مرحبا بكم في مرحلة ما بعد – ما بعد الحرب الباردة العالمية

مرحبا بكم في مرحلة ما بعد – ما بعد الحرب الباردة العالمية

في حال فشلت الولايات المتحدة وحلفائها في ادارة الازمتين السورية والعراقية، فاننا سوف نستهل عصراً غير مستقر، يكون فيه الفاعلين المنتصرين من القوى الواقفة ضد النظام الدولي، مثل روسيا وإيران و”داعش”، عصر مماثل لما حدث في اواخر الثلاثينات من القرن الماضي.

نحن الان في عصر انتهاء النظام الدولي ونسير باتجاة الهاوية، مترافقا مع الاضطراب الذي احدثته الأزمة السورية، والتي وصلت اثارها الى العراق- يكملها غزو أوكرانيا – لجهة ترتيب مرحلة ما بعد الحرب الباردة، التي تقترب من نهايتها، ونحن نتحرك في مرحلة ما بعد- ما بعد الحرب الباردة في السياسة العالمية، بسبب عدم وجود نظام دولي يحدد الفاعلين.

444

ففي النظم الدولية السابقة على هذا النظام، لعبت الدول عادة وفقا للقواعد، فالخشية من العواقب كانت تمنعهم من تصرف ما. يوغوسلافيا، على سبيل المثال، وافقت على التخلي عن تريستا إلى إيطاليا خلال العشرينات من القرن الماضي تحت ضغط من عصبة الأمم. حتى عندما ارتفعت التحديات الرئيسة التي تواجه النظام، انتقل اللاعبون الدوليون لاحتواء الضرر، فالاتفاقيات البحرية في العشرينات بين القوى الكبرى، كللت الجهود النشطة لائتلافات تقودها الولايات المتحدة، ودفعت الى الاتفاق مع إيران فيما بعد في ما يسمى بـ”حرب الناقلات” خلال الثمانينات من القرن العشرين.

ومن هنا تبرز قدرة القوى الكبرى على معالجة التحديات الرئيسة، التي تواجه النظام الدولي، الذي عالج مرحلة ما بعد عام 1989 بنجاح رغم التحديات المنهجية التي طرحها صدام في حرب الخليج الأولى، وكذلك الحال بالنسبة لميلوسيفيتش في التسعينيات، وتنظيم القاعدة بعد هجمات 11 سبتمبر/ ايلول 2001.

ولكن مع بداية لسلسلة من الأحداث الكارثية، التي بإمكانها ان تؤدي الى انهيار هذا النظام العالمي، وتتمثل بعجز الجهات الحكومية المسؤولة عن حماية هذا النظام، أو تكون غير مستعدة للتعامل مع الأزمة، فعندما تفشل القوى الكبرى في ادارة الأزمات، فان ذلك يشجع القوى “الواقفة ضد” النظام العالمي على التحرك.

وعلى الرغم من أن الأزمات في إثيوبيا ومنشوريا ومقاطعة السوديت لم تتسبب بشن الحرب العالمية الثانية، إلا أنها إشارة إلى المعتدين- إيطاليا وألمانيا واليابان والاتحاد السوفياتي – فالمجتمع الدولي في حينها لم يستجيب بقوة لهذه الازمات.

وربما كانت الحرب الأهلية الإسبانية المثال الأكثر تطبيقا لهذه الظاهرة، حيث بدأت عندما تحدى المسلحون اليمينيون الحكومة الجمهورية في مدريد، بهدف تغيير النظام، وحاولت القوى الدولية جعل المعتدلين يقفون الى جانب الحكومة، لكنها فشلت في تحقيق ذلك.

واسهم الفاعلون “الواقفون ضد النظام الدولي” في تسريع القتال، حيث قاتل الشيوعيين بدعم من الاتحاد السوفياتي الى جانب الجمهورية الاسبانية، بينماـ تلقى الفاشيون دعما من إيطاليا وألمانيا وقاتلوا مع المتمردين. ولكن هذه الجهود لم تقتصر على الدبلوماسية وشحنات الأسلحة و “المتطوعين”. بدلا من ذلك، حصلت هذه الديكتاتوريات بشكل مباشر على وحدات عسكرية وقوات أجنبية راسخة، التي حددت في نهاية المطاف نتيجة الحرب.

والسؤال هنا كيف لسوريا الآن أن تطلق الاشارة ايذانا باقتراب النظام العالمي الحالي من نهايته؟ لقد عرفت حقبة الحرب الباردة من خلال عدد من العوامل الرئيسية: منها استعداد الولايات المتحدة لـ”إدارة” الأزمات العالمية القائمة في خارج اطار معاهدات المنظومة الامنية الغربية، كما رأينا مع تايوان (1994)، والصومال (1992-3)، والعراق (مستمر منذ عام 1990 )، إيران (مستمر منذ عام 1979)، ميلوسوفيتش (1994-1999)، وغيرها.

ولان الدولة ما تزال فاعل رئيس، فان الولايات المتحدة لم تقدم الا النزر اليسير لدعم المعتدلين في سوريا، وقد أدى هذا إلى سياده اثنين من القوى المعادية للنظام الدولي: الداعمة لجرائم الحرب التي ترتكبها حكومة بشار الأسد وهي إيران وروسيا، وتنظيم “الدولة الاسلامية”، إذ سيكون كابوس الشرق الأوسط لجيلين قادمين، هو الحركات الراديكالية الاسلامية والمسيحانية المتطرفة.

سوريا اليوم تشبه كثيرا ما فعلته أسبانيا في عام 1936، القوى السنية قطر وتركيا والسعودية، والسلفيين غير الحكومية تقف وراء مختلف الفصائل السنية. في الوقت نفسه، القوى المعادية للنظام الدولي ايران الشيعية وروسيا تدعم نظام الاسد، في حين يعمل “حزب الله” المدعوم من إيران في سوريا بطريقة مماثلة إلى القوات الألمانية والإيطالية في إسبانيا. في ظل غياب القيادة الغربية التي تسهم في تشكيل نتيجة الصراع، فان “المتطوعين” كانوا يتدفقون من الغرب للقتال في الحرب.

لقد كانت الحرب الأهلية الإسبانية تمهيدا للحرب العالمية الثانية، التي انهت فعليا عصبة الامم. الألمان والايطاليين الذين ساندوا الجانب المنتصر الذي تحدى النظام الدولي، وتحريض اللاعب الرئيس الآخر ممثلا بالاتحاد السوفيتي للمشاركة في الحرب الأهلية، (وفي المحيط الهادئ، واليابان)، ومن ثم إنهاء فعالية هذا النظام.

اليوم، تؤثر الأزمة السورية في نظام ما بعد الحرب الباردة، حيث فشلت الولايات المتحدة وحلفائها في ادارتها، لتمتد إلى العراق، وبقيت الجهات الفاعلة المنتصرة “الواقفة ضد النظام الدولي” تسعى لترتيب المسرح السوري، بدءا من روسيا وإيران الى تنظيم القاعدة و”داعش”، ستنتهي مرحلة مابعد بعد الحرب الباردة. وإذا لم نكن اذكياء وحاسمين، فان صراعاً دموياً ينتظرنا شبيها بالذي حدث في اواخر الثلاثينات من القرن الماضي.

جيمس جيفري هو زميل زائر في معهد واشنطن والسفير السابق لدى تركيا والعراق. سونر كاجابتاي هو زميل باير الأسرة ومدير برنامج الأبحاث التركية في معهد وصاحب صعود تركيا: أول قوة مسلم القرن الحادي والعشرين في (بوتوماك كتب)

الكلمات المفتاحية: الازمة السورية، داعش، روسيا، ايران، النظام الدولي ، ما بعد الحرب الباردة، العراق

http://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/view/welcome-to-a-post-post-cold-war-world