إيران موجودة في سوريا لتبقى

إيران موجودة في سوريا لتبقى

قالت مجلة فورين أفيرز (Foreign Affairs) الأميركية إنه يتعين على إدارة الرئيس المنتخب جو بايدن المقبلة أن تدرك أن إيران ليست مستعدة لتخسر نفوذها في سوريا بسهولة، لذلك عليها أن تعتمد سياسة واقعية تساعدها على الحد من المخاطر وتقليص الخسائر.

وترى المجلة -في تقرير للباحثتين إليزابيث دينت وأريان طبطبائي- أن إدارة الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب لم تنجح في التعامل مع إيران بالشكل الأمثل على الساحة السورية، وهو ما يطرح الكثير من التحديات أمام الإدارة القادمة.

وكان مسؤولون عراقيون أعلنوا الأسبوع الماضي عن مقتل قائد في الحرس الثوري الإيراني بغارة جوية أثناء دخوله سوريا قادما من العراق يوم 29 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وجاءت تلك الأنباء بعد أيام قليلة من اغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زاده بالقرب من طهران. ورغم أن إسرائيل التزمت الصمت، فإن أصابع الاتهام وُجّهت على نطاق واسع لأجهزة استخباراتها بالوقوف وراء العمليتين.

لكن المسؤولين الإيرانيين الذين سارعوا إلى اتهام إسرائيل باغتيال فخري زاده ووعدوا بالانتقام، رفضوا الإفصاح عن أي معلومات بشأن الهجوم على قوات تابعة للحرس الثوري الإيراني بالقرب من الحدود العراقية السورية.

وقد سخر متحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية من التقارير التي تحدثت عن مقتل جنرال في الحرس الثوري الإيراني في سوريا، ووصفها بأنها “دعاية إعلامية”.

هجمات إسرائيلية
وعلى امتداد الأعوام الماضية، اعتاد الجيش الإسرائيلي مهاجمة المواقع الإيرانية في سوريا بشكل دوري. وفي الأشهر الأخيرة، هاجمت إسرائيل أهدافا إيرانية مهمة، مما أدى إلى تصعيد التوتر بين إيران والولايات المتحدة.

وأفادت تقارير إعلامية بأن الرئيس الأميركي دونالد ترامب منح وزير الخارجية مايك بومبيو الضوء الأخضر لمعاقبة إيران، لكن البيت الأبيض لم يعلّق على تلك الأنباء. ومع ذلك، يبدو أن الرسالة وصلت للنظام الإيراني، وهي أن الإدارة الأميركية ستواصل منح الغطاء للهجمات الإسرائيلية، أو قد تنفذ بنفسها هجوما على أهداف إيرانية.

منذ اندلاع الثورة الإسلامية عام 1979، كانت علاقات إيران مع جيرانها العرب متوترة. وخلال حرب الخليج الأولى التي امتدت بين عامي 1980 و1988، انحازت جميع الدول العربية في المنطقة إلى صدام حسين باستثناء سوريا، التي اختارت الوقوف إلى جانب إيران. وعلى امتداد العقدين التاليين، ظل حافظ الأسد وبعده نجله بشار حليفين مقربين من النظام الإيراني.

وعندما بدأت الاضطرابات في سوريا عام 2011، دعمت إيران نظام الأسد، وسرعان ما تحول دعم طهران إلى تدخل عسكري شامل عبر قوات الحرس الثوري والقوات العسكرية التقليدية. وعملت طهران على تجنيد عدد كبير من المليشيات الموالية لها للقتال مع قوات الأسد.

اعلان
ووفقا للكاتبين، من الصعب حاليا تقدير العدد الحقيقي للقوات الإيرانية والمليشيات المتحالفة معها في سوريا. فقد غادرت العديد من القوات الإيرانية البلاد في وقت عزز فيه الأسد قبضته على الأراضي التي كانت سابقا بيد المعارضة، لكن عددا من القادة والوحدات القتالية بقيت في سوريا لتأمين المصالح الإيرانية والإشراف على المعارك.

