها، منها غارات الأسبوع الماضي في سوريا، وكثف اتصالاته بروسيا، حيث أجرى اتصالاً بالرئيس فلاديمير بوتين مؤكداً على استمرار التعاون في سوريا، على رغم أن البيان الروسي عن المحادثة قال، إنها تناولت البحث في مكافحة وباء كورونا!
في السياق تُعد الغارات في سوريا رسالة إلى حزب الله ايضاً، من جملة رسائل تم إيصالها في مناسبة المناورات العسكرية الآنفة الذكر، ولكن ماذا سيفعل الحزب وبقية التنظيمات الموالية لإيران على امتداد المنطقة في حال تعرض رأس “محور الممانعة” إلى الهجوم؟
ماذا عن حزب الله؟
تشير تصريحات سلامي وغيره من القيادات الإيرانية إلى إلغاء الحدود الجغرافية للرد، وستفضل إيران على الأرجح عدم الانخراط في معارك مباشرة مع الأميركيين والاستعانة بدلاً من ذلك بالحلفاء والأتباع لخوض حروبهم الصغيرة بالنيابة عنها. فالأهم بالنسبة إلى القيادة الإيرانية الحفاظ على نظامها… وحربها يمكن أن تخوضها في ساحات أُخرى. وسيتوفر لها ذلك في العراق حيث تنشط ميليشياتها بقوة، وربما استعانت ببقايا تنظيم “القاعدة” عبر قياداته المقيمة في إيران لشن هجمات ضد الأميركيين وحلفائهم.
ويبقى حزب الله، التنظيم الأهم لدى إيران، فهل يندفع أو تدفعه إيران إلى خوض معركة ستجلب الدمار الكامل للبنان، الغارق في أزماته الاقتصادية والمالية والسياسية، أم أنه سيبقى بعيداً بانتظار مرحلة ما بعد الانفجار الكبير، محتفظاً بقواه للإمساك نهائياً بهذا البلد، نظاماً وحكماً؟
كل الاحتمالات واردة في حال فاجأ ترمب العالم بقنبلته الأخيرة، وربما يدفع بسلوكه هذا المنطقة بأكملها إلى تسويات جديدة، أو يشرِّع الأبواب أمام فصل جديد من التوترات والدمار الإضافي.
طوني فرنسيس
اندبدبندت عربي