لعبت الولايات المتحدة الأمريكية دورٌ كبير في تحريك الشعوب العربية ضد قادتها من خلال تقديم المساعدات المالية إلى منظمات المجتمع المدني العاملة في حقوق الانسان والديمقراطية ، ودفع هؤلاء الشباب إلى ركوب الثورات والسيطرة عليها من أجل الحفاظ على المصالح الأمريكية في المنطقة، و كذلك من خلال ما يعرف بالقوة الناعمة ( Soft Power ) إذ تمكنت الولايات المتحدة الأمريكية عن طريق مندوبين مدربين من حشد الجماهير والتأثير على الرأي العام ، وإعداد الشباب وتدريبهم على أساليب التأثير غير العنيف أو ما يسمى : (Non – Violent Actio) وكانت أبرز هذه المؤسسات التدريبية معهد ( أينشتاين ) التابع لمؤسسة جين شارب ( Gene Sharp ) حيث عملوا من خلال ذلك على احداث حالة من التغيير في قيادات بعض الدول العربية من الذين فقدوا شعبيتهم ، وأعطت فرصة لغيرهم ممن يوافقون على تقسيم دولهم على أسس عرقية و مذهبية، وبناء على ذلك تم تدريب مجموعات من الشباب العرب من أجل ان يكونوا على رأس الحركات الاحتجاجية في دولهم تحت شعار تحقيق الديمقراطية، وكان أبرز هذه البرامج الأمريكية التي خضعوا لها برنامج عقد عام 2005 م تحت عنوان: (الديمقراطية ومهارات التنظيم السياسي)، وتم دعم البرنامج من المؤسسات الأمريكية التالية :
-المعهد الجمهوري الدولي . – المعهد الديمقراطي الوطني.
-الصندوق القومي للديمقراطية. – بيت الحرية .
-مبادرة الشراكة الشرق أوسطية . – أدارة للعمل الدبلوماسي .
وأكد ذلك الخبير الروسي في شؤون الشرق الأوسط (فياتشيسلاف ماتوزوف ) بتاريخ 3 \ اذار-مارس \ 2003 م خلال مقابلة له مع قناة (روسيا اليوم): ” أن المبادرات لتغيير الأنظمة العربية ليست منبثقة من داخل العالم العربي …. وأن هذه الفكرة وصلت من الخارج وتقوم بتحريكها منظمة غير حكومية أسمها ( Business For Diplomatic ) تأسست عام 2005 م من أجل ذلك، وذكر أيضاً أن هدف الولايات المتحدة الأمريكية من ذلك خلق عالم عربي ضعيف ليست فيه معارضة قادرة على تغيير الخارطة السياسية لمنطقة الشرق الأوسط، ولذلك انفقت ملايين الدولارات وساعدها في تحقيق أهدافها، فساد بعض القيادات العربية وكذلك التصادم بين مصالح الشعوب وقيادات الدول العربية .
وتبين من خلال ما تم الكشف عنه في وثائق ( ويكليليكس ) ان الادارة الأمريكية ادركت فساد وتراجع شعبية نظام الرئيس المصري السابق (حسني مبارك) وكذلك الرئيس التونسي (زين العابدين بن علي)، ونتيجة ذلك عملت الادارة الأمريكية على تقوية علاقاتها مع بعض ضباط الجيش والمعارضين الكبار مع العمل على استغلال غضب بعض الجماعات و الافراد، وبدأت تعمل على زيادة دور وكالات ومؤسسات ترويج الديمقراطية في العالم العربي، وايجاد علاقات مع بعض المفكرين العرب والصحفيين وفتحت قنوات اتصال مع مؤسسات المجتمع المدني و الحركات السياسية في العالم العربي .
وعلى الرغم مما تعرضت له الولايات المتحدة الأمريكية من خسارة بعض حلفائها في العالم العربي بسقوطهم، إلا انها اكتسبت حلفاء واصدقاء جدد في كل من مصر وتونس وليبيا واليمن، بالإضافة إلى حلفائها في النظم الملكية العربية ، واكتسبت كذلك حلفاء كانوا أعداء في الماضي وهم الاسلاميون، الذين برزوا كبديل على اثر ثورات الربيع العربي في دولهم.
وبدأت الادارة الأمريكية تتبنى سياسات مغايرة للفترة السابقة تجاه التيار الاسلامي، إذ عقدت صفقة مع الاسلاميين تقوم بموجبها الادارة الأمريكية بدعم وصولهم للسلطة وبقائهم فيها، مقابل أن يحافظوا على المصالح الأمريكية في العالم العربي، واعتبروا ان وصول الاسلاميين للسلطة فرصة جديدة لتجاوز ما حصل نتيجة احداث 11 \ ايلول-سبتمبر \ 2001 م ونهاية مقبولة لتجاوز فكرة الحرب على الارهاب .
و لكن عدم استقرار المنطقة واستمرار الثورات العربية ادى إلى اعادة النظر مرة اخرى في مواقفها نحو بعض النظم العربية وذلك لعدة اسباب:
- ظهور فشل الاسلاميين في ادارة المرحلة الانتقالية.
- سقوط بعض الانظمة الجديدة التي جاءت نتيجة ثورات الربيع العربي.
- تراجع الأوضاع الأمنية في دول العالم العربي.
- عودة الإرهاب إلى دول العالم العربي .
وعلق ذلك الرئيس الأمريكي ( باراك اوباما ) في خطاب له بتاريخ 24 \ ايار-مايو \ 2013 م:” لقد سمح الوضع المضطرب في العالم العربي للمتشددين بأن يجدوا لهم موطئ قدم في دول، مثل سوريا وليبيا وهو يعني أننا سنواجه مزيداً من التهديدات الإرهابية المحلية مثل الذي حدث في بنغازي، ومنشأة عين أمناس بالجزائر”.
وكل ذلك يدل على ان الولايات المتحدة الأمريكية كانت وما زالت تسعى من أجل تحقيق اهدافها ومصالحها، ومصالحها الثابتة، تحملها على الانتقال من حليف الى آخر جديد بغض النظر عن الطريقة أو الأسلوب.
د. حمزه السلامات
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية