خلال الأسابيع العديدة الماضية، بدأت إدارة ترامب بالتلميح بأن تصنيف حركة المتمردين الحوثيين في اليمن على قائمة الإرهاب بات وشيكاً. وتدعم السعودية والإمارات والحكومة اليمنية مثل هذه الخطوة، ولكن العديد من الهيئات الدولية، والخبراء في شؤون اليمن، وحلفاء الولايات المتحدة، وحتى المسؤولين الأمريكيين حذروا علناً وسراً من أن يؤدي الإدراج على لائحة الإرهاب إلى عواقب غير مقصودة – وعلى رأسها احتمال المجاعة – دون خلق الفعالية المقصودة.
وفي خضم هذا الجدل، كان الأمل في أن يعمل الحوثيون على تقليل هجماتهم لتجنب صب الزيت على النار. ولكن بدلاً من ذلك استهدفوا منشأة لتوزيع النفط تابعة لشركة “أرامكو” في جدة، السعودية، في 22 تشرين الثاني/نوفمبر. وكانت مثل هذه الهجمات على مواقع غير عسكرية الشرارة التي انطلقت منها حجة إدارة ترامب لتبرير التصنيف الإرهابي، شأنها شأن التحديثات المستمرة التي يجريها الحوثيون على الصواريخ وعلاقاتهم مع «فيلق الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني. لذلك من المرجح أن يؤدي استهداف منشأة “أرامكو” إلى تقوية عزيمة الإدارة الأمريكية.
أسباب الإدراج على لائحة الإرهاب
في الغالب، يبدو أن التركيز المفاجئ على الإدراج على لائحة الإرهاب ينبع من سياسة الضغط الأقصى التي تتبعها الإدارة الأمريكية ضد إيران. ومن شأن إدراج الحوثيين رسمياً كإرهابيين – وهو خيار أيّده وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو – أن يمنع أي كيان من تزويدهم بالدعم المادي، وبذلك يعزلهم عن مصادر تمويلهم عن طريق جعل الشركات أو التجار يترددون في التعامل معهم.
وينبع الجدل الحالي أيضاً من خيبة الأمل بشأن حالة حرب اليمن التي طال أمدها. ويبدو أن الإدارة الأمريكية تَعتبر التصنيف الإرهابي أحد الأدوات القليلة القادرة على توفير النفوذ على الحوثيين. ووفقاً لهذا الرأي، من شأن خيار إبطال التصنيف الأمريكي في وقتٍ لاحق أن يمنح التحالف حافزاً يستحق المقايضة مقابل تنازل كبير من جانب الحوثيين خلال مفاوضات مستقبلية.
وللوفاء بالمعايير القانونية لتصنيف الحوثيين على قائمة الإرهاب، يجب إثبات ضلوع الحوثيين في عملٍ إرهابي (بتعريفه الواسع) وتهديدهم للأمن القومي للولايات المتحدة. وكان استيفاء هذا الشرط في الأصل عائقاً سهلاً، كما أن القرار المثير للجدل لعام 2019 والقاضي بتصنيف «الحرس الثوري» الإيراني كمنظمةً إرهابية يجعل الحوثيين هدفاً سهل المنال بشكل خاص، لأن الفرع العسكري الإيراني معروف بدعمهم. كما تسلط إدارة ترامب الضوء على هجمات الحوثيين على المدنيين والبنية التحتية المدنية، وعلى شعاراتهم المعادية (بما فيها “الموت لأمريكا”)، واختطافهم للأمريكيين.
وتؤمن السعودية أن الإدراج على لائحة الإرهاب من شأنه أن يضع المتمردين في موقف ضعيف، مما يوفر “انتصاراً” محسوساً للتحالف وسط التقدم البري الأخير للحوثيين في اليمن. وتدعم الإمارات هذه الفكرة أيضاً، ويبدو أن حكومة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي تأمل في أن يؤدي إدراج الحوثيين على لائحة الإرهاب إلى زيادة تكاليف [الاستمرار في] التحالف مع الحوثيين، مما يرغم الجهات اليمنية الفاعلة الأخرى على التخلي عن الحركة. ومن وجهة نظر الحكومة، يمكن أن يؤدي وصف المتمردين بالإرهابيين إلى تعزيز شرعيتها وإضعاف أي محاولات مستقبلية يقوم بها الحوثيون لتحقيق اعتراف دبلوماسي أوسع بحركتهم من خلال الادعاء بأن “الحيازة هي تسعة أعشار القانون” [أي من السهل الحفاظ على ملكية الأراضي إذا كانت في حوزة الحوثيين]، لأن الحركة تسيطر حالياً على جزء كبير من البلاد بحكم الأمر الواقع.
