بينما أثارت القيادتان السياسية والعسكرية في إسرائيل توتراً عند الحدود الشمالية، تحديداً تجاه سوريا، عقب قصف أهداف إيرانية في العمق السوري، أوصى معهد أبحاث الأمن القومي في تل أبيب، متخذي القرار بـ”الامتناع عن الخطوات الاستفزازية” وإجراء “حوار سرّي” مع إدارة الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن خلال الأشهر القريبة، معتبراً أن القضية الإيرانية ستكون في مركز سياسة الإدارة الأميركية الجديدة بالشرق الأوسط.
وجاءت التوصية بعدما رفعت إسرائيل حالة التأهب على طول المنطقة الحدودية مع سوريا، ونشرت قوات معززة من الجيش، وأغلقت المجال الجوي أمام الطيران الحربي والمدني، تحت ادّعاء احتمال توجيه طهران ضربة ضد أهداف إسرائيلية في منطقة الجولان، ردّاً على القصف الإسرائيلي الأخير على مواقعها في سوريا.
وفي موازاة هذه الإجراءات، أثارت تعليمات تل أبيب للجيش بالاستعداد لاحتمال حدوث مواجهة مع إيران نقاشاً إسرائيلياً، فالبعض اعتبرها “خطوة استفزازية” من قبل الحكومة ورئيسها بنيامين نتنياهو، الذي يواجه أزمة داخلية وخلافات مع حليفه في الائتلاف، رئيس حزب “أزرق – أبيض” بيني غانتس، تهدد بالتوجّه إلى انتخابات رابعة.
وبينما كان هذا التهديد حتى الأربعاء يقتصر على غانتس وحزبه وعلى زعيم المعارضة رئيس حزب “يوجد مستقبل” يائير لبيد، حذّر نتنياهو خصمه غانتس، الخميس، أنه إذا لم يتراجع عن مواقفه، فسيدفع نحو الانتخابات.
أجواء توتر على الرغم من استبعاد الرد
وعلى الرغم من أن التوقعات الإسرائيلية تذهب إلى أنه في حال وجّه الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترمب ضربة عسكرية ضد إيران سيكون الردّ عليها بالهجوم على أهداف لها في الجولان، من قبل عناصر طهران وحزب الله المنتشرة في سوريا، فإن إغلاق الجيش المجال الجوي في المنطقة بعد التعليمات التي أقرّتها الحكومة، أثار توتراً مبالغاً به.
وشددت جهات أمنية وعسكرية على أن حال التأهب والاستعداد تجاه الهجمات الإيرانية كان يمكن أن تتخذ قبل أشهر عدة، في أعقاب تكرار القصف الإسرائيلي للأراضي السورية، حيث وصل منذ مطلع السنة إلى 36 عملية، أدت، وفق التقارير الصادرة حولها، إلى مقتل 206 أشخاص من قوات النظام والمسلحين الموالين والقوات الإيرانية وحزب الله والميليشيات التابعة لها.
وتزايد النقاش في تل أبيب حول القرارات الأمنية بعد الشكوى التي تقدّم بها سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة غلعاد إردان، إلى مجلس الأمن يطالب فيها باتخاذ إجراءات فورية ضد ما تسمّيه بلاده “التموضع الإيراني في سوريا” وإدانة عمليات زرع عبوات ناسفة بالقرب من خط وقف إطلاق النار لتفجيرها في دوريات عسكرية، وفق ما سبق وادّعى الجيش الإسرائيلي.
وجاء في الشكوى أيضاً أن “البنى التحتية العسكرية لإيران وتموضعها في سوريا يزعزعان استقرار المنطقة”، وحمّلت إسرائيل دمشق مسؤولية العمليات التي تنفّذها عناصر إيرانية وتابعة لحزب الله، إضافة إلى إفساح المجال لاستمرار التموضع الإيراني في البلاد.
وهددت تل أبيب في الشكوى “لن نسكت أمام أي خطر على أمن إسرائيل، وسنردّ بكل الوسائل لحماية سكانها. وعلى مجلس الأمن أن يدين هذه الأحداث، ويطالب إيران بالانسحاب الفوري من سوريا”.
حساسية الفترة خلف قرار الاستعداد أمام إيران
النقاش الذي أثارته تعليمات الحكومة للجيش بالاستعداد، والخلافات الإسرائيلية بين المؤسستين الأمنية والسياسية، جاء بعد كشف مسؤول أمني في تصريحات إعلامية عن أن “التوجيهات لم تأتِ بسبب معلومات أو تقديرات باحتمال شن هجوم أميركي في إيران، إنما بسبب الفترة الحساسة في الأسابيع المتبقية لتغيّر الإدارة في واشنطن”.
واعتبر مؤيدون لهذه القرارات أن التواصل بين تل أبيب وواشنطن خلال الأسبوعين الأخيرين، خصوصاً الاتصالات التي أجراها وزير الأمن بيني غانتس مع القائم بأعمال وزير الدفاع الأميركي كريستوفير ميلر، بعد إقالة ترمب وزير الدفاع مارك إسبر، تشير إلى احتمالية اتخاذ خطوات أمنية تتطلب التعاون بين الطرفين. وبحسب مسؤولين إسرائيليين، فإن هذه المباحثات تناولت التنسيق والتشاور حول الملف الإيراني، خصوصاً وجود طهران في سوريا.
وفي خضمّ الصراع بين نتنياهو وغانتس، يجري البحث في إسرائيل من قبل مختلف الجهات المسؤولة حول كيفية التعامل مع استمرار تموضع إيران في سوريا، الذي تعتبره تل أبيب تجاوزاً للخطوط الحمر التي وضعتها للحفاظ على أمنها وأمن حدودها الشمالية والخطوات التي يتوجب اتخاذها بما يضمن عدم انعكاسها بشكل سلبي على العلاقة بين إسرائيل والإدارة الأميركية برئاسة بايدن بعد ثلاثة أشهر.
لكن، وفي موازاة النقاش وخلاف الرأي، يصرّ الجيش على استمرار حال التأهب والاستعداد على طول الحدود مع سوريا، محذّراً أنه لن يتردد في اتخاذ أي خطوة متوفرة له، والردّ القاسي على كل عملية تشكّل تجاوزاً للخطوط الحمر وتهدد أمن إسرائيل، حتى إن تطلّب الأمر ذلك في فترة بايدن.
أمل شحادة
اندبندت عربي