للولايات المتحدة الآن فرصة نادرة للتقدم بالأمن النووي وسياسة عدم نشر السلاح النووي في أرجاء الشرق الأوسط. ويبدو أن الرئيس المنتخب بايدن ومستشاريه يؤمنون بأن عودة عاجلة إلى صفقة النووي التي وقعتها إدارة أوباما مع إيران في 2015 هي الطريق الأفضل لتحقيق هذا الهدف، ولكنهم مخطئون. على الإدارة الجديدة أن تستخدم اتفاقات إبراهيم بين إسرائيل والإمارات والبحرين كرافعة، وأن تبدأ عصراً جديداً من التعاون المدني الآمن والهادئ في الطاقة النووية بشكل يعزز الشراكة الناشئة بين إسرائيل ودول الخليج وضم السعودية إليها.
لم تتمتع إسرائيل حتى الآن بأكثر من سلام بارد مع جيرانها. ولكن التسخين السريع للعلاقات مع الإمارات والبحرين يشير إلى طريق جديد. لقد وقعت الحكومات الثلاثة على اتفاقات تعاون في جملة مجالات، مثل الخدمات المالية، والاستثمارات المشتركة، ومكافحة الإرهاب، وتكنولوجيا التعقب الأمني، وغيرها. وثمة مشاريع مشتركة تتقدم بسرعة في مجالات السياحة، والصحة، والزراعة، والمياه، والفضاء، والعلوم والتجارية، وغيرها.
البرنامج النووي السعودي
إن التعاون المدني في مجال الطاقة النووية لم يطرح على الطاولة بعد، ولم يبحث في الماضي، ولكنه موضوع طبيعي وناضج للتقدم وللتعاون المجدي. وقد أبدت أبو ظبي والرياض اهتماماً شديداً بتكنولوجيات الطاقة النووية المدنية. وبدأت الإمارات ببناء محطة توليد طاقة نووية، بعد أن وقعت على الاتفاق المسمى “ستاندرد الذهب 123” مع الولايات المتحدة منذ العام 2009، وبموجبه يتنازلون عن حق تخصيب اليورانيوم أو تحويل البلوتونيوم، الأمر الذي تحتاجه الدولة الراغبة في تطوير وإنتاج سلاح نووي.
تبني السعودية مفاعل بحث نووي، ولديها خطط لعدة محطات لتوليد الطاقة النووية. وقد رفض السعوديون حتى الآن التنازل عن حقهم في التخصيب والتحول الذاتي. وحسب المنشورات، تعمل الرياض مع الصين على منشأة لإنتاج كعكة صفراء من مواد اليورانيوم، وهي خطوة مهمة في بناء تكرار الوقود الكفيل بأن يؤدي أيضاً إلى تخصيب ذاتي.
والمعارضة السعودية والمترددة للإعلان عن موافقتها على القيود التي تسد طريقها للسلاح النووي ليست مفاجئة.
لقد سمح الاتفاق النووي للقوى العظمى مع إيران في 2015 لها بالإبقاء على التخصيب الذاتي الذي يزداد مع الزمن ولبناء مفاعلات فيها إمكانية كامنة للبلوتونيوم، وذلك رغم الماضي الإيراني الذي كان مليئاً بالمخادعات المنتظمة لمراقبي النووي والخرق المتواصل لاتفاقات عدم النشر التي وقعت عليها. وكما هو معروف، واصلت إيران سلوكها حتى بعد التوقيع على الاتفاق النووي، ورغم ذلك يواصل الأوروبيون والروس والصينيون إعطاء الإسناد لها، ويعللون سلوكها الاستفزازي في انسحاب إدارة ترامب من الاتفاق.
وسواء للولايات المتحدة أم لإسرائيل ثمة سبب كافٍ للتأكد من بقاء البرنامج النووي السعودي لأغراض سلمية فقط. فأنظمة معادية مثلما في إيران وإن كانت تشكل التهديد الأكبر، ولكن الحلفاء اليوم قد يصبحون خصوماً غداً. فبعد كل شيء، ينبغي أن نتذكر بأن إيران ورثت البرنامج النووي للشاه.