وتؤكد المجلة أن طهران ترى في الواقع أن سوريا جزء مهم من “محور المقاومة” وجسر إمداد لحزب الله اللبناني، وتعلم جيدا أن سقوط حكم الأسد يعني نظاما يسيطر عليه السنّة، وقد ينحاز على الأرجح إلى خصومها بالمنطقة وفي مقدمتهم المملكة العربية السعودية.

سياسة مغايرة
ترى الكاتبتان أن إدارة ترامب تبنّت على امتداد الأعوام الأربعة الماضية سياسة غير متّسقة في سوريا أدت إلى الإضرار بمصداقية الولايات المتحدة وخدمت مصالح إيران، فقد أعلنت واشنطن مرات عدة انسحابها وخفض عدد جنودها في البلاد، مستخفة بالتزاماتها تجاه قوات سوريا الديمقراطية الكردية، شريكها في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية.

وقد نجحت إدارة ترامب -تضيف الكاتبتان- في تشخيص المشكلة، لكنها تبنّت سياسة خاطئة وبالغت في تقدير إمكانات الضغط على طهران. ولم يُسفر النهج الذي اتبعته طيلة الفترة الماضية إلا عن ترسيخ وتوسيع النفوذ الإيراني في سوريا.

وسيكون على إدارة بايدن القادمة أن تتقبل محدودية خياراتها في مواجهة النفوذ الإيراني، مع إمكانية اتخاذ بعض القرارات الفورية لتصحيح المسار، ومنها تقديم الدعم لقوات سوريا الديمقراطية، أكبر خصم لإيران في سوريا حاليا.

وفي ظل سعي العديد من الدول العربية إلى إعادة العلاقات الدبلوماسية مع سوريا -بمساهمة أميركية أو من دونها- على غرار الخطوة العمانية بإعادة تعيين سفير لها في دمشق، وفتح الإمارات سفارة لها هناك، تؤكد الكاتبتان أن بإمكان الولايات المتحدة أن تعمل على فتح قنوات خلفية مع النظام السوري عبر الدول العربية.

كما يجب على الولايات المتحدة التي حافظت على القنوات الدبلوماسية مع روسيا فيما يتعلق بالشأن السوري، أن تواصل العمل مع موسكو لتحقيق المصالح المشتركة، ومحاولة الاستفادة من الفجوة التي تزيد اتساعا بين روسيا وإيران.

وفي هذا الإطار، يمكن لواشنطن -تضيف المجلة- أن تضغط على روسيا للمساعدة في إخراج القوات الإيرانية والمليشيات التابعة لها من المناطق الواقعة على طول نهر الفرات والمناطق القريبة من إسرائيل، مقابل التنازل عن بعض المناطق لفائدة الروس مثل قاعدة التنف الأميركية.

وتؤكد أنه ينبغي على واشنطن أن تتعاون مع أنقرة وموسكو لإيجاد تسوية للوضع في إدلب، آخر معقل للمعارضة السورية وآخر ملاذ للجماعات المتطرفة مثل تنظيمي الدولة والقاعدة.

ولن يكون ذلك سهلا لأن العلاقات الأميركية التركية ليست في أفضل حال، كما أن موسكو وأنقرة لا تتفقان على تصنيف الجماعات الإرهابية، بحسب المجلة.

وتعتقد فورين أفيرز أن مواصلة العمل عن كثب مع إسرائيل سيكون من العوامل المهمة لتحجيم الدور الإيراني في سوريا، سواء عبر منح تل أبيب الضوء الأخضر لاستهداف المليشيات الإيرانية بالقرب من حدودها، أو في مسار المفاوضات الثلاثية مع روسيا بهدف تبادل المعلومات الاستخباراتية حول حركة إيران ومليشياتها في البلاد.

الجزيرة