أسباب عدم الإدراج على لائحة الإرهاب
على الرغم من هذا الجدل، يخشى العديد من المراقبين والمعنيين بالشؤون اليمنية أن تطغى العواقب السلبية على أي فعالية يتم اكتسابها. وعلى وجه الخصوص، هم قلقون من أن يؤدي هذا التصنيف إلى مجاعة في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون في البلاد من خلال تقليص المساعدات وأعمال القطاع الخاص – تماماً كما أسفر الإدراج على لائحة الإرهاب في الصومال [إلى هذه النتيجة] قبل عقد من الزمن.
إعاقة المساعدات. يشعر العديد من الشخصيات في مجتمع المساعدات بقلق عميق من أن يؤدي إدراج المتمردين على لائحة الإرهاب إلى الحد من قدرة هذه الشخصيات على تقديم المساعدات التي تشتد الحاجة إليها إلى 80 في المائة من اليمنيين الذين يعيشون تحت سيطرة الحوثيين، أو أكثر من 20 مليون شخص. وسبق بالفعل أن قللت [بعض] البلدان من تعهداتها بتقديم مساعدات إنسانية لليمن؛ وفي وقت سابق من هذا العام علّقت “الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية” برنامجها البالغة قيمته 73 مليون دولار، مما دفع العديد من الوكالات الدولية إلى إغلاق مشاريع تهدف إلى درء المجاعة.
ومن الممكن تنفيذ الإعفاءات أو التراخيص التي من شأنها أن تسمح للجهات الفاعلة الإنسانية بمواصلة العمل في الأراضي التي يسيطر عليها الحوثيون على الرغم من الإدراج على لائحة الإرهاب، لكن مثل هذه الجهود باءت بالفشل في دول أخرى. فوفقاً لصحيفة “لوس أنجلوس تايمز”، مرت الصومال بمجاعة شديدة بعد ثلاث سنوات فقط من تصنيف الولايات المتحدة لـ “حركة الشباب” كمنظمة إرهابية في عام 2008، وقد عاد ذلك جزئياً إلى الإعفاءات غير الواضحة. وتستغرق مثل هذه الاستثناءات وقتاً طويلاً للتحضير بشكل صحيح، ومع ذلك تم التعجيل بالإعفاءات التي يتم وضعها حالياً لليمن، مما يثير مخاوف من أنها لن تكون مؤاتية. وحتى لو كانت الإعفاءات سليمة في النهاية، إلّا أن السوابق التي شهدها الصومال والولايات القضائية الأخرى تشير إلى أن العديد من منظمات الإغاثة قد تفضّل الابتعاد عن اليمن بدلاً من المخاطرة في الوقوع في مشاكل مع السلطات الأمريكية عن غير قصد.
التضييق على القطاع الخاص: من شأن تصنيف الحوثيين على قائمة الإرهاب أن يحد أيضاً من قدرة القطاع الخاص على توفير السلع الأساسية لليمن – وهو عامل خطر رئيسي آخر للمجاعة بالنظر إلى أن 90 بالمائة من أغذية البلاد يتم استيرادها [من الخارج]. وبما أن المؤسسات التجارية والمصرفية وشركات التأمين وشركات الشحن التجاري لا تستطيع تجنّب التفرّعات الاقتصادية للحوثيين في شمال اليمن، فقد تغلق أعمالها أو تحوّلها بعيداً عن البلاد بدلاً من المخاطرة بالتعرض لمشاكل قانونية. بالإضافة إلى ذلك، لا يبدو أن إدارة ترامب تفكر في [منح] إعفاءات للقطاع الخاص. وفي الوقت الحالي، [لا تزال] محلات البقالة اليمنية ممتلئة بالمخزونات، لكن العديد من المواطنين لا يتمكنون من شراء السلع الأساسية بسبب عدم دفع رواتبهم وأزمة العملة. وسيتفاقم الوضع بشكل كبير إذا أدى الإدراج على لائحة الإرهاب إلى إزالة الطعام والسلع الأخرى من الرفوف بصورة تامة.