إن التعاون الرباعي في النووي المدني بين الولايات المتحدة وإسرائيل والإمارات والسعودية قد يوفر اتجاهاً يساعد في منع نشر النووي غير المرغوب فيه في الشرق الأوسط. إلى جانب ذلك، يجب التأكد من أن مثل هذا الاتفاق لن يكون مرتبطاً بأي شكل كان باتفاق نووي محتمل بين الولايات المتحدة وإيران، ولا يمكن إعطاء تسهيلات لإيران ترتبط به. يمكن للتعاون أن يعنى بجملة مواضيع مثل “الأمن والأمان النووي، وجاهزية الطوارئ والمناورات المشتركة، والتعاون في التعقب، والتأكد مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية والجاهزية المشتركة للتصدي للإرهاب الإشعاعي وانتشار المواد الخطيرة.
لم يعارض الموقف الإسرائيلي منذ البداية الاستخدام السلمي للطاقة النووية المدنية من قبل جيرانها، شريطة أن يلتزموا بتعهداتهم الدولية لمنع انتشارها. وتخوف القدس هو من انتشار تكنولوجيات تخصيب اليورانيوم وتحويل البلوتونيوم والتي هي جزء لا يتجزأ من تطوير السلاح النووي.
لأكثر من 30 دولة هناك برامج طاقة نووية مدنية لأغراض سلمية، لا تتضمن تخصيباً أو تحويلاً ذاتياً، وهي تشتري وقودها النووية من خلال اتفاقات توريد محصنة. ولحفنة من الدول، مثل ألمانيا واليابان، فإن وجود قدرات تخصيب وتحويل لم تشكل مقدمة للدخول إلى برنامج تطوير سلاح نووي، ولكنها مجرد استثناء يشهد على القاعدة. من المهم أن نتذكر بأن أربعاً من خمس حالات خرق لميثاق عدم نشر الطاقة النووية كانت من حكومات في الشرق الأوسط: إيران، وسوريا، وليبيا، والعراق (كوريا الشمالية هي الخامسة). ومن هنا يتضح قلق الولايات المتحدة وإسرائيل.
ولضمان سياسة ثابتة تتضمن القيود اللازمة لغرض معالجة مخاوف الولايات المتحدة وإسرائيل، فإن واشنطن ملزمة بالإبقاء على كل دول الخليج في مستوى طاعة عال ومتماثل. إذا كانت الإدارة الجديدة تريد أن تمنع حلفاءها العرب من أن يطالبوا أو يطوروا سراً قدرات التخصيب والتحويل الذاتي، فإن واشنطن ملزمة بالعودة إلى مواقفها التقليدية (التي أيدتها قرارات مجلس الأمن) قبل الاتفاق النووي الخاطئ في 2015، أي الحظر التام على التخصيب والتحويل، بما في ذلك الحظر التام على إنتاج المواد المشعة وتطوير التكنولوجيات اللازمة لهذا الغرض، مع التشديد على البحث والتطوير لأجهزة طرد مركزي متطورة تسمح للتخصيب في مواقع سرية.
التعاون مع أمريكا
إذا أمكن لواشنطن أن تجلب الرياض إلى اتفاق تعاون في تكنولوجيات النووي المدني مع إسرائيل والإمارات تحت مظلة أمريكية، فإن الشرق الأوسط سيتمكن من النظر بأمل إلى مستقبل يعمل فيه علماء نووي عرب وإسرائيليون وأمريكيون كتفاً بكتف باسم السلام والأمن. مثل هذا التعاون سيلغي لمرة واحدة وإلى الأبد الادعاء الكاذب بأن إسرائيل، وليست إيران، تشكل تهديداً على الأمن العربي.
وسيحفز هذا التعاون بالطبع دولاً عربية أخرى لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل، ما إن ترى الفضائل الأمنية والتكنولوجية والاقتصادية للتعاون مع إسرائيل والولايات المتحدة.
بقلم: يعقوب نيجل ومارك زوبوبتس
نقلا عن القدس العربي