يأخذ العالم على محمل الجد كل السيناريوهات الممكنة في الوقت المتبقي من ولاية الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، والذي لا يزيد عن 45 يوما. وكلما ضاق الوقت حبس العالم أنفاسه بانتظار مفاجآت. وأكثر ما يثير الاهتمام هو توجيه ضربة عسكرية لإيران. وربطت قراءاتٌ عملية اغتيال العالم النووي، محسن فخري زادة، بسيناريو أكبر يتم حبكه بعناية، لاستدراج إيران إلى معركة. والسؤال الذي يطرح نفسه: ما الذي يدفع ترامب إلى القيام بعمل على درجة عالية من الخطورة، قبل أن يترك البيت الأبيض بقليل؟
هناك أكثر من سببٍ يبرّر لترامب القيام بعمل عسكري ضد إيران، يختتم به ولايته، ويدخل التاريخ من هذا الباب. والسبب الأول تقديم خدمة لمشروع التحالف بين الإمارات وإسرائيل الذي يعد أحد إنجازات ترامب، وكان الدافع من ورائه هو تطويق إيران، ومنعها من تحقيق مشاريعها الاستراتيجية، وفي المقام الأول المشروع النووي. ولذلك يعد اغتيال زادة بمثابة دفعةٍ على الحساب، وليس كل العملية، وربما كان محاولةً لاستدراج طهران للرد بتوجيه ضربة لإسرائيل أو أبوظبي، وساعتها يصبح الرد الكبير عليها مبرّرا. ولهذا السبب، تم استقدام القاذفة الاستراتيجية الأميركية بي 52 التي درجت العادة أن تشارك في حروب كبيرة، كما حصل في الحربين على العراق 1991 و2003.
السبب الثاني لسيناريو الحرب على إيران توريث الرئيس الأميركي المنتخب، جو بايدن، تركة ثقيلة، لن يكون عليه من السهل تجاوزها، وفتح صفحة جيدة مع طهران، يعود بمقتضاها إلى سياسة الرئيس الأسبق، باراك أوباما، وبشكل خاص إحياء الاتفاق النووي الذي ألغاه ترامب، وطرح شروطا للتفاوض على اتفاق جديد. وهذا الهدف طلب سعودي إماراتي، وهو ما يفسّر سر القلق الذي يسود في الأوساط الإماراتية السعودية من مجيء بايدن وإدارته، وهناك مخاوف فعلية في الرياض وأبوظبي من أن تنقلب المعادلة الراهنة، وتميل الكفة لصالح طهران. ولذلك توظفان كل الأوراق من أجل قطع الطريق على هذا الاحتمال، ومنعه من التحقق. ويكمن السبب الثالث في الرد على الضربات التي تعرّضت لها المصالح الأميركية في العراق من المليشيات المحسوبة على طهران، وكانت السبب وراء اتخاذ ترامب قرار تصفية قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، في بغداد في الثالث من يناير/ كانون الثاني الماضي.
والهدف البعيد بالنسبة لإدارة ترامب وإسرائيل وأبوظبي والسعودية هو خنق إيران، ومنعها من أن تتنفس، أو تستفيد من الجو الجديد الذي يمكن أن تشيعه الإدارة الأميركية الجديدة. وتعمل هذه الأطراف كل ما في وسعها كي تبقى العقوبات المفروضة على إيران، ويستمر التوتر الحالي، وعدم تطبيع العلاقات معها، بل نقل المعركة إلى داخل أراضيها، وهذا أمر واضح من خلال العمليات التي تستهدفها، مثل اغتيال زادة، وضرب مفاعل نطنز النووي في يوليو/ تموز الماضي، والذي ذكرت صحيفة نيويورك تايمز، في حينه، إن التخطيط له استغرق أكثر من عام، وإن حديثا يروج لدى بعض المسؤولين عن إستراتيجية أميركية إسرائيلية تتطوّر إلى سلسلة ضربات سرّية لا تتسبب في اندلاع حرب، يكون هدفها القضاء على أبرز جنرالات الحرس الثوري، وكذلك إبطاء عمل المنشآت النووية لإيران.
يسعى ترامب، قبل مغادرة البيت الأبيض، إلى زرع مجموعة من الألغام في طريق العلاقات الأميركية الإيرانية، ليس من السهل تفكيكها، وذات كلفة باهظة، وتتطلب وقتا طويلا، ومن شأن ذلك أن يخلق وقائع جديدة في المنطقة، تصب في طريق إضعاف إيران وإنهاكها، وهذا ما كان ترامب يعمل عليه طيلة سنوات ولايته.
بشير البكر
العربي الجديد