عرقلة الوساطة ومحادثات السلام: قد يؤدي الإدراج على لائحة الإرهاب إلى إعاقة عملية السلام أيضاً – سواء عن طريق جعل من الصعب دبلوماسياً على واشنطن دعم محادثات حكومة هادي مع جماعة إرهابية، أو من خلال الحد من قدرة الوسطاء على العمل مع المتمردين، حيث أن حتى تقديم المشورة لهم يمكن اعتبارها “دعماً مادياً”. وقد ينطبق ذلك على مكتب المبعوث الخاص للأمم المتحدة وعلى عُمان أيضاً، التي تستضيف ممثلي الحوثيين في مسقط. كما أنه قد يؤدي عن غير قصد إلى إنهاء الوساطة المتعلقة بتفريغ النفط من ناقلة النفط “أف أس أو سيفر [FSO Safer]” الراسية حالياً قبالة الساحل اليمني الواقع تحت سيطرة الحوثيين. ويخشى الخبراء من حدوث تسرّب من السفينة أو تفككها، مما قد يتسبب بكارثة بيئية أكبر من تسرب نفط “إكسون فالديز” الشهير [قرب سواحل ألاسكا عام 1989].
ويمكن أن يكون للمخاوف بشأن مخاطر السمعة والمعايير الدقيقة للدعم المادي، آثاراً شديدة على الباحثين في شؤون اليمن. وسيؤدي ذلك إلى عزل المسؤولين الأمريكيين عن مصدر مهم لفهم الصراع المعقد، وتوسيع فجوة المعرفة القائمة أصلاً بسبب عدم وجود سفارة أمريكية في اليمن.
خطر التعقيد
يعتقد معظم المسؤولين الأمريكيين أن نفوذهم محدود في الصراع اليمني ما لم ينضموا كشريك عسكري كامل (وهو ما يؤيده عدد قليل جداً من المسؤولين) أو يقطعوا مبيعات الأسلحة للتحالف (وهو ما قد تفعله إدارة بايدن). ولذلك يجادل مناصرو التصنيف بأن إدراج التنظيم على لائحة الإرهاب هو النفوذ الوحيد الذي تستطيع أمريكا استعماله مع الجهة الوحيدة التي تبدو محصّنة ضد الضغط الأجنبي. ومع ذلك، فإن إدراج الحوثيين على لائحة الإرهاب سيزيد من خطر المجاعة، وقد يجعل الولايات المتحدة طرفاً في النزاع الذي تجنبته نوعاً ما حتى الآن. وقد تصبح صفة الإرهاب عنصراً آخر يحتاج إلى التفاوض من أجل إنهاء الحرب – وهو تعقيد غير ضروري لإدارة أمريكية افتخرت بالخروج من صراعات الشرق الأوسط.
وبالفعل، قد يشير الحوثيون وأنصارهم إلى الإدراج على لائحة الإرهاب كدليل إضافي على اعتقادهم بأن أمريكا هي التي تقف سراً وراء الحرب. وأولئك الذين يتهمون في الأصل حكومة هادي بالانخراط في حرب اقتصادية قد يرون انضمام جانب أمريكي إلى تلك الحملة إذا كان الإدراج على قائمة الإرهاب يقيدهم مالياً بصورة أكثر. ولطالما واجهت واشنطن تصوّرات بالذنب في الحملة الجوية للتحالف، والتي تصب جيداً في مصلحة روايات الحوثيين، لذلك فهي لا تحتاج إلى تعريض نفسها لاتهامات مماثلة على الجبهة الاقتصادية.
ولا يبدو أن هجوم الحوثيين الأخير على شركة “أرامكو” السعودية قد غيّر رأي أيٍّ من الطرفَيْن المعنييْن بهذا الجدال. وإذا فشلت الجهود المتنوعة للتأثير على إدارة ترامب، فقد يتم إدراج المتمردين على قائمة الإرهاب في وقت قريب لا يتعدى الأول من كانون الأول/ديسمبر. وعلى المدى القريب، من غير المرجح أن يرد الحوثيون على ذلك من خلال الجلوس على طاولة المفاوضات؛ وبدلاً من ذلك، قد يرون الإدراج على قائمة الإرهاب كدليل على أن التحالف لا يريد التوصل إلى اتفاق معهم. وغالباً ما يشير الحوثيون إلى حركة “طالبان” في أفغانستان كنموذج، مجادلين بأن الولايات المتحدة انتظرت عقدين من الزمن قبل أن توافق على إجراء محادثات مع التنظيم. وفي ضوء هذه النظرة الطويلة للتاريخ، يبدو أنهم على استعداد للتريث إلى حين انتهاء المسألة، في حين أن أياً من الحزبين السياسيين في الولايات المتحدة، أو السعوديين لا يملك الاستعداد نفسه. وبالتالي، فمن أجل درء المجاعة المحتملة، وإبقاء خطوط التواصل مفتوحة، وتجنّب التعقيد والعرقلة، على إدارة ترامب أن لا تصنّف الحوثيين كتنظيم إرهابي.
إلينا ديلوجر
معهد واشنطن